الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية
لماذا تستهدف الميليشيات الليبية معرضاً عائماً للكتاب؟
خلَّف وصول مكتبة السفينة "لوغوس هوب" آراء متناقضة أشارت إلى مدى عمق الشرخ الفكري في المناطق الليبية

كيوبوست
في حين تتواصل المعارك بين الفصائل المتناحرة في ليبيا، وسقوط القتلى والجرحى منذ عقد، وفي ظل أزمة الحكومتَين اللتين تتنافسان على السلطة في بلاد يرزح ثلث سكانها تحت خطر انعدام الأمن الغذائي والتقسيم، ويعاني أطفالها أمراض سوء التغذية؛ أعلن المجلس البلدي لمصراتة، الرازحة تحت نفوذ الميليشيات، رفضه رسو سفينة “لوغوس هوب”، التي تُقيم معارض للكتب حول العالم منذ 2009م، على ميناء المدينة البحري، بزعم أن للسفينة “مهام تنصيرية”، بينما استقبل ميناء مدينة بنغازي السفينة.
وتضم سفينة “لوغوس هوب”، التابعة لمنظمة “OM“، أضخم مكتبة عائمة تجوب البحار والمحيطات، وترسو على موانئ مدن العالم، مفتتحةً معرضها للكتاب، الذي يضم أكثر من 5000 عنوان متنوع في مجالات شتى من المعرفة والثقافة، بإمكان الزوار شراءها.
شرخ فكري
خلَّف وصول مكتبة السفينة “لوغوس هوب” آراء متناقضة، أشارت إلى مدى عمق الشرخ الفكري في المناطق الليبية، ففي الوقت الذي رضخ فيه مجلس بلدي مصراتة رسوها في ميناء المدينة؛ استجابة لضغوط الميليشيات المسلحة، بعد تلقيه “العديد من التحفظات من جهات اعتبارية” كما سماها، استضافت مدينة بنغازي (يسيطر عليها الجيش الوطني) سفينة “لوغوس هوب”، يوم الإثنين الماضي، وكانت بذلك أول مدينة ترسو على ضفافها السفينة، ضمن جولتها بالشرق الأوسط، بينما ستبقى السفينة هناك حتى 16 أغسطس الجاري. كما رحَّب رئيس المجلس التسييري للبلدية “الصقر بوجواري”، بإقامة معرض الكتاب العائم على متنها في مدينة بنغازي، معتبراً أن هذه الزيارة تأتي في إطار انتقال المدينة من حالة الحرب إلى حالة الاستقرار والأمن.
اقرأ أيضاً: انقسام إخوان ليبيا.. خلاف حقيقي أم مناورة للتمويه؟
في أثناء ذلك، أعرب مكتب أوقاف بنغازي، في بيان له، عن أسفه لوصول السفينة إلى ميناء المدينة، واصفاً إياها بـ”التنصيرية”، ودعا سكان المدينة خصوصاً، والليبيين عموماً، إلى عدم التعامل مع السفينة؛ “لما يشكله ذلك من خطر على عقيدة المسلم وثوابت دينه، الذي هو أعز ما يملك في هذه الحياة”، حسب زعم البيان.
كما طالب البيان -القلِق- بـ”عدم الانجراف خلف الدعوات المضللة؛ التي تزيِّن الباطل في صورة الثقافة والتعلم، وتَقبُّل الآخر، وحرية الاعتقاد، فإن الدين واحد لا يقبل الله سواه”!

أما الآراء المعتدلة الداعمة لحرية المعرفة وضد المنع، فاستنكرت الاعتراض على استقبال سفينة “لوغوس هوب”، رغم أن القائمين على السفينة أظهروا تعاوناً ملموساً، إذ وافقوا على حجب 215 كتاباً بطلب من وزارة الثقافة الليبية، بينما ارتدت نساء طاقم السفينة الحجاب؛ احتراماً لمرتادي السفينة، دون طلب ذلك من أية جهة، حسب رئيس طاقم السفينة الأمريكي راندي جريب. كما أن السفينة كانت قد حطت رحالها في ميناء بنغازي ثلاث مرات سابقاً في الأعوام: 2005م، و2007م، و2010م.
ومن ضمن الآراء التي رحَّبت باستقبال السفينة؛ الكاتب والباحث الليبي “جبريل العبيدي”، الذي كتب في مقال له بعنوان “بنغازي الليبية لا تخشى لوغوس هوب”، أن وجود السفينة تحوَّل إلى “مهرجان تفاؤلي لعودة المدينة إلى المناشط الثقافية، بدلاً من الرصاص والحرب والاغتيالات، التي كانت قبل سنوات المشهد الحزين الذي يرسم مدينة بنغازي، قبل أن يحررها الجيش الليبي من الإرهابيين”.
اقرأ أيضاً: “إخوان ليبيا”.. واستغلال الدين لتحقيق التمكين!
ورداً على الادعاءات الرامية إلى تخويف الجمهور من غايات السفينة التنصيرية، كتب العبيدي قائلاً: “بنغازي بُنيت فيها أكبر كاتدرائية في إفريقيا والشرق الأوسط زمن الاحتلال الإيطالي، الذي كان يتبنى سياسة التنصير والتبشير، ومع هذا لم يتنصر ليبي واحد…”.
أما الناقد والشاعر الإماراتي د.علي بن تميم، فقد وصف، في تدوينة له، حظر معرض الكتاب في السفينة، بأنه “عادة قروسطية؛ حيث كانت تمنع القراءة وتُحرق الكتب”.
عن “لوغوس هوب”
وسفينة لوغوس هوب التي تجوب العالم بمكتبتها العائمة، دُشِّنت عام 1973م في ألمانيا، ولم تكن حينها سفينة إنما عبَّارة، استخدمت في نقل السيارات من “مالمو” في السويد إلى ألمانيا، لمدة عشر سنوات.

وفي عام 1983م تم بيعها لشركة “Smyril Line” التي أطلقت عليها اسم “Norröna”، وعُرضت العبَّارة، التي أصبحت قديمة، للبيع في عام 2003م، واشترتها شركة “GBA Ships”عام 2004م، وفي العام التالي بدأت عمليات تحويل لوغوس هوب من عبَّارة إلى سفينة صالحة لاستقبال الزوار والمقيمين والأطفال؛ لتنطلق من جديد في فبراير 2009م تحت إشراف شركة “OM”.
وتواصل “لوغوس هوب” رحلتها كمكتبة عائمة ترسو على العديد من الموانئ، التي بلغ عددها حتى الآن 139 ميناء، وتستقبل الزوار الذين وصل مجموعهم إلى أكثر من تسعة ملايين زائر، يشترون كتباً متنوعة بين العلوم والرياضة، وفن الطبخ، والفنون والطب، والمعاجم واللغات، وقد باعت السفينة ما يزيد على 10 ملايين كتاب خلال رحلاتها التي لم تتوقف منذ عام 2009م.