الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
لماذا تراجعت فرنسا عن سحب قواتها من منطقة الساحل؟
المفاجآت الإفريقية خلطت الحسابات الفرنسية وجعلت باريس تتراجع عن الانسحاب إلى حين الحصول على ضمانات عدم المساس باستثماراتها ومصالحها الاستراتيجية

الجزائر- علي ياحي
تراجعت فرنسا عن سحب قواتها من منطقة الساحل، بعد أن كان رئيسها إيمانويل ماكرون، قد أعلن، في اجتماع دول الساحل، وقف عملية “برخان” العسكرية الفرنسية؛ الأمر الذي فتح أبواب التأويلات حول أسباب تأجيل العملية إلى العام المقبل.
وجاءت عودة القوات الفرنسية لمواصلة نشاطها في “محاربة الإرهاب” بمنطقة الساحل، على وقع إعلان وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، مقتل عدد من قادة تنظيم داعش الإرهابي؛ على رأسهم عبدالحكيم الصحراوي، وكذا الإرهابي المحمود الباي، الملقب بـ”الكاري”، الذي كان يقود فرع “داعش” على الحدود بين مالي والنيجر، من طرف قوات “برخان”، بالإضافة إلى اعتقال عدد من القيادات الإرهابية؛ أبرزهم الموريتانيان سيدي أحمد ولد محمد الملقب بـ”الخطاب الموريتاني”، ودادي ولد شعيب الملقب بـ”أبو الدرداء”.
اقرأ أيضاً: الجزائر ترحب ضمنياً بعودة سيف الإسلام للحكم في ليبيا بعد تراجع الإخوان
وأعلنت فرنسا أنها ستستأنف العمليات العسكرية المشتركة في المنطقة، بعد أن علقتها في 3 يونيو الماضي، عقب الانقلاب الذي قاده الكولونيل أسيمي غويتا، في مالي؛ حيث قال الرئيس إيمانويل ماكرون، إنه “لن يبقى إلى جانب بلدٍ لم تعد فيه شرعية ديمقراطية، ولا عملية انتقال سياسي”.

يقول المراقبون إن فرنسا التي تدعم انقلاب تشاد وترفضه في مالي، في تناقضٍ صارخ، لم تستطع حسم معركتها ضد الجماعات الإرهابية التي أصبحت مع الوقت أمراً واقعاً يتمدد ويسجل مزيداً من المكاسب؛ إذ شهد عام 2020 مقتل 6250 شخصاً؛ ما جعل “برخان” عاجزة ما لم تتدخل عوامل أخرى؛ وأهمها مزيد من مشاركات قوات دول المنطقة والجوار، وكذا مرافقة العمليات العسكرية إجراءات تنموية لصالح السكان.
اقرأ أيضاً: الجزائر تدفع ثمن “صفقات” تحرير الرهائن الأجانب في مالي!
وأمام تساؤل المتابعين حول أسباب تراجع فرنسا عن “مغادرة” قواتها منطقة الساحل، يظهر الرد بين سطور تصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، التي أكدت أن التغيير لا يعني مغادرة فرنسا منطقة الساحل، أو أنها ستعمل على إبطاء عمليات مكافحة الإرهاب، وشددت على أنه “لدينا مسؤولية تأمين الخاصرة الجنوبية لأوروبا، ومن الضروري عدم السماح لمنطقة الساحل وإفريقيا، بشكل أوسع، بأن تصبح منطقة لجوء وتوسع لهذه الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمَي داعش والقاعدة
تشويش دبلوماسي

يرى أستاذ الحقوق والمحامي المعتمد لدى مجلس الدولة، عابد نعمان، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن الساحل منطقة ذات تغطية فرنسية باسم مكافحة الإرهاب، وما يحدث من ممارسات مثل اختطاف الأجانب، إنما يندرج في سياق تشويش دبلوماسي عسكري على المصالح الجزائرية، وزعزعة مصداقية الجانب الجزائري في مساعيه لتقوية الذات دون الاستعانة بمساعدة أورو- أمريكية في مكافحة الإرهاب، مشدداً على أنه مهما كانت الخسائر فإن فرنسا لم ولن تفكر في انسحاب قواتها من منطقة الساحل؛ بل هي تقاوم لحماية منصبها كشرطي مرور، عبر خلق ظروف كصاعق فتيل لتبرير وجودها.

من جانبه، يعتبر رئيس كتلة المسار الوطني بالبرلمان الليبي، علي أحمد التكالي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، أن المخطط الدولي الذي يستهدف منطقة شمال إفريقيا، ممثلة في ليبيا وتونس والجزائر، هو الدافع لفرنسا لاستمرار البقاء بهذه المناطق؛ لعدة اعتبارات، أهمها أن الدخل القومي الفرنسي معظمه يأتي نتيجة هيمنتها على عديد من الدول الإفريقية، وبالتالي فلا يتصور أحد خروج فرنسا من تلك الدول، مضيفاً أن المؤامرة التي تتعرض لها ليبيا حالياً والوجود الروسي- الفرنسي- الأمريكي، ودول إقليمية أخرى، هو أكبر دليل على أن أموراً خطيرة تُحاك لكل المنطقة، وعليه لا أحد يتوقع انسحاب فرنسا بهذه البساطة، والتفريط في إيرادات تقدر بالمليارات تدخل ميزانية فرنسا سنوياً، وشدد على أنه لا سبيل لدول المنطقة سوى تعزيز التعاون والتنسيق في ما بينها.
اقرأ أيضاً: عمليات إرهابية في الجزائر.. هل يستعرض العنابي عضلاته؟
تنافس دولي
يبدو أن فرنسا لم تتخذ أي قرار رسمي بشأن الانسحاب، وإنما لوَّحت فقط؛ في محاولةٍ لجس النبض، على اعتبار أن الوضع في منطقة الساحل يحتم عليها إبقاء قواتها العسكرية هناك؛ خصوصاً في ظل التنافس مع الدب الروسي على التوغل في إفريقيا، ولعل الإعلان عن مقتل قيادات إرهابية، واعتقال أخرى، إنما يندرج في سياق إعادة الاعتبار للوجود الفرنسي بالمنطقة.

وسارعت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، إلى التأكيد، بعد يوم إعلان ماكرون قرار الانسحاب من منطقة الساحل، أن الالتزام العسكري الفرنسي سيظل كبيراً جداً، وقالت إنه “علينا محاربة المجموعات الإرهابية، ومواصلة هذا العمل الذي سيسمح للقوات المسلحة لدول منطقة الساحل أن تكون في وضع يمكنها من الرد والتصدي”.

إلى ذلك، يشير الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، حكيم مسعودي، في تصريحٍ أدلى به إلى “كيوبوست”، إلى أن الساحل الصحراوي الإفريقي هو منطقة نفوذ تقليدية في اعتبارات فرنسا الاستراتيجية؛ بل حتى نقطة ارتكاز تبقيها على تماس مع الصحراء الكبرى من جهة، ووسط القارة على طول الشريط الممتد من الشمال الغربي للسودان إلى موريتانيا من جهةٍ أخرى، وقال إنه لذلك فهي غير مستعدة في كل الأحوال للتخلي عن مواقعها، إلا إذا ضمنت السير الحسن لمصالحها بالمنطقة؛ على غرار استغلال اليورانيوم في النيجر، والمعادن الثمينة في مالي، فضلاً عن وجود خزان مهم من المواد الطاقوية غير المستغلة.
وتابع مسعود بأن العدول عن خيار سحب قواتها العسكرية مرتبطٌ بالأحداث الأخيرة، مع الانقلابات التي شهدتها النيجر ومالي، وختم بأن المفاجآت الإفريقية خلطت الحسابات الفرنسية، وجعلت باريس تتراجع عن الانسحاب حتى ضمان عدم المساس باستثماراتها ومصالحها الاستراتيجية.