الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
لماذا تتغاضى السلطة الفلسطينية عن نشاطات “حماس” المهددة لها في الضفة؟

كيوبوست- مصطفى أبو عمشة
ذكرت قناة «ريشت كان» العبرية، أن الجيش الإسرائيلي اعتقل 122 ناشطاً من حركة حماس خلال الشهرين الماضيين؛ في محاولة لمنع الحركة من بناء بنيتها التحتية بالضفة الغربية، كما صادر مبلغ 3 ملايين شيكل مخصصة لنشاطات “حماس” في الضفة الغربية.
وأكدت مصادر إسرائيلية أن الاعتقالات في الشهرين الأخيرين، وتحديداً بعد العملية العسكرية الأخيرة بغزة، طالت قيادات من الحركة وناشطين، وخلية تعمل من جامعة بير زيت، تتلقى أموالاً من قيادة «حماس» بالخارج لتجديد نشاطات الحركة في الضفة.
اقرأ أيضاً: هل من تحولات استراتيجية في سياسة إسرائيل مع حركة حماس؟
وأشارت المصادر نفسها إلى أن النشاطات الإسرائيلية زادت بعد تراجع السلطة الفلسطينية عن اعتقال نشطاء “حماس”؛ حيث إن السلطة الفلسطينية لم تعد تتعامل مع حركة حماس في الضفة الغربية كسابق عهدها. وعملياً، تتجنب بشكل شبه كامل تنفيذ اعتقالات نشطاء الحركة في الضفة الغربية؛ وهي تتجنب إفشال عملية تحويل أموال لـ«حماس» في الضفة الغربية، أو منع مناسبات عامة علنية لحركة «حماس» في الشوارع مع إعلامها.
فما مستقبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية؟ ولماذا أصبحت تتغاضى عن نشاطات “حماس” بالضفة؟ وهل السبب الحقيقي هو حادثة الناشط الفلسطيني نزار بنات، التي تسببت في تآكل الشرعية الجماهيرية للرئيس محمود عباس، والسلطة الفلسطينية؟
وهل أصبحت السلطة الفلسطينية عاجزة بشكل فعلي عن إدارة المشهد السياسي في الضفة الغربية أم أن السلطة باتت تريد اتباع تكتيك ونهج سياسي جديد بعد الحرب على غزة؟

التنسيق الأمني
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني د.ناجي شراب، في تصريحاتٍ أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه السلطة الفلسطينية، تتمثل في مستلزمات وموجبات التنسيق الأمني بينها وبين إسرائيل، والذي لا يزال قائماً ويشمل أموراً كثيرة؛ منها أنشطة السياسيين والناشطين في الضفة الغربية، وبصفة خاصة حركة حماس، واعتقال الناشطين والقيادات والرموز التابعة للحركة، منوهاً بأنها تعد إحدى إشكاليات وعقبات المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية؛ حيث تضع “حماس” شروطاً، منها المطالبة بوقف التنسيق الأمني.
اقرأ أيضاً: هل تزيح “حماس” منظمة التحرير؟

ويضيف شراب قائلاً: “الذي يظهر أن السلطة لا تعمل على متابعة الناشطين السياسيين، كما كان في السابق؛ خصوصاً التابعين لـ(حماس)، وتترك الأمر لإسرائيل للقيام بعمليات الاعتقالات ضد ناشطي (حماس)، وكل مَن تراه يشكل تهديداً عليها؛ لأن السلطة لا تملك سلطة على نفسها، فإسرائيل تقتحم المنازل وتعتقل مَن تريد ومَن تشاء، وبالتالي فسوف تبقى تلك الإشكالية كبيرة ولا حلّ لها”.
وهذا ما تترجم فعلياً في اعتقال نواب ومرشحي المجلس التشريعي، الذي يؤكد شراب أنه أحد أسباب إشكالية الانتخابات، وهذا ما ترفضه “حماس” لممارسة حقها الانتخابي والأنشطة المصاحبة للانتخابات من مؤتمرات ولقاءات وحملات دعائية، معتبراً أن هذه إشكالية كبيرة بين السلطة و”حماس” التي لا يمكن أن تحل إلا في سياق التوافق الفلسطيني الشامل وفي إطار سياسي شامل وفي إطار حكومة واحدة يتم الاتفاق فيها على الأسس العامة والمبادئ العامة للتعامل مع إسرائيل.
ومن هنا يرى شراب أنه يمكن حل هذه الإشكالية من خلال الإعلان عن مرحلة الدولة، وإجراء مفاوضات على أساس ذلك، وأن تكون هناك مرجعية جديدة، وهذا يستوجب على حركة حماس أنه في حال تشكيل حكومة وإجراء انتخابات، الالتزام بالمرجعية السياسية والقرار السياسي الفلسطيني، والتي ستكون هي جزءاً منه.
اقرأ أيضاً: تأثيرات الصدام الأخير بين إسرائيل وحماس في غزة على التطرف
وعن مستقبل السلطة الفلسطينية في إطار الوضع القائم وعجزها عن إدارة المشهد السياسي في الضفة الغربية، يرى شراب أن السلطة تواجه سيناريوهات وإشكاليات صعبة جداً؛ فأية سلطة من السلطات يُقاس بقاؤها على أساس قدراتها وعلى استخراج الموارد والالتزامات المالية والضرائب، ومدى قدرتها على التكيُّف مع الواقع السياسي القائم، واستجابة السلطة لاحتياجات المواطنين؛ فهذه كلها غائبة غير قائمة.
خيارات صعبة
كل ذلك يعني أن السلطة في الوقت الحالي أمام خياراتٍ صعبة، حسب رؤية شراب، مشيراً إلى أن السيناريو الآخر أمام السلطة هو الاستمرار في التنسيق الأمني؛ لكن هذا سيؤدي إلى انخفاض مصداقيتها، خصوصاً مع إشكاليات المصالحة والصوت الذي بدأ يتزايد للهجوم على السلطة داخلياً وخارجياً؛ لا سيما من قِبل “حماس” التي لا تزال ترفض سلطة مرجعيتها التنسيق الأمني واتفاقية أوسلو، وفي ظل عدم موافقتها على إجراء الانتخابات.

لذلك، فإن شراب يؤكد أنه إذا لم يسارع الفلسطينيون إلى التوافق والاتفاق على انتخابات، وإعادة تشكيل حكومة وسلطة، بناء على انتخابات ومرجعية سياسية وشرعية سياسية جديدة، فقد نذهب إلى الخيارات التي لا تؤدي فحسب إلى تفكيك السلطة ونهاية للقضية الفلسطينية؛ بل يمكن الذهاب إلى الخيار الإقليمي الأردني في ما يتعلق بالضفة الغربية، والخيار الإقليمي المصري في ما يتعلق بقطاع غزة، وإنشاء سلطة حكم ذاتي بديل عن السلطة، مشدداً على أن هذا هو التصور الحالي لمستقبل السلطة الفلسطينية؛ والتي فقدت مقومات وجودها وقدراتها الذاتية.
اقرأ أيضاً: إعادة الإعمار في غزة.. المهمة المستحيلة في ظل سيطرة “حماس”

وفي سياقٍ متصل، يرى الخبير في الشؤون السياسية د.باسل منصور، في حديثٍ إلى “كيوبوست”، أن السلطة الفلسطينية لم تعد لديها القدرة على ضبط الأمور السياسية والأمنية؛ خصوصاً بعد حادثة الناشط الفلسطيني نزار بنات، وحرب غزة الأخيرة، مشيراً إلى أنه بعد رجوع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من زياته الأخيرة إلى تركيا، فإن المجتمع الدولي بات يسعى إلى إيجاد بديل جديد للقيادة الفلسطينية الحالية التي باتت عاجزة عن إدارة المشهد السياسي في الضفة الغربية، وهذا ما تترجم بالضغوطات التي مارستها دول الاتحاد الأوروبي، وبعض من الدول العربية؛ حيث كان من الضروري أن يعمل الرئيس الفلسطيني بعد حادثة نزار بنات على إقالة رئيس الوزراء أو وزير الداخلية، لكي يثبت للمجتمع الدولي أنه جاد في إحداث تغيرات حقيقية على مستوى هياكل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: الأزمات الداخلية في السلطة الفلسطينية وإسرائيل تنعكس على المواجهات العسكرية
ويضيف منصور قائلاً: “المنظمات والفصائل الفلسطينية الأخرى؛ كالجبهة الشعبية والديمقراطية ومعها (حماس)، ترفض استمرار الحكومة الفلسطينية بشخوصها الحاليين، وتطلب إحداث تغيرات في رموز الحكومة الفلسطينية، وإجراء انتخابات، وهذا ما يطلبه المجتمع الدولي ممثلاً في واشنطن والاتحاد الأوروبي”، مشدداً على أن كل هذه المتغيرات تجعل من السلطة الفلسطينية تستشعر حجم الضغوطات الممارسة بحقها، وهذا يجعلها تحجم عن تخفيف الضغط على ناشطي “حماس” والناشطين السياسيين في الضفة الغربية، مخافة من إحداث ضغوطات خارجية وداخلية أخرى على السلطة.