الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية

لماذا تبخرت منجزات جهود مكافحة الفقر في 2022؟

كيوبوست- منير بن وبر

يصف البنك الدولي العام 2022 بأنه ثاني أسوأ عام على مستوى جهود الحد من الفقر في العقدين الماضيين (بعد عام 2020). يعود ذلك بشكلٍ أساسي إلى الآثار الناجمة عن جائحة كورونا، وتغير المناخ والصراعات.

وفقاً للبنك الدولي، تعيق تلك الانتكاسات تحقيق التعافي السريع، والذي يمكن أن تمتد آثاره لسنواتٍ قادمة. الآن، بات من المتوقع أن يعيش 7 في المائة من سكان العالم في فقرٍ مدقع بحلول 2030، بدلاً عن 3 في المائة كما كان يُستهدف عالمياً.

يشهد الاقتصاد العالمي حالياً أحد أشد معدلات التباطؤ، حتى الاقتصادات الكبرى، كالولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو، تواجه تباطؤاً حاداً للنمو. أما البلدان النامية، فتعاني من ارتفاع مستويات الديون العامة؛ الأمر الذي يعيقها عن القيام باستثماراتٍ حاسمة في مجالاتٍ مهمة، مثل الاقتصاد والتعليم والصحة، مما يعني أن آثار العجز هذه سوف تستمر لعقودٍ قادمة. على المدى القصير، تشير التوقعات إلى عدم استبعاد حالة ركود عالمي خلال العام الجاري.

اقرأ أيضاً: ما هو أسوأ من السيناريو الأسوأ لتغير المناخ!

إن تأثير تغير المناخ والصراع على الفقر العالمي واسع النطاق ومعقد. يمكن أن يتسبب تغير المناخ في حدوث ظواهر مناخية شديدة تضر بالبنية التحتية والمحاصيل الزراعية. يمكن أن يؤدي الصراع إلى النزوح، فضلاً على الخسائر في الأرواح والإضرار بالبنية التحتية، وانقطاع الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم. من أجل معالجة هذه المشكلة، من الضروري الاستثمار في التكيف مع تغير المناخ وخفض النزاعات. ويتطلب ذلك تعاوناً دولياً وعملاً جاداً من جميع مستويات المجتمع.

تغير المناخ: مشكلة الجميع، والفقراء أكثر تضرراً

يعد تأثير تغير المناخ على النمو الاقتصادي والفقر قضية حاسمة، ومن المرجح أن تكون البلدان الأشد فقراً هي الأكثر تضرراً؛ لذلك، يُعتقد أن الدول الغنية تتحمل مسؤولية مساعدة الدول الفقيرة في مواجهة آثار تغير المناخ، والتخفيف من آثاره.

يُنظر إلى الظروف الجوية الأكثر قسوة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، كأحد أبرز آثار تغير المناخ، ومن المتوقع أن تزداد شدة في المستقبل. من جانبٍ آخر، هناك عدد من الأسباب التي تجعل تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى مزيدٍ من الصراع داخل المجتمعات أو بين الدول.

أحد الأسباب الرئيسة لذلك النوع من الصراع هو الضغط الهائل على الموارد الطبيعية، والتي يؤدي التنافس عليها إلى الصراع. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يزداد الجوع وسوء التغذية نتيجة لتغير المناخ، مما يجعل الناس يائسين وأكثر استعداداً وعرضة للعنف. يمكن أن يؤدي تغير المناخ أيضاً إلى المزيد من الهجرة، حيث يحاول الناس الهروب من المناطق التي لم تعد صالحة للسكن. وهكذا، تتجمع كل تلك العوامل لخلق ظروف مثالية لنشوب الصراع العنيف.

لتغير المناخ تأثير كبير على المجتمعات الفقيرة-IFRC

بشكلٍ عام، من المرجح أن تكون البلدان الأشد فقراً هي الأكثر تضرراً من تغير المناخ؛ لأنها تفتقر إلى الموارد اللازمة للتكيف مع الظروف الجديدة. على سبيل المثال، بسبب الجفاف أو الفيضانات، قد يجد المزارعون في البلدان النامية، والذين يكافحون لإطعام أسرهم، أن محاصيلهم تضررت بشدة، أو لم تعد تنمو، مما يؤدي إلى مزيدٍ من الفقر والجوع.

يدرك العلماء اليوم أن هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، والتخفيف من آثاره والتكيف معه. تتحمل الدول الغنية مسؤولية مساعدة الدول الفقيرة في هذا الجهد، سواء من خلال المساعدة المالية أو من خلال مشاركة التكنولوجيا والمعرفة. بدون اتخاذ إجراءات، ستكون عواقب تغير المناخ كارثية على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، وستتحمل أفقر الدول وطأة الآثار القاسية.

الصراع: عدو الرخاء الأول

تعيش عشرات الدول حول العالم نوعاً من أنواع الحروب والنزاعات بمستوياتٍ مختلفة. لكن، حتى الصراعات المحلية الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على اقتصاديات البلدان المعنية، ورفاهية شعوبها. في عام 2021، كلّف العنفُ الاقتصادَ العالمي 16.5 تريليون دولار.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد العالمي لم يعد بحاجة إلى روسيا

وصل مؤشر السلم العالمي في العام 2022 إلى أدنى مستوياته منذ 15 عاماً. في العام 2021 بلغ الأثر الاقتصادي العالمي ما يعادل 10.9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. شهدت كلٌ من روسيا وأوكرانيا أكبر تدهور في السِلم، تليهما غينيا وبوركينا فاسو وهايتي. ومن بين الدول الأقل سلاماً أيضاً تبرز أفغانستان واليمن وسوريا وجنوب السودان.

إجمالاً، وفقاً لتقرير مؤشر السلم العالم لعام 2022، تُصنف 71 دولة حول العالم بأنها في حالة تدهور فيما يتعلق بالسِلم. كما وصل متوسط الأثر الاقتصادي للعنف إلى 34% من الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للبلدان العشر الأكثر تضرراً منه.

دول في حالة حرب/عنف أو تمرد خلال العام 2023. World population review

يؤثر الصراع على اقتصاديات جميع الدول ورفاهية شعوبها. حتى الصراعات المحلية الصغيرة يمكن أن يكون لها تأثير كبير على اقتصادات البلدان المعنية، وكذلك على اقتصادات الدول الأخرى المجاورة أو المرتبطة بها؛ إذ إن تعطيل طرق التجارة، والأضرار التي تلحق بالبنية التحتية، والخسائر في الأرواح، كلها عوامل تؤدي إلى خسائر فادحة.

إضافة إلى التكاليف المباشرة للعنف، توجد كذلك تكاليف غير مباشرة، مثل الفرص الضائعة للاستثمار والنمو. عندما يكون بلد ما في حالة نزاع، فإن احتمالية قيام الشركات بالاستثمار فيه تنخفض، ويقل احتمال زيارة الناس لها كسياح. كل هذا له تأثير غير مباشر على الوظائف والدخل.

اقرأ أيضاً: هل يمثل انتصار دا سيلفا لحظة فاصلة في السياسة العالمية لتغير المناخ؟

على المدى الطويل، غالباً ما تكافح البلدان المتضررة من النزاعات من أجل التعافي الاقتصادي؛ لأنها غالباً ما تعاني مما يعرف بـ”هجرة الأدمغة” أي فقدان العمال المهرة الذين يغادرون أوطانهم بحثاً عن فرص أفضل. قد تواجه الدول المتأثرة بالنزاع أيضاً صعوبة في الوصول إلى المساعدات والاستثمار الدوليين.

لتغير المناخ تأثير كبير على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. من المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم التفاوتات الحالية، لأن الأشخاص الأكثر عرضة لتأثيراته، مثل الفقراء وشعوب الدول النامية، غالباً ما يكونون الأقل قدرة على التعامل معها أو التكيف معها. كما يتسبب الصراع في خسائر فادحة في الاقتصادات، ويدمر البنية التحتية ويشرّد الشعوب.

وكما هو الحال مع تغير المناخ، غالباً ما يكون أفقر الناس الأكثر تضرراً من النزاع، بسبب محدودية مواردهم التي يمكن الاعتماد عليها عندما تتعطل سُبل عيشهم. يمكن أن يكون لكل من تغير المناخ والصراع تأثير كبير على النمو الاقتصادي والفقر ومستقبل عشرات الدول؛ لذا، هناك حاجة مُلحة لتضافر الجهود والتخفيف من آثارهما.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة