الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
لماذا بدأ أردوغان فجأة التعامل بلطف مع أعدائه؟

كيوبوست- ترجمات
آسلي آيدنتاسباس♦
يُعرف عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه رجل قاسٍ عديم الرحمة، لكنه أظهر مراراً أنه مستعد للتخلي عن مواقفه؛ عندما يرى أنها لم تعد تخدم مصالحه. وها هو ذا اليوم يفعل ذلك من جديد. هكذا افتتحت آسلي آيدنتاسباس “مقال رأي” نشرته صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً.
تشير الكاتبة إلى الدور الذي حاولت أن تلعبه تركيا خلال العقد الأخير كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط؛ حيث نشرت قواتها في العراق وسوريا وليبيا، واستعرضت قوتها في البحر المتوسط في مسعى لفرض نفوذها في مناطق الدولة العثمانية السابقة. وقد شمل ذلك التعاون مع دولة قطر الحليفة لدعم الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. الأمر الذي أثار صداماً أيديولوجياً بين هاتين الدولتين مع دولٍ عربية أخرى في الخليج والشرق الأوسط، وجذب بعض الدول الأوروبية مثل اليونان وفرنسا.
ولكن وبتأثير من الحرب في أوكرانيا، واشتداد المنافسة بين القوى العظمى، وتقليص الولايات المتحدة لوجودها في الشرق الأوسط، يبدو أن دول المنطقة بدأت توجه اهتمامها إلى داخل حدودها، وتوطد أنظمتها، وتسعى لخفض التوترات فيما بينها، وتركيا ليست استثناءً. فعلى مدار العام الماضي كانت تركيا ترسل مبعوثيها إلى العواصم الإقليمية، وتعرض تطبيع علاقاتها مع خصومها السابقين.
اقرأ أيضاً: بعد زيارته إلى السعودية.. أردوغان يقتلع جذور الإخوان في تركيا
في الأيام الماضية، أعلنت تركيا وإسرائيل إعادةَ السفراء بعد أكثر من عشر سنوات من التوتر بينهما. وفي فبراير الماضي، زار أردوغان أبوظبي على الرغم من أن وسائل إعلامه كانت تصور رئيس دولة الإمارات على أنه عدو لدود لتركيا. وفي مارس قام المدعي العام التركي الذي يحقِّق في مقتل الصحفي جمال خاشقجي بنقل القضية إلى المحاكم السعودية، ممهداً بذلك الطريق أمام زيارة أردوغان إلى الرياض، ولقاء ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان. كما أرسلت أنقرة وفوداً إلى القاهرة؛ لإصلاح الضرر الذي لحق بعلاقاتها مع مصر نتيجة دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وتورطها في الحرب الليبية.
وترى آيدنتاسباس أن أردوغان لديه أسبابه الشخصية وراء رغبته في تحسين علاقاته مع أنظمةٍ كان يأمل في الهيمنة عليها ذات يوم. فمع اقتراب انتخابات عام 2023، يواجه أردوغان معارضة موحدة، واقتصاداً يعاني من الركود، وخزائن الدولة شبه الفارغة، وتراجعاً في قيمة الليرة التركية، وتضخماً وصل إلى 80%.

ومع تراجع شعبيته، وعلى الرغم من قبضته الشديدة على البلاد، فإن فرص إعادة انتخابه ليست مؤكدة. وهو يأمل في أن بناء صداقات مع أعدائه السابقين، خصوصاً دول الخليج الغنية، سيجلب الأموال التي تحتاجها البلاد بشدة لدرء أزمة الإفلاس المحتملة؛ نتيجة أزمة ميزان المدفوعات التي تلوح في الأفق.
ربما يكون التحول السياسي الأكثر دراماتيكية هو تلويح أنقرة في أكثر من مناسبة إلى استعدادها للحوار مع الحكومة السورية، بعد سنوات من الضغط لتغيير النظام في دمشق، ودعم جماعات المعارضة المسلحة في شمال البلاد. ويأتي هذا التوجه لإرضاء ملايين الناخبين الغاضبين من وجود ملايين اللاجئين السوريين في بلادهم.
لطالما طالبت المعارضة التركية بتطبيع العلاقات مع سوريا؛ تمهيداً لعودة اللاجئين إليها، والآن يحاول أردوغان القفز إلى تلك العربة، ويتخذ إجراءات لتشجيع عودة ملايين السوريين إلى وطنهم. وعلى الرغم من أن فرص نجاح هذه المحاولة ضئيلة للغاية، فإن ما يهم أردوغان هو الوعد بعودتهم قبل الانتخابات، ويأمل في أن أي حديث حول اتفاق مع دمشق سوف يزيل الانتقادات الداخلية واسعة النطاق لسياسته تجاه سوريا.
اقرأ أيضاً: نهاية صراع أردوغان مع الأنظمة العربية
وقد بدأت مناورة أردوغان لخفض التوترات الإقليمية تؤتي ثمارها، وأظهرت احتياطيات البنك المركزي التركي زيادة بأكثر من 17 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، ويتكهن الخبراء بأنها أموال روسية وخليجية، وبأن المزيد سوف يأتي. وعلى الرغم من انزعاج حلفاء الناتو من سياسة الانفتاح على موسكو التي ينتهجها أردوغان، فإنهم التزموا الصمت حيالها؛ لتجنب استعداء أردوغان ودفعه أكثر نحو الكرملين.
وتخلص الكاتبة إلى أن مناورة أردوغان الذكية لا تغير حقيقة أنها مدفوعة بموقفه الداخلي السيئ. وترى أنه على الرغم من حكمه الاستبدادي، فلا يزال النظام الانتخابي التركي فعالاً، ويتيح المجال للمنافسة. والناخبون غير راضين عن التضخم وسوء الإدارة والفوضى والتوجه العام للبلاد.
وربما يساعد تدفق الأموال الأجنبية في منع وقوع كارثة اقتصادية، ولكن في نهاية المطاف، لا يستطيع بوتين والأسد وبن سلمان تحديد نتائج الانتخابات التركية. بل الأتراك أنفسهم، وحتى الآن، يبدو أنهم غير مقتنعين بقدرة أردوغان على تحقيق غدٍ أفضل.
♦زميلة متقدمة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
المصدر: واشنطن بوست