الواجهة الرئيسيةاليوم الوطني السعوديشؤون خليجية

لماذا الاحتفال باليوم الوطني للمملكة العربية السعودية؟

كيوبوست- خاص

ديفيد رونديل

عندما وُلد مؤسس المملكة العربية السعودية، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1876- 1935)، لم تكن هناك دولة تُسمى السعودية. كانت شبه الجزيرة العربية، آنذاك، مجزأة كما كانت حال ألمانيا قبل بسمارك أو إيطاليا قبل غاريبالدي. في ذلك الوقت، كان للعثمانيين والبريطانيين وشريف مكة الهاشمي وإمام اليمن، وغيرهم من زعماء القبائل، نفوذ سياسي في شبه الجزيرة العربية؛ ولكن بحلول عام 1930 تلاشى نفوذ الجميع؛ باستثناء الإمام يحيى في صنعاء والبريطانيين الذين اختفوا بدورهم من المشهد السياسي لشبه الجزيرة العربية.

اقرأ أيضًا: في ذكرى اليوم الوطني الحادي والتسعين للمملكة العربية السعودية.. نضج وثقة في مواجهة التحديات

كان البدو يجوبون صحارى شبه الجزيرة العربية القاحلة، ولم يكن لهم موقع ثابت أو ولاء سياسي يتجاوز قبائلهم وعشائرهم وعائلاتهم، وحافظوا على نظامهم القانوني والضريبي وقواتهم العسكرية؛ ولكن خلال جيلَين انهار الاستقلال السياسي والاقتصادي للقبائل السعودية، وعلى عكس اليمن وأفغانستان اليوم، لم تعد القبائل السعودية تتحدى السلطة السياسية للحكومة المركزية أو تتصرف كمصدر بديل للخدمات الاجتماعية.

الملك عبدالعزيز.. قائد محنك أسَّس وطناً وأبهر مفكري ومؤرخي العالم- أرشيف

ارتبطت الوحدة السياسية للسعودية ارتباطاً وثيقاً بتكاملها الاقتصادي؛ ففي عام 1900 كانت التجارة بين المدن السعودية لا تزال محدودة وبدائية ومحفوفة بالمخاطر، وكانت العملات الهندية والبريطانية والعثمانية هي المتداولة بالأسواق العربية التي لم تكن تمتلك أي نظام تجاري موحد أو نظام ضريبي مشترك أو بنك مركزي؛ ولكن بحلول عام 1950، أصبحت شبه الجزيرة العربية بمعظمها سوقاً موحدة ذات عُملة واحدة وبنك مركزي يعمل في هيكلية قانونية وضريبية واحدة، كانت هذه الوحدة ضرورة لازدهار العمل.

حدثت كل هذه التغييرات بفضل رجل واحد، هو الملك عبدالعزيز. وعلى الرغم من الكثير مما يُقال فيه؛ فإن هنالك حقيقة جوهرية في أسطورته؛ محارب شاب جريء يتمتع بشخصية قيادية، تمكن من توحيد شعبه تحت لواء الإصلاح الديني. وبوجود الحظ وحسن التقدير، تطور إلى ملك قوي جلب الأمن والازدهار إلى شعبه، وخلق واستغل ودمَّر في النهاية جيشاً من المتدينين المتزمتين. أقام علاقات مع بريطانيا العظمى التي ساعدته بدورها على ضم أجزاء عديدة من الإمبراطورية العثمانية الممزقة. وازن الملك عبدالعزيز بين مصالح علماء الدين وشيوخ القبائل والتجار وعائلته الكبيرة، وصاغ من كل هؤلاء ائتلافاً قوياً فعالاً، وأسَّس سوابق في السياسة الخارجية والسياسة الداخلية وتوارث الحكم، اتبعها ورثته إلى حد كبير.

الملك عبدالعزيز مع بعض أبنائه

وبعد وفاة الملك عبدالعزيز، تمكن أبناؤه من نقل السلطة ست مرات دون عنف؛ أزاحوا ملكاً غير كفؤ، وتعاملوا مع اغتيال ملك آخر، وتجاوزوا محنة مرض عضال طويل أصاب ملكاً ثالثاً. وكان نقلهم السلمي والمنظم للسلطة السياسية أمراً غير معتاد في منطقة انتشرت فيها الانقلابات والثورات العنيفة. كان الاستقرار السياسي أساسياً لتطور المملكة العربية السعودية، وكذلك كان الأمن الاقتصادي.

اقرأ أيضًا: 90 عاماً.. السعودية ملحمة التأسيس ورؤية 2030 المستقبلية

يتذكر السعوديون الأكبر سناً من تجاربهم الخاصة أو من قصص آبائهم، كم كانت المملكة تفتقر إلى الأمن؛ لم يكن هنالك رجال شرطة، وكانت المدن محاطة بالأسوار والبوابات التي تغلق في الليل. كانت القبائل تتقاتل من أجل الماء وتتقاضى أموالاً من المسافرين لقاء الحماية، وكانت السرقة شائعة حتى بين الحجاج في مواسم الحج. وتمكن الملك عبدالعزيز وأبناؤه من تغيير كل ذلك. اليوم يسافر الناس عبر المملكة ويخشون حوادث السير لا قطَّاع الطرق. وعندما يفكر السعوديون في الفوائد التي حققتها لهم حكومتهم، فإن الأمن من الجريمة والحروب عادة ما تكون على رأس قامة هذه الفوائد، وهذا صحيح؛ خصوصاً عندما يفكرون في الظروف السائدة في العديد من الدول المجاورة.

إلى جانب الأمن، تحسَّنت ظروف السعوديين من ناحية الصحة والتعليم والسكن والرفاهية العامة بشكل كبير جداً. حتى في عام 1960، كان السعوديون يعانون الكوليرا والملاريا والرمد وسوء التغذية، وكان كثيرون منهم يفتقدون الكهرباء ومياه الشرب النظيفة، وكان متوسط العمر أقل من خمسين عاماً، وكان التعليم محدوداً خارج المدن الرئيسية، ولم يكن هنالك نظام طرق حديث بين المدن. واليوم أصبح كل ذلك مجرد ذكريات؛ فالرعاية الصحية والكهرباء ومياه الشرب الآمنة والتعليم أصبحت متاحة على نطاق واسع، وارتفع متوسط العمر إلى أكثر من 75 عاماً. وتمتلك السعودية اليوم واحدة من أفضل شبكات الطرق الوطنية في العالم، وفقاً للبنك الدولي؛ لقد تحسنت الظروف بالنسبة إلى الجميع تقريباً.  

تحسن وضع المرأة في المملكة بسرعة أكبر بكثير مما كان يتوقعه الكثيرون- وكالات

لا تزال المملكة العربية السعودية دولة مرتبطة بالقيم الإسلامية؛ ولكنها دولة انتقلت نحو ثقافة أكثر انفتاحاً وتسامحاً وعالمية. وعلى الرغم من أن الغرب نادراً ما كان يعترف بذلك؛ فإن النظام الملكي السعودي لم يكن قوة رجعية تعيق تقدم الشعب، بل على العكس تماماً؛ غالباً ما يتحرك الملوك السعوديون مع خطى غالبية الرأي العام ويفرضون التحرر في مواجهة معارضيه. ألغى الملك سلمان العديد من القيود التي فُرضت بعد الاستيلاء على الحرم المكي عام 1979. وعلى عكس بعض الدول؛ حيث أنفق الغرب مليارات الدولارات في محاولة لتغيير وضع المرأة دون فائدة، فقد تحسن وضع المرأة في المملكة بسرعة أكبر بكثير مما كان يتوقعه الكثيرون حتى قبل سنوات قليلة.

اقرأ أيضًا:  السعودية تحتفل بعيدها الوطني وسط تحديات سياسية واقتصادية

واليوم تواجه المملكة العربية السعودية العديد من التحديات؛ فلا تزال إيران واليمن يمثلان مشكلة أمنية، وجائحة “كوفيد-19” أدت إلى تباطؤ الجهود المبذولة لتحقيق التوازن في الميزانية وتنويع الاقتصاد وخلق وظائف سعودية جيدة، والنظام القانوني والسياسي يحتاج إلى المزيد من الشفافية والمساءلة. ولا شك أن مستقبل المملكة العربية السعودية لن يعتمد في نهاية المطاف على إنجازات الماضي، بل على القدرة على التأقلم مع الظروف المتغيرة. لا يزال هنالك الكثير مما يجب فعله؛ ولكن المملكة لديها الكثير لتحتفل به في يومها الوطني الحادي والتسعين.

ديفيد رونديل: الرئيس السابق للبعثة في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في الرياض، ومؤلف كتاب “رؤية أم سراب؟ المملكة العربية السعودية على مفترق الطرق”، الذي لقي استحساناً كبيراً.

لقراءة الأصل الإنكليزي:  WHY CELEBRATE SAUDI NATIONAL DAY

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات