الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمجتمع
للمتشائمين: العالم أفضل مما كان عليه
في أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لقي حوالي نصف مليون شخص حتفهم بسبب العنف المباشر في الحروب، أما في السنوات الأخيرة؛ قلّ عدد القتلى السنوي إلى أقل من 100 ألف.

كيوبوست
إن نظرة سريعة على العالم ستجعلنا نراه سوداوياً، فيه الفقر مستشرٍ والتنمية معطلة، والحروب لا تتوقف، وضحاياها يتزايدون.
أما في حال نظرنا إليه بعيون متفحصة، فسوف نرى الزيادة المذهلة بعدد السكان والتي تحققت خلال القرن العشرين، ونلمس انخفاض نسبة الفقر، وزيادة في مجالات التعليم، وتراجع الحروب وانتشار السلام نسبياً، مقارنة بالقرون الفائتة.
وبخصوص هذا التناقض محل الجدل في رؤية العالم، غرّد خبير التخطيط الحضري فؤاد العسيري، عبر حسابه على “تويتر” قائلاً: “المغيبون لا يسألون أنفسهم لماذا ارتفع سكان العالم منذ عام 1900 بشكلٍ متسارع، وانخفض معدل الفقر بشكلٍ كبير، وزاد متوسط أعمار الناس، وزادت معدلات التعليم، وقل عدد الحروب بشكلٍ عام”.
وطرح العسيري تساؤلاتٍ حول تلك الإنجازات: “من أين أتى ذلك؟ وكيف تحقق؟ وما هي منهجيات التطوير التي اعتمدها الإنسان في العصر الحديث حتى يحقق ذلك؟”

بمجرد النظر إلى الزيادة السكانية المذهلة التي حصلت ابتداءً من القرن العشرين؛ بالإمكان مواجهة النظرة السوداوية حول الوضع الراهن للعالم، لأن تلك الزيادة حصلت لأسبابٍ تطويرية إيجابية.
فقد نما عدد السكان من أقل من 2 مليار شخص في عام 1900م، إلى أكثر من 8 مليارات في العام الحالي، بحسب موقع our world in data، ومع ظهور الإنسان العاقل قبل 12000 سنة، لم يكن عدد السكان يتجاوز المليون نسمة غالباً، بحيث كان الجنس البشري مهدداً بشكلٍ خطير بالانقراض.

ويعود سبب الزيادة السكانية إلى انخفاض معدل الوفيات، ابتداءً من القرن العشرين، وذلك بسبب التطور العلمي والطبي، فقد ساهمت عوامل مثل تطوير أنظمة الصرف الصحي، والوصول إلى المياه النظيفة، في تقليل فرصة نقل العدوى والأوبئة، وهذا ما عزَّزه أيضاً ابتكار اللقاحات، ابتداء من اختراع لقاح الجدري الذي أفنى الملايين.

وساعد تطوير التقنيات الطبية وآليات العمل الطبي، في السيطرة على الأمراض المميتة، وأبرزها أمراض القلب والشرايين والسرطانات، من خلال التقنيات المتطورة والدقيقة، وطرق الكشف المبكر عن الأمراض، واعتماد سبل النظافة والتعقيم العالية في العمل الطبي، وكلها عوامل زادت من إطالة متوسط عمر الإنسان، إلى جانب تحسين جودة الحياة، عبر وفرة الأغذية وتنوعها وانتشار الوعي حول أنماط الحياة الصحية، ما رفع متوسط عمر الإنسان عالميا من 48 عاماً خلال عام 1950م إلى 72 عاماً خلال عام 2015م.
اقرأ أيضاً: عدد السكان يتزايد… ما القدرة الاستيعابية للكوكب؟
وعلى مستوى المواليد؛ انخفض عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة، من خمسة ملايين في عام 1990 إلى 2.4 مليون في عام 2019م.
وحول تطوّر العلم ودوره بتحسين جودة الحياة، علّق أحد المتفاعلين مع تغريدة العسيري: “نعمة الهندسة الكهربائية والإلكترونية أحد أبرز الأسباب.. كهربة أدوات القياس، وتشمل الأدوات الطبية”.
تراجع الفقر
كما شهد العالم هبوطاً حاداً في مؤشر الفقر، ففي عام 1800م كان 81% من الأفراد في جميع أنحاء العالم يعيشون في فقر، في حين انخفضت تلك النسبة إلى 44% بحلول عام 1990م، وذلك استناداً إلى معيار خط الفقر السابق، المتمثل بحصول الفرد على 1.9 دولار في اليوم كحد أدنى، وتم رفع معيار خط الفقر عام 2022م من قبل البنك الدولي، ليصل إلى 2.15 دولار في اليوم، وبناء على المعيار الجديد وصلت نسبة الفقر حول العالم إلى 8% عام 2022م.
وترجع مقالة بعنوان “ماذا وراء الانخفاض المذهل في معدلات الفقر العالمي؟”، انخفاض الفقر إلى أسبابٍ غير متوقعة، كالتجارة الدولية والعولمة، إذ إن التجارة الدولية لا تقتصر على فتح أسواق الدول النامية لاستقبال سلع الدول المتقدمة، إنما أصبحت التجارة الدولية متبادلة بين الدول النامية نفسها، وهذا يؤدي إلى تطوير الأسواق الداخلية، ما يخلق فرص توظيف أكبر، ويمكّن من تطوير جوانب أخرى في الدولة مثل سيادة القانون، ما يسمح للأفراد بأن يكونوا أكثر قدرة على الاستثمار الشخصي.

ويؤدِّي تطوير السوق الداخلي في الدول النامية إلى تطوير البنى التحتية الوطنية، وزيادة فرص التعليم وتحسين الصحة، وكلها عوامل تتيح للأفراد أن يكونوا أكثر إنتاجية، وبالتالي شق طريقهم للخروج من الفقر.
ولم تكن التجارة الدولية ستتم من دون طفرة النفط والغاز، ذلك أن التصنيع والزراعة ووسائل النقل كالناقلات البحرية والسفن والطيران الجوي تعتمد على مشتقات النفط لإتمام علميات الإنتاج والنقل، وبالتالي ضمان الوصول إلى السلع والفائض، وعلى رأسهما الأغذية، التي شهدت وفرة نتيجة لزيادة المساحات المزروعة بسبب استبدال الأدوات البدائية بالآلات المتطورة، التي تعمل بمشتقات النفط.
اقرأ أيضاً: لماذا تبخرت منجزات جهود مكافحة الفقر في 2022؟
وفي هذا السياق علّق أحد المتفاعلين على تغريدة العسيري: “… النفط هو العامل الأول لتحسّن اقتصاد الكوكب، بعد النفط استقر الاقتصاد العالمي، وزادت المساحة المزروعة، وتطور الطب، وحصلت طفرة المواليد لكل العالم، بالآلات وتصدير الفائض نقل العالم من البدائية”.
وكون الدخل ليس المؤشر الوحيد لقياس نسبة الفقر، بل الوصول للغذاء والمياه النظيفة واللقاحات وغيرها، فقد ساعدت المؤسسات العالمية مثل مؤسسات الأمم المتحدة للتعليم والصحة، وغيرها، على ضمان وصول تلك الأساسيات للشعوب الأفقر.
السلام النسبي
لا يمكن الحديث عن زيادة عدد السكان، دون الحديث عن قلّة الحروب وانخفاض عظيم في عدد ضحاياها، فعلى الرغم من تزاحم الأخبار حول الصراعات المتفرقة حول العالم، فإن الأرقام تظهر أن الصراعات المتعلقة بالتوسع أو الدفاع عن الإمبراطوريات الاستعمارية قد انتهى، وحل محلها الصراعات الصغيرة الأقل فتكاً.
ففي أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لقي حوالي نصف مليون شخص حتفهم بسبب العنف المباشر في الحروب، أما في السنوات الأخيرة؛ قلّ عدد القتلى السنوي إلى أقل من 100 ألف.

وخلصت مقالة بعنوان “هل تتراجع الحرب – ولماذا؟”، إلى أن الفترة الزمنية الدقيقة للانحدار وأسباب الانخفاض الحاد في القتال ومعدل الوفيات موضع خلاف… وتجادل المقالة بأن السلام أصبح أكثر ربحية للعالم، وتستعرض العوامل المحتملة وراء تراجع الحروب وضحاياها، مثل التصنيع والنمو الاقتصادي، والاعتماد التجاري المتبادل، والسلام الديمقراطي الليبرالي، والردع النووي، وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.