الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

لغوي بارز ينادي بالاعتدال في وجه طوفان اللغة “اليونيليزية”

تقريباً لم تستمر أية لغة أخرى في الحياة بقدر ما استمرت اليونانية التي استخدمت دون انقطاع في نفس البقعة الجغرافية تقريباً منذ 40 قرناً

كيوبوست- ترجمات

هيلينا سميث♦

في الأحوال العادية كان البروفيسور جورجيوس بابينيوتيس، يفخر بأن كلمة “pandemic”؛ أي الجائحة، -التي لم يكن ينطق بها أحد إلا نادراً- قد أصبحت اليوم على كل لسان. فهذه الكلمة التي تعبر عن مأساة عصرنا تقدم دليلاً قاطعاً على إرث أقدم لغة في أوروبا؛ فالكلمة مشتقة بالكامل من اليونانية -Pan، وتعني الجميع، وDemos تعني الناس- وقد تضاعف استخدامها بنسبة تفوق 57000% خلال العام الماضي، وفقاً لمؤسسة قاموس أكسفورد الإنجليزي.

ولكن اللغوي الأبرز في اليونان أصبح في هذه الأيام أقل اهتماماً بالنظر في مدى إثراء لغته الأم للمفردات العالمية، وغدا قلقه الأكبر يتركز حول التأثيرات المدمرة لفيروس كورونا على وطنه. لقد أدى الانتشار الهائل للجائحة والمصطلحات التي نتجت عن هذا الانتشار إلى وجود أرضية خصبة لغزو لفظي للغته الأم لم يكن بابينيوتيس ليتخيل حدوثه.

قال بابينيوتيس لصحيفة “الأوبزرفر”: “لقد أغرقنا سيلٌ من المصطلحات والتعريفات الجديدة في فترة زمنية قصيرة جداً؛ حيث يدخل الكثير منها اليونانية المحكية والمكتوبة. نسمع اليوم على التلفاز عبارات مثل (يتم إجراء سبيد تيست من خلال مراكز درايف ثرو)، وجميع كلماتها تقريباً هي إنجليزية. فجأة يبدو الأمر وكأنني أستمع إلى لغة هجينة”.

اقرأ أيضاً: هل يهدد الإيموجي مستقبل اللغة؟

كان الرجل الثمانيني صاحب القواميس التسعة هو أول مَن قال إن اللغة تتطور. كما أقر بأن ظهور الإنترنت شكل تهديداً؛ ولكنه لم يعارض قط إضافة كلمات جديدة تعبر عن التقدم التكنولوجي. يقول متحدثاً عن معجمه القيم للغة اليونانية الحديثة الذي يقع في 2500 صفحة: “لقد أدرجتها في معجم ليكسيكون؛ ولكني كنت مُصراً على أنه يجب أن تحل محلها كلمات يونانية؛ حيث يكون ذلك ممكناً. وقد استخدمت كلمة (diadiktyo) للدلالة على الإنترنت، ويسعدني أن أقول إنها انتشرت”.

تقريباً لم تستمر أية لغة أخرى في الحياة بقدر ما استمرت اليونانية، التي استخدمت دون انقطاع في نفس البقعة الجغرافية تقريباً منذ 40 قرناً. وقد تمكنت من الصمود أمام اختبار الزمن بفضل كونها لغة العهد الجديد، واللغة الحاملة لأفكار العصر الذهبي للمسرح والعلماء والفلاسفة.

أصبحت المخابز اليونانية تسمي نفسها “Bread Factory”- “ذا غارديان”

ولكن بابينيوتيس؛ وزير التعليم السابق، يشعر بالقلق من أن المرونة التي تميز بها التاريخ اليوناني الطويل أصبحت معرضة لخطر التآكل تحت تأثير هجمة المصطلحات الإنجليزية التي تهيمن على الحياة اليومية الآن. ويقول إنه خلال عام واحد اضطر اليونانيون إلى إدخال كلمات؛ مثل “lockdown” و”delivery” و”click away” و”curfew”، إلى عقولهم وألسنتهم.

اقرأ أيضاً: هل عملت الهواتف الذكية على تدمير جيل كامل؟

ومع تعزيز القيود على التسوق، يوم الجمعة الماضي؛ بسبب ارتفاع معدلات الإصابة من جديد، تم إطلاق نظام “كليك إنسايد” -الذي يسمح فقط بدخول المتاجر للمتسوقين الذين قاموا بحجز موعد مسبق عبر الإنترنت- من أجل مساعدة قطاع البيع بالتجزئة الذي تضرر كثيراً بسبب الجائحة. يعبر بابينيوتيس عن امتعاضه من استخدام الإعلانات الحكومية مصطلحات إنجليزية، ويقول: “يجب أن يكون هنالك بعض الاعتدال؛ نحن لدينا لغة غنية جداً، وكما يقول المثل (يجب أن يكون لدى الإغريق كلمة تعبر عن هذا الشيء)، فكلمة ((Lockdown يمكن ترجمتها بكل سهولة مثلاً”.

اللغوي ووزير التعليم اليوناني السابق جورجيوس بابينيوتيس

يرى بابينيوتيس أن هنالك عقلية معينة أتاحت للإنجليزية أن تنتشر؛ حيث لا داعي لانتشارها، ويقول: “هنالك الكثير من المتاجر التي تحمل لافتات باللغة الإنجليزية، أخشى أن تكون وسيلة لزيادة المبيعات والانتشار. فبدلاً من كلمة (artopoieio) اليونانية التي تعني المخبز، نرى الآن مخابز تسمي نفسها (bread factories)، وأصبح الحلاقون اليوم (hairdressers)، وغداً ربما يصبحون (hair stylists!).. هذا الأمر لن يتوقف”.

اقرأ أيضاً: “العربية” في المركز الخامس.. اللغات الـ25 الأكثر انتشاراً في العالم

وليست هذه المرة الأولى التي تندلع فيها حرب كلمات على اللغة اليونانية؛ فالجدل حول اللغة بين مؤيدي التغيير والتقليديين الذين يدافعون عن نقاء اللغة كوسيلة لإحياء العصر الذهبي، يرجع إلى القرن الأول قبل الميلاد. احتدم الجدل على مدى 400 سنة من الحكم العثماني، وتفجر بشكل كبير في الفترة التي سبقت حرب الاستقلال عام 1821، ثم جاء الصراع بين اللغة اليونانية النقية “katharevousa” التي اعتمدت كلغة رسمية للبلاد بعد الثورة، واللغة العامية المحكية “”demotiki، ولم يحسم هذا الصراع إلا في عام 1976؛ حيث اعتمدت اللغة المحكية رسمياً.

يقول بابينيوتيس: “بالنسبة إلى اليونانيين لطالما كانت اللغة مسألة حساسة، أعرف أن ما أقوله قد يزعج البعض؛ ولكن من واجب اللغوي أن يتحدث”. وكانت احتجاجات بابينيوتيس مادة دسمة للساخرين ورسامي الكاريكاتير؛ ولكنه ليس وحيداً، فمع ظهور اللغة “اليونيليزية” -اليونانية المكتوبة بأحرف إنجليزية- كلغة إلكترونية غير رسمية، بدأت التحذيرات تنطلق وظهرت مجموعات على “فيسبوك” تستنكر هذه الظاهرة. تقول سوزانا تسوفالا، من مكتبة بوليغلوت في أثينا، والمتخصصة في كتب اللغات الأجنبية: “يستخدمها الكثير من اليافعين؛ لأنهم يظنون أنها أسهل، فالتهجئة أسهل، وليس عليهم استخدام حركات التشكيل المطلوبة في اللغة اليونانية؛ لكننا في نهاية المطاف نفقد لغتنا”.

انتشرت كتابة اللغة اليونانية بأحرف إنجليزية مع انتشار الإنترنت- أرشيف

في نظر كثيرين أصبح خط الدفاع الأخير يتمثل في دور النشر؛ ففي دار باتاكيس، وهي إحدى أكبر دور النشر في البلاد، تتم مراقبة إدراج الكلمات الأجنبية في أي عمل بعناية فائقة. تقول إيلينا باتاكي، التي تنشر شركتها العائلية كتباً لمختلف الأعمار: “الكتب هي حراس اللغة، وقد نشرنا مؤخراً كتاباً عن الشركات المملوكة من قِبل عائلات، واتخذنا خياراً واعياً بأن نحد من الإشارات إلى المصطلحات الأجنبية”. وهي ترى أن بابينيوتيس معه حق، وتقول: “لماذا يجب على يوناني في التسعينيات من عمره أن يعرف الإنجليزية كي يذهب للتسوق؟ لقد أنتجتِ الجائحة لغة كونية لمشكلة كونية، وآمل أننا سنقوم بحذف ونسيان هذه الكلمات بعد انتهاء الجائحة”.

♦مراسلة صحيفة “الغارديان” في اليونان وتركيا وقبرص.

المصدر: ذا غارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة