الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
لغز كوفيد الجديد في الهند.. لماذا ارتفعت نسب الإصابة فجأة؟

كيوبوست – ترجمات
ديفيد ليونهارت♦
على مدار معظم العام الماضي، كانت وفيات “كورونا” في معظم أنحاء آسيا وإفريقيا منخفضة بشكلٍ لافت للنظر. ولا تزال المعدلات منخفضة في كل إفريقيا وشرق آسيا تقريباً؛ باستثناء الهند، التي تعاني تفشياً مروعاً للفيروس. وقد بدأ الأكسجين اللازم لعلاج المرضى في النفاد من المستشفيات، وارتفعت الوفيات المؤكدة جراء كوفيد إلى 2000 حالة يومياً، بعد أن كانت أقل من 100 حالة في فبراير. والعدد الحقيقي للقتلى أعلى من ذلك.
شاهد: فيديوغراف.. الهند و”كورونا”
وفاجأت هذه الزيادة الحادة العديد من الأشخاص، سواء داخل الهند أو خارجها. فقد كتبت سمريتي مالاباتي، في مجلة “نيتشير”: “إن موجة كوفيد الهائلة في الهند تحير العلماء”، وقال شهيد جميل، عالم الفيروسات بجامعة أشوكا: “كنت أتوقع موجاتٍ جديدة من العدوى؛ لكنني لم أكن أحلم بأنها ستكون بهذه القوة”.
ثمن الغطرسة
ولفهم ما يحدث، من المفيد العودة إلى العام الماضي عندما كان الأطباء والمسؤولون الهنود يستعدون لموجاتٍ من الإصابة بمرض كورونا الخطير؛ لكن تلك الموجات لم تحدث قط. وبدلاً من ذلك، أُصيب ملايين الأشخاص بحالات طفيفة فقط.

ويبدو أن أكثر التفسيرات منطقية -هو مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في الهواء الطلق في الهند، وانخفاض مستويات السمنة، والشباب النسبي للسكان، واحتمالية أن تكون الفيروسات السابقة قد خلقت بعض المناعة الطبيعية- وجميعها توحي بأن الهند لم تكن ببساطة على جدول زمني متأخر لـ”كوفيد-19″. وبدا أن البلاد، شأنها في ذلك شأن العديد من جيرانها، تفلت من أسوأ أنواع الوباء.
وتتفق الأبحاث العلمية التي تشير إلى أن نحو نصف البالغين في المدن الكبرى قد أصيبوا بالعدوى بالفعل مع هذه الفكرة. وقد قال الدكتور برابهات جها، عالم الأوبئة في جامعة تورنتو: “لقد أدى ذلك إلى افتراض مفاده أن الهند قد تلقت تطعيماً طبيعياً بتكاليف زهيدة”.
اقرأ أيضاً: كيف تعيد الجائحة تشكيل الهند بشكل يفوق الخيال؟
وتصرَّف المسؤولون الحكوميون بثقةٍ تامة. وكما قال رامانان لاكسمينارايان، عالم الأوبئة بجامعة برينستون ومقره نيودلهي، لمجلة “نيتشير”: “كانت هناك رواية عامة مفادها أن الهند قد قهرت (كوفيد-19)”. وخشي بعض العلماء الذين اعتقدوا أن موجة “كورونا” جديدة لا تزال ممكنة الحدوث من أن يتناقضوا مع الرسالة الصادرة عن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
والواقع أن مودي لديه سجل في قمع المعارضة، وقد قالت منظمة “فريدوم هاوس”، وهي منظمة مراقبة للديمقراطية، مؤخراً، إن الهند لم تصبح سوى دولة “حرة جزئياً” تتجه “نحو الاستبداد”. ولثقتهم في تغلبهم على الفيروس، قام المسؤولون الحكوميون بتخفيف القيود المفروضة على جميع الأنشطة تقريباً، بما في ذلك حفلات الزفاف والتجمعات السياسية والدينية. كما نظمت مدينة هاريدوار الشمالية واحدة من أكبر التجمعات في العالم هذا الشهر؛ حيث احتفل الملايين من الناس بمهرجان كومب ميلا الهندوسي.

لكن بحلول منتصف مارس، كان الفيروس قد بدأ في إعادة ترسيخ نفسه من جديد. ويبدو أن أحد العوامل الرئيسة هو أن العديد من الأشخاص الذين عانوا سابقاً حالات خفيفة أو عديمة الأعراض من “كورونا” قد ظلوا عرضة للإصابة به. (تشير دراسة أكاديمية حديثة أُجريت في الصين إلى أن الحالات الخفيفة لا تمنح سوى مناعة محدودة).
اقرأ أيضاً: التحورات والسياسة واللقاحات.. العوامل وراء أزمة كوفيد في الهند
كما أن ظهور طفرات جديدة معدية يلعب دوراً أيضاً؛ حيث أكدت الدكتورة جينيفر لايتر، من جامعة نيويورك، أن هذا المزيج -مناعة أقل مما يعتقده الكثير من الناس، والطفرات الجديدة، واستئناف الأنشطة- قد أدى إلى طفرة متعددة فائقة الانتشار. والواقع أن الموقف رهيب إلى الحد الذي أدى إلى إرباك بعض المحارق الهندية. وقال سوريش بهاي، الذي يعمل في إحدى المحارق في ولاية غوجارات الغربية، لصحيفة “التايمز”، إنه لم ير قط خطاً مجمعاً للموت لا نهاية له كهذا.
ما الذي يمكن القيام به الآن؟
إن الحلول المتاحة ليست سراً؛ فقد نجحت الاستراتيجيتان نفساهما في مختلف أنحاء العالم، حيث تقييد الأنشطة التي تؤدي إلى انتشار الفيروس، وتسريع وتيرة التطعيمات. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، أعلنت بعض الحكومات المحلية؛ بما في ذلك في دلهي ومومباي، عن فرض قيودٍ على السفر وحفلات الزفاف والتسوق.. وغيرها من الأنشطة.

وسيكون تسريع التطعيمات أكثر تعقيداً؛ حيث تلقى نحو 10% من سكان الهند جرعة واحدة على الأقل، ليتبقى أكثر من مليار شخص بحاجة إلى التطعيم بشكل كامل. وللقيام بذلك، فقد قررت الهند -وهي أحد أكبر مصنعي اللقاحات- مؤخراً خفض تصدير الجرعات. كما انتقد المسؤولون الهنود إدارة بايدن؛ لعدم تصديرها المزيد من إمدادات اللقاحات إلى الهند، نظراً للإمدادات الأمريكية الكبيرة. (قالت الولايات المتحدة في ما بعد إنها ستفعل ذلك).
اقرأ أيضاً: لقاح كوفيد يكشف عن ثغرة في عدالة التوزيع العالمي
وقال جها: “وسط كل هذه المعاناة، هناك بصيص من الأخبار الجيدة المحتملة”؛ فغالباً ما كان عدد الحالات في ثاني أكبر ولاية في الهند من حيث عدد السكان -ولاية ماهاراشترا، وعاصمتها مومباي- مؤشراً رئيساً للاتجاهات الوطنية، وقد استقرت الحالات هناك خلال الأسبوع الماضي.
لكن من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان ذلك مجرد ومضة بسيطة؛ لأنه سيكون أمراً بالغ الأهمية إذا استقر الوضع في ولاية ماهاراشترا. وفي خطوة أخرى مناهضة للديمقراطية، أمرت الحكومة الهندية “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تويتر” بإزالة المنشورات التي تنتقد طريقة تعاملها مع الوباء.
♦كاتب في صحيفة “نيويورك تايمز”، كما شغل منصب رئيس مكتب واشنطن ورئيس التحرير المؤسس لقسم “أب شوت”.
المصدر: نيويورك تايمز