الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

لغات الإشارة.. بدأت من الأديرة

كيوبوست

لم يحسم العلماء بعد متى بدأ الإنسان بالتحدث، بينما يفترض بعضهم أنه بدأ بالتواصل عبر الصوت خلال فترة زمنية واسعة النطاق تمتد منذ نحو 50000 عام إلى أكثر من مليونَي عام، ثم في أزمنة لاحقة نشأت اللغات التي انقسمت هي الأخرى. ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم عانى بعض البشر فقدان القدرة على النطق، وظلوا غير قادرين على التعبير عن أنفسهم حتى ظهور نوع مختلف من اللغات، ألا وهو لغة الإشارة.

ولإذكاء الوعي بأهمية لغة الإشارة في الإعمال الكامل لحقوق الإنسان لفئة الصُّم، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 23 سبتمبر بوصفه اليوم الدولي للغات الإشارة، ووقع الاختيار عليه لأنه تاريخ إنشاء الاتحاد العالمي للصم في عام 1951.

اقرأ أيضاً: مرض ألزهايمر.. أكثر من فقدان للذاكرة!

ولغات الإشارة، وفقاً لتعريف الأمم المتحدة، هي لغات طبيعية مكتملة الملامح على الرغم من اختلافها هيكلياً عن لغات الكلام المنطوقة، ويبلغ عددها 300 لغة تنتشر حول العالم.

في الأديرة

عانى فاقدو السمع وبالتالي النطق في الحضارات القديمة نظرة دونية؛ فمثلاً قال الفيلسوف الإغريقي أرسطو “إن الأشخاص الصُّم هم أيضاً أغبياء في جميع الحالات”، مع ذلك استخدم الصُّم الإيماءات في اليونان القديمة للتواصل؛ فواحدة من أقدم لغات الإشارة المدونة هناك تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد. بينما حُرِم الصُّم بموجب القانون الروماني من حق توقيع وصيَّة، إذ يُفترض أنهم “لا يفهمون شيئاً؛ إذ لا يمكن أن يكونوا قادرين على تعلم القراءة أو الكتابة”!

بعدها بفترة طويلة، فُتحت طاقة الفرج للأشخاص غير القادرين على النطق، وذلك عندما طوَّر الراهب “بونس دي ليون” إيماءات باليد توحي كل واحدة منها بحرف من أحرف الأبجدية؛ مما ساعد الصُّم في الدير الذي يعمل فيه على التهجئة والتواصل.

شارل ميشيل ليبي في إحدى مدارس الصُّم والبكم التي أنشأها- “le point”

لم تتوقف جهود تطوير لغات الإشارة، ومن الواضح أنها بدأت من دور العبادة؛ فقد نشر رجل دين ولغوي إسباني آخر يُدعى “خوان بابلو بونيت”، عام 1620م، طريقته التعليمية للأشخاص الذين يعانون إعاقة سمعية، والتي تتقاطع مع أبجدية لغات الإشارة الحديثة، مقترحاً أن يتعلَّم الصُّم نظاماً يدوياً سمَّاه “الأبجدية التوضيحية”، يتعلمون خلاله صنع حركات باليد اليمنى لتمثيل كل حرف من جهة، ونطق الحروف الممثلة باليد، شفهياً.

استمر تطوير لغات الإشارة؛ ففي عام 1755م، ابتكر القس الكاثوليكي الفرنسي “شارل ميشيل دي ليبي”، طريقة أشمل لتعليم الصُّم؛ لأنه كان يعتقد أن لغة الإشارة يجب أن تكون لغة كاملة، وبناء عليه طوَّر ليبي إشارات وأبجدية يدوية خاصة به، كما أنشأ قاموساً للصم.

اقرأ أيضاً: اليوم العالمي للتبرع بالأعضاء.. يستطيع المتبرع إنقاذ حياة ثمانية أشخاص

وكانت أبجدية ليبي مفصلية؛ لدرجة أنها احتوت على تعابير لأحرف الجر والعناصر النحوية الأخرى، وتكللت جهوده بتأسيس أول مدرسة عامة للأطفال الصم، ضمن المعهد الوطني للصم والبكم في باريس، وتَلَتها 21 مدرسة لهم؛ لذلك لُقب بـ”أب الصم”.

واقع لغات الإشارة

أعلن الاتحاد العالمي للصم، أن يكون موضوع يوم لغات الإشارة للعام 2021م، هو “لغات الإشارة من أجل حقوق الإنسان”؛ مما يسلط الضوء على كيف يمكن للجميع العمل معاً جنباً إلى جنب لتعزيز الاعتراف بحقنا في استخدام لغات الإشارة في جميع مجالات الحياة.

يساعد تعلم لغات الإشارة في بناء التواصل وسد الفجوات مع فاقدي السمع والنطق- “accreditedlanguage”

يمثل ذلك دعوة للجميع حتى إن لم يكونوا من الصم والبكم لتعلُّم واحدة من لغات الإشارة التي تزداد شعبيتها؛ لأنها تساعد في بناء التواصل وسدّ الفجوات مع فاقدي السمع والنطق، الأمر الذي سيؤدي إلى دمجهم أكثر بمجتمعاتهم في المجالات كافة، كما يسمح تعلم لغة إشارة بتطوير الوعي والحساسية تجاه مجتمع الصم والبكم، الذين يشكلون جزءاً من كل مجتمع؛ إذ يبلغ عددهم 72 مليون شخص حول العالم، ويتركز 80% منهم في الدول النامية.

اقرأ أيضاً:   هل يهدد الإيموجي مستقبل اللغة؟

وعلى الصعيد الشخصي، فقد اكتشف علماء سويديون أن تعلم لغة جديدة؛ بما في ذلك إحدى لغات الإشارة، يمكن أن يزيد من حجم عقل الإنسان، كما يعتقد علماء أن الأشخاص الذين يتقنون أكثر من لغة يتمتعون بذاكرة أفضل؛ وهم أقل عرضة لمشكلات الخرف ومرض ألزهايمر.

اليوم يستخدم ملايين الصم والبكم واحدة أو أكثر من أصل 300 لغة من لغات الإشارة التي تنتشر حول العالم، في حين توجد لغة إشارة دولية، يستخدمها الصُّم في اللقاءات الدولية، وخلال سفرهم وممارسة نشاطاتهم الاجتماعية، وتعتبر تلك اللغة شكلاً مبسطاً من لغة الإشارة، وذات معجم لغوي محدود.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة