الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

لعبة شد الأطراف: دعم قطر لبناء سد النهضة الإثيوبي

ما وراء الدعم القطري لبناء سد النهضة

خاص كيو بوستس –

خلال عامين من محاولة حل مشكلة سد النهضة، وسبع عشرة جولة من المفاوضات، تعثرت مرة أخرى المفاوضات التي حضرها وزراء الري في الدول الثلاث، مصر – إثيوبيا- السودان، واستمرت على مدار يومين، دون التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث. وبحسب بيان وزير الموارد المائية المصري، محمد عبد العاطي، فإن المباحثات انتهت دون الاتفاق على عقد جولة جديدة من المفاوضات، وهو ما أرجعه لتعنت إثيوبيا في إبداء أي مرونة تجاه النقاط محل الخلاف، مما يضع الأمن المائي لمصر في خطر.

بعد يوم واحد من الإعلان عن فشل المفاوضات، وقعت قطر مع إثيوبيا، يوم الثلاثاء الرابع عشر من تشرين ثاني، ثلاث اتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين، إحداها خاصة بالتعاون الدفاعي والعسكري.

سد النهضة

جاء توقيع الاتفاقيات بعد زيارة قام بها رئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين، إلى قطر، واجتمع خلالها بالأمير تميم بن حمد في الديوان الأميري القطري.

وذكرت وكالة الأنباء القطرية الرسمية (قنا) أن اللقاء استعرض علاقة البلدين في المجالات العسكرية والاقتصادية والاستثمار والسياحة وسبل تطويرها في مختلف المجالات، إضافة إلى متطلبات إلغاء التأشيرة بين البلدين.

وبالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، تم التوقيع على اتفاقية بين وزارة الدفاع القطرية ووزارة الدفاع الإثيوبية حول التعاون الدفاعي بين الدولتين، وسبل مكافحة الإرهاب في المنطقة. وتأتي زيارة ديسالين لقطر، بعد الزيارة التي قام بها أمير قطر لإثيوبيا في أبريل الماضي.

تأثير سد النهضة على الأمن المائي المصري

الأمن المائي في مصر

فشل أكثر من 17 جولة من المفاوضات المصرية الإثيوية، يعني أن الأخيرة مستمرة ببناء “سد النهضة”، دون الأخذ باعتبارات الأمن المائي المصري، وفي حال اكتمال بناء السد، وهو ما يعد كارثة لمصر، يقدّر خبراء، بأنه سيقتطع من حصة مصر السنوية حوالى 12 مليار متر مكعب على الأقل، ويجعلها من الدول الفقيرة مائيًا على مستوى العالم. ويترتب على ذلك النقص، فقدان مصر لأكثر من 200 ألف فدان زراعي، ويقلل حصة المواطن المصري من المياه إلى أقل من ثلث المعدّل العالمي للفرد، كما ويؤدي تقليل المياه المخزّنة وراء السد العالمي المصري، إلى التأثير سلبًا على معدل إنتاج الطاقة الكهربائية في مصر، بما يتراوح ما بين 20-40% أقل من المعدّل الحالي، الأمر الذي سيفاقم أزمة الكهرباء التي تعيشها مصر.

ولا يبدو أن تضرر مصر من بناء سد النهضة يقتصر على مدة معينة، فالخطة الإثيوبية لبناء السدّ وتحويله إلى قوة لإنتاج الطاقة الكهربائية، واستخدام المياه المخزّنة وراءه في الري الزراعي، يجعل إثيوبيا تقوم بملء السد وتفريغ مياهه على الأراضي الزراعية.. وازدياد مساحة الأراضي الزراعية المعتمدة عليه يُضاعف سنويًا حصتها من المياه على حساب مصر والسودان.. وتجاوزاً لاتفاقيات قديمة وحقوق تاريخية ربطت مصر بنهر النيل.

دور قطر في تفاقم الأزمة.. لماذا الآن؟

جاءت الاتفاقية القطرية – الأثيوبية في وقت توقعت فيه مصادر مصرية، أن تقوم القاهرة بنقل المفاوضات الفنية المباشرة بين مصر وإثيوبيا، إلى المسار السياسي، وهو ما يحتاج من مصر دعمًا عربيًا ودوليًا، على غرار ما قامت به مصر في الثمانينيات، عندما نقلت ملف “طابا” من المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، إلى التحكيم الدولي والمسار الدبلوماسي، حتى أخذت حكماً دولياً بملكيتها، لم تستطع إسرائيل تجاوزه.

موقع سد النهضة

ونهر النيل لا يقل أهمية عن المعارك التي خاضتها مصر طوال تاريخها للحفاظ على سيادتها، فهو لا يعني سيادة الدولة داخل حدودها، بقدر ما يعني وجود مصر ذاتها، واعتماد 100 مليون مواطن مصري على مياهه، فمصر منذ فجر التاريخ كانت ولا تزال “هبة النيل”، وصار النيل القضية الأهم التي تقلق الرأي العام المصري منذ بداية بناء سد النهضة.

إلّا أن التدخل القطري في هذا الوقت بالذات، وبعد فشل المفاوضات، نظر إليه مصريون على أنه عداء واضح، خاصة وأن الاتفاقيات الثلاث الأخيرة بين الدوحة وأديس أبابا، بعيدًا عن التوقيت المبرمة فيه، كان من ضمن بنودها اتفاقية للدفاع المشترك، واتفاقية شراكة اقتصادية واستثمارات تقدّمها قطر لإثيوبيا، بما يدعم موقفها واقتصادها لاستمرار مشروعها، وجاءت الاتفاقية الأخيرة بعد عام من زيارة وزير خارجية قطر لإثيوبيا، ودعوته من هناك المستثمرين القطريين للاستثمار في كافة المجالات في إثيوبيا.

شد الأطراف واللعب على التناقضات

عوّضت إسرائيل في بداية نشوئها عدم مقدرتها على اختراق الدول العربية، بإقامة علاقات مع الدول المحيطة بالوطن العربي، فكانت علاقتها استراتيجية مع دول مثل إيران الشاه، وتركيا، وإثيوبيا وجنوب السودان، وهي دول محيطة تمسك بأطراف الوطن العربي، استطاعت من خلالها أن تشغل الدول العربية لعقود في حروب وصراعات، واستخدام تلك الأوراق في خلخلة الأمن العربي، واستخدمت إسرائيل علاقاتها تلك كأوراق ضغط ضد دول عربية، تمخض عنها مؤخرًا انفصال جنوب السودان.

تأثير سد النهضة على الزراعة المصرية سيكون كبيراً

وهي ذات الاستراتيجية التي تبني عليها قطر سياستها الخارجية، فكانت البديل للدور الإسرائيلي، واستمرت هي الأخرى بنسج أهم علاقاتها مع دول الأطراف، إيران ما بعد الشاه، وتركيا، ومؤخراً إثيوبيا، بعد فشل مشروعها لوصول أدواتها من الإسلاميين لحكم الدول العربية. فعززت دعمها للدول المحيطة، بل واستجلبت بعضها (تركيا) لإقامة قواعد عسكرية فيها، وكما تستثمر الآن في دولة مجاورة كإثيوبيا، لاستخدامها ورقة ضغط تهدد من خلالها الأمن القومي المصري، دون أن يردعها حساب. ومن المرجح بأن يتبع المشروع الإثيوبي بإقامة سد النهضة، بناء أربعة سدود أخرى، تؤثر على المواطن المصري ذاته، قبل أن تؤثر على النظام المصري التي تخوض ضده حملة من التحريض والتشويه.

دولة قطر وباعتراف وزير خارجيتها السابق، قادت المؤامرة على سورية بتعليمات أمريكية، ودعمت إرهابيين مشتددين في حرب أهلية، أزهق فيها أرواح نصف مليون سوري، لم تعتبر من تلك المأساة، بل تحاول تكرارها ضد مصر بوسائل أكثر نعومة، عبر دعم أثيوبيا سياسيًا واقتصاديًا، بل وحتى إعلامياً.

السد سيسهم في تقليص المساحات الخضراء المصرية

والموقف السياسي القطري، لا يختلف كثيرًا عن الموقف الإعلامي، فقد بثّت قناة الجزيرة أحدث تقاريرها: (سد النهضة.. حلم إثيوبي تضيئه الكهرباء) بعنوان أكثر تفاؤلاً من العناوين المستخدمة في الإعلام الإثيوبي، مستعرضة أحلام وإيجابيات السد على الاقتصاد الإثيوبي، ومتجاهلة تماماً للكوابيس التي يسببها بناء السد للمواطن المصري.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة