الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
لسان الريسوني يثير الزوابع وأتباعه يتبرأون منه!
عمد أعضاء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الريسوني إلى النأي بأنفسهم عن تصريحاته الأخيرة بشأن موريتانيا والجزائر

المغرب- حسن الأشرف
لم تفلح توضيحات القيادي الإسلامي المغربي، أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بخصوص ما قاله بشأن موريتانيا، والزحف نحو منطقة تندوف؛ في إخماد الجدل العارم، الذي أثارته تصريحاته، لبرنامج تم بثه قبل أيام على منصة يوتيوب.
وقال الريسوني إن “وجود موريتانيا يعتبر غلطاً من الأساس”، وإن “المغرب ينبغي أن يعود إلى ما كان عليه قبل الغزو الأوروبي، لما كانت موريتانيا جزءاً منه”، كما تحدث عن ما سماه الزحف نحو تندوف؛ لاسترجاع الأراضي المغربية في الصحراء.
وأمام العاصفة التي أثارتها تصريحاته، لم يجد الريسوني بداً من التراجع؛ ليقدم توضيحاً، نشره الأربعاء 17 أغسطس، أكد فيه أن “استقلال موريتانيا اعترض عليه المغرب لعدة سنين؛ لأسبابٍ تاريخية، ثم اعترف به؛ وأصبحت موريتانيا إحدى الدول الخمس المكونة لاتحاد المغربي العربي”.
اقرأ أيضًا: الريسوني وبن كيران.. صراع “إخوان المغرب” يظهر للعلن
عزلة وتصدع
ووجد الريسوني نفسه في عزلة؛ بعدما حاصرته الانتقادات من كل حدب وصوب، حتى إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه “تبرأ” من تصريحاته تلك، واعتبرها مواقف شخصية للريسوني، تلزمه وحده، وهو ما اعتبره مراقبون مؤشراً على “تصدع” داخل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

وفي الوقت الذي لم يصدر فيه موقف رسمي من موريتانيا بخصوص ما جاء على لسان القيادي الإسلامي المغربي؛ انبرت هيئة العلماء الموريتانيين لانتقاد الريسوني؛ حيث وصفت تصريحاته بخصوص موريتانيا بـ”مريبة وغير ودية ومستفزة”، على حد تعبيرها.
وشددت الهيئة -ذاتها- على أن “موريتانيا لم تخضع، منذ القرن الخامس الهجري، لحكم دولة إسلامية، غير دولة المرابطين التي نشأت في موريتانيا، وخضع لها بعض دول الجوار، ووصل ملكها للأندلس”، مضيفة أنه يجب على قادة الهيئات الإسلامية “احترام الحوزات الترابية للدول، وألا تلتبس عليهم ساحات الجهاد الشرعي مع غيرها من ساحات أذية المسلمين”.
اقرأ أيضاً: بماذا يختلف أحمد الريسوني عن سلفه القرضاوي؟
وفي موضوع حديث الريسوني، عن الزحف نحو منطقة تندوف، التي تعتبرها الجزائر من أراضيها، انتفضت أحزاب وهيئات جزائرية عديدة تنتقد القيادي الإسلامي المغربي، منها ما صرح به دبلوماسي جزائري، قال إن “الريسوني شخص غريب الأطوار، يحاول تزوير التاريخ”.
من جهته، اتهم حزب الأغلبية البرلمانية، جبهة التحرير الوطني، الريسوني بأنه يستغل منصبه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين؛ من أجل “الدعوة للفتنة، والاقتتال بين المسلمين، والاستعداء على سيادة دول وكرامة شعوبها، وهو ما يطرح السؤال عن هذا الانحراف الخطير في دور الاتحاد”.
فقيه يدخل المسجد بنعله

ويعلق الباحث والمحلل الدكتور المحجوب بن سعيد، على الموضوع بقوله في حديثٍ مع “كيوبوست”: إن الفقيه أحمد الريسوني، رئيس اتحاد علماء المسلمين، أثار ردوداً كثيرة، ذهبت إلى حد مطالبته بالاعتذار، وإقالته من مهامه، مشيراً إلى أن الرجل رد على الردود، مدعياً بأنه يتحدث باسمه الخاص، وبأنه يتحدث انطلاقاً من التاريخ الذي لا يمكن إنكاره”.
وتابع بن سعيد، أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ما هي أسباب هذه الخرجة الإعلامية للريسوني في هذا التوقيت بالضبط؟ حيث تتفاعل أحداث متسارعة ومتداخلة ومعقدة، تشهدها المنطقة العربية بشكل عام، ومنطقة المغرب العربي بشكل خاص؛ من أبرزها التعقيدات المرتبطة بعقد القمة العربية في الجزائر، وتدخل إيران السلبي في الشأن الفلسطيني؛ بخلط الأوراق وتوظيف الفصائل الإسلامية في حرب بالوكالة، ثم التقارب المغربي الموريتاني الإسباني، الذي زاد في عزلة النظام الجزائري”.
واستطرد المتحدث بأن تصريحات الريسوني تدل على أنه لا يفقه شيئاً في السياسة الدولية، وأنه كان عليه تفادي السقوط في هفوة الزعيم السابق لحزب الاستقلال، حميد شباط؛ الذي أحرج الدولة المغربية بخصوص موضوع موريتانيا، فلم يراعِ الفقيه التجاذبات والترتيبات الجارية بين المغرب وموريتانيا؛ من أجل تعزيز علاقات اقتصادية قوية وواقعية”.
اقرأ أيضاً: عندما يُطوع “الريسوني” المقاصد الشرعية لخدمة السياسة
وأبدى بن سعيد استغرابه من كون الريسوني لم يواكب الأحداث، وتجاهل الإشارة إلى ما ورد في خطب الملك محمد السادس، بشأن العلاقات المغربية الجزائرية، ودعم اليد الممدودة من العاهل المغربي من منطلق الشريعة الإسلامية، التي تحث على الأخوة والتضامن واحترام الجار، والابتعاد عن إشعال نار الفتنة؛ بالأقوال والأفعال، خاصة أن هذا الفقيه سبق له أن قدم درساً من الدروس الحسنية، في حضرة الملك محمد السادس، تناول فيه “أهمية القيم الإسلامية في العبادات والمعاملات”.

وخلص المتحدث إلى أن “الفقيه الريسوني أساء إلى سمعته، ووسطيته، واعتداله، كما أساء إلى الاتحاد الذي يرأسه، وأساء إلى المغرب الذي ينتمي إليه؛ حين تبنى هذه المواقف الغريبة، وبالتالي ينطبق عليه المثل الشعبي المغربي المشهور: “الفقيه الذي ننتظر بركته دخل إلى المسجد ببلغته”.
مواقف المغرب واضحة

من جانبه، أكد الدكتور إدريس لكريني، الباحث السياسي، أن “تصريح الريسوني لا يمكن ربطه بالموقف الرسمي للدولة المغربية، خصوصاً في ما يتعلق بموضوع موريتانيا، فهو شخص لا يتزعم حزباً سياسياً، وليست لديه مسؤوليات رسمية”.
واسترسل لكريني، في حديثٍ مع “كيوبوست” بأن موقف الريسوني هو موقف شخصي يُثار بين الفينة والأخرى، في سياق نقاش تاريخي بالخصوص، مبرزاً أن المغرب سبق له أن عبر عن موقفه من موريتانيا بشكل رسمي، عندما أثار حميد شباط، الزعيم السابق لحزب الاستقلال، السجال نفسه في هذه القضية.

ولفت لكريني إلى أن وزارة الخارجية المغربية سبق أن أكدت في ذلك الوقت تمسك المملكة بالثوابت التي تحدد ملامح السياسة الخارجية مع موريتانيا، باعتبارها جارة؛ تربطها بالمملكة علاقات دبلوماسية متينة على عدة مستويات؛ دبلوماسية واقتصادية وتاريخية واجتماعية.
وتابع المتحدث، أنه بخصوص الشق الثاني من تصريحات الريسوني حول الزحف نحو تندوف، هذا نقاش يحيل في جزء منه إلى سياقات تاريخية، قد تكون لها أهميتها من ناحية محاولة فهم ما يجري، خصوصاً في ارتباط ذلك بقضية الصحراء، التي لا يمكن رصدها بشكل موضوعي دون الرجوع إلى العلاقات التاريخية، التي كانت تربط سكان قبائل الصحراء بسلاطين المغرب، من خلال ميثاق البيعة، وهو ما سبق أن أكدت عليه المحكمة الدولية في لاهاي ضمن رأيها الاستشاري الشهير.
وخلص لكريني إلى أن موقف الريسوني لا ينبغي أن يُعطى له أكثر مما يحتمل، باعتبار أن الدولة المغربية لها مواقفها ومقارباتها بخصوص نزاع الصحراء، كما أن لها مرتكزاتها تجعلها قادرة على المرافعة بشأن مختلف القضايا داخلياً وخارجياً”.