الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

لدفع حركة النهضة إلى الاعتذار.. اعتصام تحت قبة البرلمان

كيوبوست

غرق مجلس النواب التونسي مبكـرًا في وحل التجاذبات السياسية، واشتدت الصراعات الأيديولوجية بين الأطراف السياسية الممثلة في البرلمان؛ خصوصًا التي على طرفَي نقيض سياسيًّا وأيديولوجيًّا، كحزبَي النهضة الإسلامي والدستوري الحر.

ويواصل نواب كتلة الحزب الدستوري الحر، لليوم الخامس، اعتصامهم في مقر البرلمان؛ احتجاجًا على تدخل نائبة عن حركة النهضة، جميلة الكسيكسي، في البرلمان، والتي وصفت فيه نواب كتلة الحزب الحر الدستوري التونسي بصفات اعتبرتها رئيسة الحزب عبير موسى، نابية وجارحة، مطالبين باعتذار رسمي من رئاسة البرلمان.

وأكدت موسى، خلال ندوة صحفية، “الجمعة” الماضية، أن حركة النهضة تقوم بتوظيف “ماكينات”؛ من أجل السيطرة على الرأي العام وتوجيه القضية التي يحملها الحزب الدستوري الحر، وتحويلها إلى مناوشات بين نائبتَين في المجلس، مضيفةً أن ذلك ليس بالغريب على تنظيم الإخوان الذي دائمًا ما يقلب القضية لصالحه؛ من أجل كسب التفاف الرأي العام حوله ومساندته، وهو ما يقوم به الآن، فاختلق قضية العنصرية.

عبير موسى تجلس مكان الغنوشي في البرلمان

كما أشارت رئيسة الحزب الدستوري الحر إلى تعدد الإهانات والتهجم ضدهم بعبارات تخرج عن كل الصراعات السياسية والأعراف البرلمانية من قِبَل نواب حركة النهضة ومحاولة إبراز أنهم أصحاب فضل على بقية النواب؛ خصوصًا ممن كان ينتمي إلى النظام السابق في دخول البرلمان والحضور في المشهد السياسي، وكأنهم هم مواطنون درجة أولى في حين البقية مواطنون درجة ثانية، حسب تعبيرها.

وشددت موسى على رفضها إدارة جلسات البرلمان بقوة التعسُّف وتمرير ما يروق لهم، مستنكرةً الحملة الممنهجة التي تُدار ضدها، ووصلت إلى حد وصفها بأنها خطرعلى الدولة ومساواتها بالإرهابيين حاملي السلاح، مشيرة إلى حملات التشويه والقذف والتكفير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

اعتصام داخل البرلمان

 اعتصام أدخل البرلمان التونسي في شلل تام وعطَّل أشغاله في ظرف دقيق، تتسابق فيه البلاد مع الوقت؛ من أجل عدم تجاوز الآجال الدستورية للمناقشة والمصادقة على قانون المالية وميزانية الدولة للسنة المقبلة قبل 10 ديسمبر الجاري.

اقرأ أيضًا: إعفاءات بأعلى السلطة بتونس.. إقالات أم تصفية حسابات؟

ويحذِّر المراقبون من خطورة الخلافات الحزبية؛ خصوصًا ذات الطابع الأيديولوجي، معتبرين أنها ستعمل على مزيد من توسيع الهوة بين الشارع ونخبه السياسية؛ حيث ملّ التونسيون انشغال الأحزاب بتصفية حساباتها والبحث عن تموقع في مشهد جديد، غير مبالين بأزمات ومشاغل الشارع الحقيقية، كما أن عودة الخلافات الأيديولوجية بين الأحزاب تعقِّد بدورها مهمة الحكومة الجديدة، التي يترقب الشارع كيفية تعاطيها مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.

ويرى الصحفي نزار الجليدي، أن حالة الفوضى في مجلس الشعب في تونس متجانسة تمامًا مع الوضع السياسي العام والجو المسموم الذي سعى الإخوان المسلمون في تونس من خلاله لتصدير مشكلاتهم الداخلية وبركان الشق الغاضب في “النهضة”.

الصحفي نزار الجليدي

ويضيف الجليدي، في حديث خاص إلى “كيوبوست “، أن “فسيفساء المشهد السياسي وصعوبة تشكيل الحكومة هما العاملان الأساسيان داخليًّا”، مشيرًا إلى عامل آخر وهو الحصار الخارجي للإخوان بعد قرار قطر طرد زعماء التنظيم، واتفاق مع تركيا لاستقبالهم، وقرب نهاية معركة طرابلس، وانتهاء الأمل للإخوان في الجزائر.

من جهة أخرى، يعتبر محدثنا أن عبير موسى، رغم فضاضة المشروع السياسي، فإنها تتصدر المشهد؛ لأنها تعبر عن باطن التونسيين الذي يحس بالخطر.

مدونة سلوك للنواب

طالب حزب قلب تونس بوضع مدونة سلوك للنواب؛ لضمان حسن سير الأعمال في البرلمان، خصوصًا بعد الأجواء المشحونة والتجاذبات التي تشهدها الجلسات العامة على هامش مناقشة الميزانية التكميلية لسنة 2019.

ودعا “قلب تونس”، في بيان، إلى أن “يكون العمل في مجلس نواب الشعب في كنف الاحترام المتبادل مع ضرورة التحلِّي بروح المسؤولية”، معربًا عن “أسفه من الأجواء المشحونة والمناكفات التي شهدها البرلمان”.

وأكد القيادي في “قلب تونس” حاتم المليكي، في تصريح إعلامي أدلى به أنه “لابد من مراجعة النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب”، موضحًا أن ما حصل في الجلسة العامة وفي المجلس عمومًا “مدان، ولابد أن يقدم النائب صورة أفضل للعمل السياسي”.

حاتم المليكي

ورأى المليكي أن ما حصل “فرصة للاتعاظ من الحادثة والتعامل مع الأمر إيجابيًّا، ووضع مدونة سلوك يجري من خلالها التقيُّد ببعض الضوابط وتحديد السلوكيات المرفوضة”.

ولفت القيادي في “قلب تونس”، في هذا السياق، إلى أن “بعض التصرفات يجرّمها القانون، ويبقى أمام النواب المعنيين حرية التظلم ومقاضاة مَن ارتكبها، ولكن هناك سلوكيات وعبارات تمسّ من الأشخاص ومن حرية التعبير لا يمكن أن تكون في مجلس نواب الشعب”، مؤكدًا أن “بعض التصرفات لا تخلو من تمييز عنصري، وحان الوقت لتضمين فصل لتعديل النظام الداخلي”.

وتابع المليكي بأن مدونة السلوك “يجب أن تُضَمَّن ضمن النظام الداخلي لتبقى بشكل دائم، مع التنصيص على عقوبات للمخالفين، وفي صورة خرق المدونة يُعاقَب مرتكبها”، مشيرًا إلى أن معاملة النواب بعضهم مع بعض “يجب أن تكون في كنف الاحترام؛ لأن ما حصل خطير، فالسب والشتم مرفوضان، ولم يعد من الممكن السماح للنواب بتعدي بعضهم على بعض مهما كانت الاختلافات بينهم، وكان من المفروض أن يكون ذلك إراديًّا ودون مدونة سلوك، ولكن بما أن هناك تجاوزات فلابد من وضع حد لها”.

اقرأ أيضًا: حركة النهضة التونسية تسير نحو العزلة السياسية

من جانبه، أدان حزب التيار الديمقراطي الاعتصام الذي ينفذه نواب الكتلة البرلمانية للحزب الدستوري الحر، برئاسة عبير موسى، بمقر مجلس نواب الشعب بباردو، معتبرًا أنه “سلوك مشين” وشكل من أشكال ضرب المسار الديمقراطي، داعيًا، عبر نائبه في البرلمان رضا الزغمدي، رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى، إلى مراجعة سلوكها وطريقة تعاطيها مع العمل البرلماني، والتخلي عن مثل هذه الأشكال “المتخلفة” في التعامل؛ خصوصًا أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية خانقة وحالة احتقان اجتماعي.

صعوبات تشكيل الحكومة الجديدة

وتصاعدت أجواء التوتر والفوضى والانفلات بالبرلمان التونسي الذي يواصل جلساته المخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2020؛ مما استدعى رئاسة البرلمان إلى منع دخول الإعلاميين والصحفيين قاعة الجلسات، مساء السبت الماضي، وقطع التيار الكهربائي على المعتصمين تحت قبة البرلمان.

وَضْعٌ ألقى بظلاله على الشارع التونسي المتوجّس من الفترة المقبلة ومن ملف تشكيل الحكومة وإمكانية نجاحها في إدارة شؤون البلاد، خصوصًا أن المشاورات مع الأحزاب قد طالت وتعطَّلت، بعد أن أعلن حزب التيار الديمقراطي انسحابه من الحكومة وعدم التصويت لها، معتبرًا أن حركة النهضة الإسلامية لا ترغب في إصلاح حقيقي ولا تهتم إلا بمصلحتها الخاصة. بينما أكدت حركة الشعب أن مشاورات تشكيل الحكومة هي استمرار لنهج الفشل، مشددةً على رفضها المشاركة في تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وارتهان القرار الوطني للمحاور والدوائر الأجنبية.

اقرأ أيضًا: حركة النهضة تُقر بهزيمتها في الانتخابات

وتشير كل الدلالات إلى أن حركة النهضة ستتوجه مجددًا إلى حزب “قلب تونس”؛ من أجل تشكيل الحكومة الجديدة وضمان نيلها الثقة في البرلمان، مما ينبئ بأنها ستواجه معارضة قوية داخل البرلمان وباحتمالات فشلها منذ البداية.

 كما يرى مراقبون أن هذه الحكومة ستكون “حكومة أزمات”؛ فالتركيبة التي سيعلنها رئيس الحكومة المُكلّف ستلجأ إلى أسلوب التعاطي مع الأزمات قبل أن تخرج من طور القوة إلى حال الفعل والقوة.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة