شؤون دوليةمجتمع
لا تخبروا الأوروبيين أن المسلمين يريدون “احتلال روما”!
"هل نحتل روما أم القسطنطينية أولًا؟"

كيو بوست –
على الرغم من عدم وجود نص قرآني يعد بفتح العاصمة الإيطالية روما، إلّا أن جماعات الإسلام السياسي تتشدق بهذا الوعد، وتورثه لعناصرها، وتعتبره خير دليل على أنها ستحكم العالم.
ويستند الإسلامويون في هذا الوعد، إلى حديث “ضعيف السند”، هذا نصه:
“عن أبي قبيل، قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص، وسئل: أي المدينتين تفتح أولًا: القسطنطينية أو روميّة؟ فدعا عبد الله بصندوق له حَلَقٌ، قال، فأخرج منه كتابًا، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله (ص) نكتب، إذ سئل رسول الله (ص): أي المدينتين تفتح أولًا: قسطنطينية أو روميّة؟ فقال رسول الله (ص): مدينة هرقل تفتح أولًا، يعني: قسطنطينية”.
وعلى الرغم من العلل الواردة في صياغة الحديث، واعتماده على التدوير، إذ يُسأل عبد الله بن عمرو، السؤال ذاته الذي سئل للرسول، نصًا وحرفًا وأسلوبًا وصياغةً، كأن الأمر محض تأليف يعتمد على التدوير في النص، مثل الأسلوب الشعري القديم، إلّا أن ناقل الحديث -سنده أبي قبيل- ورد ذكره في كتاب “الثقات” لابن حبان، وقال عنه: كان يخطىء. وأيضًا ذكره الساجي في كتابه “الضعفاء”، كأحد غير المعتمد عليهم بصدقية الرواية.
وذُكر ناقل الحديث أيضًا: أبي قبيل، واسمه حيي بن هانىء المعافري، في كتاب الحافظ بن حجر، وقال أيضًا إنه ضعيف، وذلك لأنه “كان يكثر النقل عن الكتب القديمة”، أي أن رواياته مختلطة بالأساطير.
ونقطة ضعف أخرى واردة بالحديث، هي أن العاصمة الإيطالية “روما” ذكرت على أنها “روميّة”، إذ لم يرد هذا الاسم في أحاديث أخرى غير هذا، كما أن “روما” هو الاسم الدارج والمعروف للمدينة منذ نشأتها قبل ميلاد الرسول (ص) بألف وخمسمائة عام!
وبعيدًا عما يخص الحديث، يمكن القول إن محاولة حركات الإسلام السياسي نشره والتذكير به، مع كل انحسار لنفوذهم، وتقوقعهم، لا معنى له سوى بث روح جديدة متعصبة وعدائية في أبناء التنظيمات الإرهابية، الذين يعيشون بعقلية العصور الوسطى، إذ أن قوام عقيدتهم قائم على السلب والعدوان، في الوقت الذي تبدو البلاد العربية بأمس الحاجة فيه إلى عقد مصالحات سلمية، بعد أن مزقتها الحروب الأهلية والطائفية، وأعادها الإرهاب والاستبداد إلى عصور القبيلة والغزو.
فالحديث الذي يعتبره الإسلامويون إعجازًا علميًا، لأنه تنبأ باحتلال القسطنطينية قبل روما، يفتقد لأي منطقية لأسس ما يسمى بالإعجاز، لأن أي عالم بجغرافيا القارة الأوروبية، يدرك أنه من المستحيل الوصول إلى روما قبل الوصول إلى القسطنطينية، لأن الأخيرة أقرب إلى اليابسة من إيطاليا وعاصمتها، فلكي تمر الجيوش إلى روما عليها أن تحتل أولًا القسطنيطينية التي تقع في أقصى الشواطىء الأوروبية. الأمر بديهي إذًًا، وليس فيه أي إعجاز علمي.
ثم لماذا لم تتنبأ الأحاديث –المشكوك بصحتها- باحتلال المسلمين لإسبانيا (الأندلس)، وركزّت على روما؟ لأن روما تمثل مركز الباباوية المسيحية منذ القرن الأول ميلادي، مما يضفي على الصراعات لمسة دينية يحبذها الإسلامويون، حتى يضخوا المزيد من الدعم الوهمي لعناصرهم، الذين أوهموهم من قبل بمعركة “دابق” الحاسمة بين المسلمين والروم، التي أطلق تنظيم داعش اسمها على مجلته الشهيرة، وكان ينشر فيها مشاهد وصورًا من قطع الرؤوس من المدنيين والعسكريين. واستخدم الإرهابيون ذلك الاسم “دابق” كأيقونة لجلب عشرات الآلاف من الإرهابيين الواهمين إلى سوريا، وخاضوا -عبر استغلالهم- أكبر الحروب الطائفية، التي قتل فيها العرب عربًا وقتل فيها المسلمون مسلمين! ومن المفارقات أن داعش قاتل بمعاركه في دابق وحلب، بسلاح الروم (الغرب)، ولم يقاتل سوى العرب والأكراد والمسلمين!
ما حاجتنا لاحتلال روما ما دامت بلادنا محتلة؟ من المفيد طرح السؤال على الإسلامويون ومن يمثلهم ممن يطلق عليهم بـ”العلماء” الذين لا يتجاوز رصيدهم الفكري سوى القلقلة (القيل والقال)، وقراءات الفتن والملاحم الكبرى، والأساطير، في محاولة منهم للهروب للأمام.