الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

لالي غول روائية هولندية من أصول تركية.. لماذا تكره أردوغان؟!

الروائية الشابة التي لم تتجاوز الثالثة والعشرين من العمر تضطر إلى العيش مختبئة خشية بطش أنصار الرئيس التركي

كيوبوست- ترجمات

إنها الثانية صباحاً، وهذه الشقة هي الوحيدة ذات الأضواء المشتعلة في كولينكيت؛ وهي منطقة في غرب أمستردام. في الداخل، تضاعفت الأصوات العالية لدرجة إيقاظ الحي. يخرج البعض إلى شُرَفِهم، وينزل البعض الآخر ليروا ما يجري. هذه الأصوات صادرة من منزل آل “غول”.

في غرفة المعيشة، يواجه نحو عشرين شخصاً الابنة الكبرى: “أنتِ مجنونة! إذا ذهبتِ فالأمر سيكون أسوأ، فكري فينا. يا له من عار تُلقيه على أسرتكِ”؛ لكن لالي اتخذت قرارها، تكدِّس أغراضها في كيس، وتدفع بعيداً الأعمام والعمات الذين يحاولون سد طريقها، وتتخطى والدتها التي يُغمى عليها وهي تخرج من الباب، تنزل السلالم على صوت الإهانات والشتائم: “الكلبة، لا تستحق، فتاة فاسدة. سوف تقتلين والدتك!”. الشابة لا تستدير رغم دموع أختها الصغيرة التي تشدّ قلبها، تختفي في عتمة الليل، ولا يتبعها إلا شقيقها الأكبر، الذي يشعر بالقلق بشأن مكان نومها.

في هاتفها، تم إضافة رقمَين مؤخراً؛ ذلك المعلم من مدرستها الثانوية السابقة، والهاتف المحمول الشخصي لرئيسة بلدية أمستردام. تطلب رقم الثانية، لتستيقظ فيمكي هالسيما، نصف نائمة، وهي تستمع إلى لالي غول، تشرح لها ما تعرَّضت إليه، تعمد رئيسة البلدية إلى طمأنتها، وتؤكد لها دعمها، وتخبرها أنها تستطيع أن تسكنها في شقة في دار البلدية؛ ولكن ليس قبل غدٍ. سينتهي بها الأمر على الأريكة في غرفة معيشة معلمها السابق. في سن 23، تبدأ لالي حياة جديدة، بعيداً عن عائلتها والحي الذي تعيش فيه. منذ تلك الليلة، في شهر مارس الماضي، لم ترَ الفتاة عائلتها مرة أخرى.

الروائية الهولندية لالي غول

تهديدات خطيرة

بعد شهرَين، نلتقي لالي في أحد أكثر الأماكن أناقةً في المدينة على ضفاف القناة. ترتدي قميصاً حريرياً، وتحتسي القهوة تحت الثريات الكريستالية لدار ناشرها البرجوازي؛ لقد أصبحت طفلة كولينكيت من المشاهير منذ إصدار كتابها “Ik ga leven” (سأعيش) في فبراير الماضي، باتت روايتها في صدارة المبيعات في هولندا (تم بيع 130,000 نسخة).

يتم عرض غلافها الذي يحمل صورتها على واجهات المكتبات في جميع أنحاء البلاد، وتجري غول منذ ذلك الحين العديد من المقابلات الصحفية والتليفزيونية؛ لكن لا شيء دون ثمن، فلالي تعيش في مكان سري، ولا تتنقل إلا بسيارة أجرة. وتؤكد: “لم أعد أخرج إلى الشارع، إلا بارتداء قبعة وقناع”؛ لأنها في ليلة المغادرة، انفصلت ليس فقط عن أسرتها؛ ولكن أيضاً عن مجتمعها الهولندي من أصل تركي. منذ ذلك الحين، عاشت كمنبوذة. وعلى الشبكات الاجتماعية، تتلقى مئات الإهانات يومياً، بعضها غير ضار، والبعض الآخر أكثر خطورة؛ لأنها تأتي من أعضاء يُزعم أنهم ينتمون إلى منظمة “الذئاب الرمادية”، وهي منظمة تركية شبه عسكرية تنشط في قلب أوروبا الغربية، قالت الشرطة إن رجلَين على الأقل اعتُقلا؛ لأنهما خططا لأعمال عنف ضد الكاتبة الشابة.

اقرأ أيضاً: فلورنس بارغو-بلاكلار: الحديث عن الإسلاموية بات شبه محرم في بلجيكا!

كل ذلك بسبب كتابها. تروي لالي غول، في روايتها، حياة “بشرى”؛ امرأة هولندية شابة من أصل تركي، تحتج على الحجاب، وتنتفض على المدرسة القرآنية، وفي نهاية المطاف تصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنه “متخلف”. تقول المؤلفة: “كتابي غير مترجم إلى التركية، وأنا أرفض إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام المحلية؛ حتى لا أؤذي عائلتي في تركيا.. لم يقرأه والداي، ولا يمكنهما قراءة اللغة الهولندية”. إن الضجيج الذي يصاحبها هو الذي يزعجهم.

“في اليوم السابق لهروبي، ذكر الزعيم اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، اسمي خلال مناظرة تليفزيونية، مشيراً إلى أنني كنت دليلاً حياً على أن المهاجرين لا يريدون الاندماج؛ هذا هو سبب الخلاف مع عائلتي”، تقول لالي غول. في جملة واحدة، حوَّل الزعيم الشعبوي الشابةَ إلى رمز سياسي، وأجبرها على الاختباء.

لحُسن حظها، ففي هولندا لا يتم التنازل عن حرية التعبير؛ منذ التهديدات الأولى ضد لالي، تم التوقيع على عريضة دعم من قِبل جميع المثقفين والسياسيين في البلاد؛ بدءاً من رئيس الوزراء مارك روته. في مجلس مدينة أمستردام، تتأكد العمدة من مراقبة الوضع شخصياً، وقد أوفت بوعدها وأسكنت لالي سراً. “إنها فتاة شجاعة، هي فخر أمستردام”، تشهد العضوة المنتخبة، التي تفخر بأن مدينتها لا تزال بمثابة ملجأ للكتاب المعرضين إلى الخطر. “إنه جزء من تقليد طويل في أمستردام؛ فالكثير من الأرواح الحرة يطالبون بحريتهم رغم تعرضهم إلى مخاطر شخصية كبيرة”.

تجمع سياسي لمناصري أردوغان في روتردام 2017- “لوبوان”

“أنا لست منخرطة في السياسة، أنا مجرد كاتبة. حسناً، هذا ما يقولونه عني الآن”، تضيف لالي: أنا لا أؤيد فيلدرز، ورغبته في إعادة الأطفال المهاجرين إلى بلادهم لا معنى لها؛ لكنه يثير مشكلة حقيقية مع الجالية التركية- الهولندية، حيث يعيش البعض في عزلة، ويتحدثون اللغة بشكل سيئ أو لا يتحدثون على الإطلاق، ويضطهدون النساء والفتيات. “أنا أريد أن أكون امرأة هولندية مثل الأخريات؛ لقد ولدت في مستشفى للولادة في أمستردام! أحب هولندا وثقافتها وتسامحها، وكذلك الجانب الصريح والمتواضع لمواطني بلدي”.

اقرأ أيضاً: الذئاب الرمادية.. المتطرفون الأتراك يزرعون الخوف في أوروبا

التمدد التركي في هولندا

اكتشفت الحكومة الهولندية أن مدرسة الحركة التركية “Milli Görüs” والتي تتلقى أموالاً عامة، والتحقت بها لالي، تعلِّم القرآن وحياة النبي محمد فقط. وعلى التليفزيون التركي -الوحيد الذي يشاهده والداها وأهل الحي الذي تعيش فيه- استُبدل بالمسلسلات التي على النمط الغربي برامج ترتدي فيها جميع النساء الحجاب، ويقتصرن على الأعمال المنزلية. إن منطقة كولينكيت في مدينة أمستردام تشبه تلك القرى الصغيرة المفقودة والموجودة في هضبة الأناضول، تقول لالي: “قضيت كل فصول الصيف في تركيا، ولم أرَ إسطنبول قط”، وتلفت بحسرة: “لا أعتقد أنهم سيسمحون لي بالدخول بعد الآن…”.

ووفقاً لها، فإن سطوة أردوغان المزعجة تمتد إلى ما هو أبعد من الحدود التركية؛ فقوميته الجامحة تصل إلى أوروبا مع الشركات ثنائية الجنسية. في الانتخابات التركية الأخيرة، حصل حزب العدالة والتنمية على 62% من الأصوات؛ حتى إن هناك تشكيلاً سياسياً مرتبطاً بحزب أردوغان في برلمان لاهاي، وقد حصل على 3 نواب في مجلس النواب في مارس 2021.

وفي قطاع التعليم، فإن ميلي غوروس، هي المسؤولة عن تدريب الشباب الأتراك في هولندا. تعتمد المدارس الدينية على هذا الاتحاد الإسلامي، الذي بنى المساجد من ستراسبورغ إلى برلين؛ كل ما يفعله هو الصلاة والدعاء بالولاء لتركيا. ميلي غوروس أكثر قومية من حزب العدالة والتنمية، وهي مقربة من حزب متطرف. أصبحت هولندا على علم بدخول تركيا إلى أراضيها في عام 2017، عندما أراد مارك روته منع تجمع سياسي لحزب العدالة والتنمية في روتردام. تتذكر لالي غول: “كان أردوغان غاضباً، ووصف الهولنديين حينها بأحفاد النازيين”.

المصدر: لوبوان

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة