الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

لافروف في إفريقيا… “دبلوماسية الأدغال” تجذب “الدب الروسي”

روسيا تتهم الغرب بتعقبه في إفريقيا وتقويض جهود النهوض بعالم متعدد الأقطاب

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

في جولته الإفريقية الثانية خلال شهرين فقط؛ حلّ وزير الخارجية الروسي ضيفاً على مالي وموريتانيا والسودان، كما زار يناير الماضي كلاً من إسواتيني، أنغولا، إريتريا، وجنوب إفريقيا.

وخلال لقاءاته مسؤولين كبار في الدول الثلاث، أكد سيرجي لافروف أنّ بلده سيقدّم كل ما من شأنه المساهمة في حل المشكلات الإفريقية دون أي تدخل، مشيراً إلى أن السلوك الذي ينتهجه الغرب في إفريقيا هو ذاته في أي بقعة من العالم، مضيفاً؛ أن الغربيين جعلوا من أوكرانيا منصة لشن ما سمّاها بالحرب الهجينة على روسيا، مُشدّداً أنّ الغرب لا يزال يتصرف مع إفريقيا بعقلية المُستعمر.

اقرأ أيضاً: قراءة في الاستراتيجية الفرنسية الجديدة في منطقة الساحل الإفريقي

وفي مفتتح جولته، أكّد وزير الخارجية الروسية، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المالي عبد الله جوب؛ التأم في العاصمة باماكو، إلى أن موسكو ستقدم كل المساعدات لمالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد، والدول المطلة على خليج غينيا، للتغلب على الإرهاب الذي يعم المنطقة، و”النهج الاستعماري الجديد” للغرب.

وزير خارجية موريتانيا محمد سالم ولد مرزوق يستقبل نظيره الروسي- وكالات

تقليص الغرب

بالنسبة للباحث والمحلل السياسي علي حسن محمد، فإن صراعاً محموماً بين الغرب وروسيا يجري على إفريقيا، خاصة منطقتيّ الساحل (غرب) والبحر الأحمر (شرق)؛ وهو صراع بجانب ارتباطه بالحرب الأوكرانية، فإنه ذو صلة وثيقة بالموارد الطبيعية التي تزخر بها القارة.

علي محمد

هذا الصراع -يواصل محمد- إفادته لـ”كيوبوست”؛ مرتبط أيضاً بالبُنيات السياسية الهشّة لمعظم الدول الإفريقية، وبما تعانيه جيوشها من ضعف وتفكك، الأمر الذي أوجد مواطئَ راسخة لأقدام الحركات الجهادية المتطرفة؛ خاصة في منطقة الساحل، والمثلث الحدودي بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، فضلاً على الشعور المُتنامي بالحنق لدى الشعوب الإفريقية؛ من العلاقات بمستعمريها السابقين، خصوصاً فرنسا؛ التي يرون أنّها تأخذ من مواردهم أكثر مما تقدّم، وهذا ما استغله الانقلابيون في مالي وبوركينا فاسو، وغيرهما، حيث شهدت دول مجموعة الساحل الخمس (تشاد، النيجر، موريتانيا، بوركينا فاسو، ومالي) تغييرات سياسية متفاوتة خلال العامين المنصرمين، الأمر الذي أتاح لروسيا استغلال النقمة الشعبية على فرنسا، وعدم وجود ماضٍ استعماري لها؛ لاستمالة العسكريين الذين قادوا انقلاباتٍ في تلك الدول، فيما حافظت الدول التي حدث فيها انتقال ديموقراطي أو انقلابات سلسلة وناعمة مثل؛ النيجر وموريتانيا وتشاد على نوعٍ من العلاقات الحذرة بفرنسا والغرب.

على كل حال، يستطرد محمد، فإن زيارة لافروف الانتقائية، على حد تعبيره، استهدفت الدول ذات الأنظمة السياسية الأكثر هشاشة وقابلية للمقايضة السياسية (دعم الموقف الروسي في الحرب الأوكرانية، مقابل حمايتها وإتاحة جزء من مواردها الكامنة لموسكو)، هذه هي المعادلة التي طرحها وزير الخارجية الروسي بشكلٍ مباشر، أو أشار إليها بشكلٍ غير مباشر، خلال زيارته الأخيرة للدول الثلاث.

اقرأ أيضاً: أعلام روسية في بوركينا فاسو.. واشنطن تحذر واغادوغو من جلب (فاغنر)

تعقُّب دبلوماسي

عندما حلّ سيرجي لافروف، مساء الأربعاء الماضي؛ في العاصمة السودانية الخرطوم قادماً من نواكشوط، أطلق عبارته الشهيرة “الدول الغربية تتعقبنا في إفريقيا، وتحاول تقويض جهودنا نحو عالم متعدد الأقطاب”؛ حيثُ تزامنت زيارته مع وصول مبعوثين من الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والنرويج والولايات المتحدة، لدعم انتقال السودان إلى حكومةٍ بقيادة مدنية، إنّها العبارة الأكثر دقة في توصيف الصراع على إفريقيا، بين الغرب وروسيا، يقول الباحث السياسي فتحي عثمان لـ”كيوبوست”، ويضيف:

بارجة حربية روسية في ميناء بورتسودان السوداني على البحر الأحمر- وكالات

في موريتانيا يختلف الوضع نسبياً على مالي والسودان، لذلك ربما يكون تصريح لافروف في نواكشوط بأن الهدف من الزيارة هو مناقشة أوجه التعاون بين البلدين في المجالات الاستثمارية والاقتصادية صحيحاً إلى حدٍ ما، فالدول الغربية تتقاعس عن هذين المجالين بطبيعة أنظمتها الاقتصادية (الحرة)، فالحكومات هناك لا تسيطر على الاقتصاد، ورؤوس الأموال الخاصة ليست مجبرة على الاستثمار في دولٍ لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الأمن والأمان، وتفتقر إلى البنيات التحتية والاستقرار السياسي، أما بالنسبة لروسيا فإن سيطرة الحكومة على الاقتصاد، وعلى الشركات الخاصة، بما فيها فاغنر نفسها، يجعل عملية اتخاذ القرار بالذهاب إلى إفريقيا سهلاً، وبالتالي فإن تحرك روسيا هو الأسرع فيما تهرول الدول الغربية لاهثة تطاردها في أدغال إفريقيا.

اقرأ أيضاً: ماكرون ولافروف… سباق التنافس إلى إفريقيا

يستطرد عثمان، ربما تتمكن روسيا من بناء قاعدةٍ عسكرية على سواحل حليفتها إريتريا كبديل مضمون، حال تمكن الغرب، بمساعدة بعض الدول العربية والإقليمية، من إحباط محاولة موسكو للحصول على قاعدة قرب ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

فتحي عثمان

هذا بالإضافة إلى وجود مجموعة فاغنر القوي في السودان، منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير، حيث تعمل في تعدين الذهب متخفية تحت غطاء شركة (مروي)، كما يُعتقد على نطاقٍ واسع أنها تقدم خدمات حماية واستخبارات لكبار القادة العسكريين في السودان، وإن كانت الخارجية السودانية نفت ذلك مراراً، لكن في الواقع يلحظ كثيرون الوجود الروسي في حقول التعدين، وبجانب قوات الدعم السريع في تقديم خدماتٍ استشارية واستخبارية، وهذا ما أقر ببعضه لافروف في زيارته الأخيرة، حيث اعترف صراحة بوجود شركات تعدين روسية في السودان، وأنه تم التوصل إلى اتفاق سابق بشأن قاعدة بحرية لكنه ينتظر تشريعاً سودانياً لتنفيذه.

من ناحيةٍ أخرى، يقول عثمان، إن الغرب والولايات المتحدة يضغطان بقوة على السودان وليبيا للتخلص من وجود (فاغنر) على أراضيهما، ما أسفر عن اعتقال السلطات الأمنية في الخرطوم 3 مواطنين روس، يناير الماضي، قالت إنّها اشتبهت بضلوعهم بتهريب 7 كيلوغرامات من الذهب، وذلك بعد أن أوقفت الشرطة في وقتٍ سابق مدير الأمن والسلامة بشركة (الصولج)، وهو روسي الجنسية، وبحوزته كمية من الذهب المعد للتهريب، قبل أن يطلق سراحهم بضمان السفارة الروسية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان

مقالات ذات صلة