شؤون خليجية

كيف ينظر اليسار العربي للتطورات المتسارعة في السعودية؟

هل يدعم اليسار الخطوات الانفتاحية للسعودية؟

خاص – كيو بوست- على إثر التطورات الأخيرة التي شهدتها السعودية من قيام ولي العهد محمد بن سلمان بعدة خطوات اعتبرت تحولات جذرية في تاريخ المملكة، تباينت ردات الفعل داخلياً وخارجياً، بين مؤيد لعمليات الإصلاح والتغيير ومعارض لها. وقد كانت ردة الفعل اليسارية العربية على هذه الخطوات من بين ردات الفعل الأكثر غرابة في تاريخ الحركات اليسارية منذ بدايات نشوئها في المنطقة العربية قبل حوالي المئة عام.

اليسار العربي: ثورة أم تنظير؟

ومع أن الحركات اليسارية تنظّر دائماً لإحداث ثورات في التفكير، والانقلاب على الأفكار الرجعية واستبدالها بأفكار تقدمّية، إلا أنها وقفت موقف المعارض لتحركات بن سلمان الأخيرة، وقادت ضده حملة شعواء على اعتبار أن تحركاته تلك “رجعية”.

وبذلك، يكون اليسار العربي قد انتظر الثورة طوال سنوات طويلة، ودعا إلى قيامها، محرضاً على الظروف المحيطة وعلى الاستعمار الخارجي باعتبارها القوى التي أخرّت وصول التغيير، وأسهمت في تفشيه في المجتمعات العربية وفي النخب السياسية الحاكمة، لكنها حين اصطدمت بتلك الثورة التي بدأت تظهر أولى ملامحها، ووجدت نفسها في مواجهتها وجهاً لوجه، رفضتها، وانقلبت عليها، بما يشي بانقلاب اليسار على ذاته، وعلى مبادئه الثورية، وأدواره التاريخية التي كان يتغنى بها دائماً.

فهل أعمت “ديكتاتورية البروليتاريا” اليسار العربي عن إمكانية حدوث تغييرات من رأس السلطة ذاته؟ خاصة في ظل جمود بعض الشعوب سياسياً؟

اليسار العربي: ديني أم علماني؟

على الرغم من التنافر الكبير الذي يقدمه اليسار العربي -على مستوى التنظير- مع الديانات بشكل عام، ومع الأنظمة السياسية التي تتبنى الأيديولوجيات الدينية، إلا أن معظم التيارات اليسارية اختارت التوجه إلى النظام الإيراني القائم على السلطة الدينية، واعتبرته الممثل الأكبر لمقاومة الإمبريالية في يومنا هذا، على اعتبار أن النظام الإيراني يقوم بمهاجمة الإمبريالية العالمية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، وطفلتها المدللة في الشرق الأوسط “إسرائيل”. وبذلك اعتبر اليسار العربي بمعظم مكوناته أن إيران تمثل القلعة التقدمية الوحيدة في المنطقة، رغم أنها حافظت على نظامها الديني المناقض لأفكار اليسار الثورية.

ومن ذلك، ما ينشره حساب ” اليسار الراديكالي المغربي” على صفحته على الفيسبوك من دعمه للجيش السوري بحجة أنه يواجه المشروع الإمبريالي في المنطقة .

أما حين نظرت الحركات اليسارية إلى تحركات بن سلمان الأخيرة، فقد نظرت إليها من زاوية أخرى، وبعين مختلفة، إذ اعتبرتها تحركات رجعية، لأنها ترتبط بنظام سياسي ديني. ورغم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أظهر بوادر تغييرات جذرية في طبيعة نظام الحكم السعودي، خاصة فيما يتعلق بالانفتاح على العالم، ونبذ الرجعية والتطرف، إلا أن اليسار العربي اعتبرها تحركات منافية لأفكاره.

فلماذا اتفق اليسار العربي مع نقيضه النظام الديني الإيراني الذي يصفونه عادة بالرجعي والمتخلف، فيما رفضوا تحركات النظام السياسي الذي بدأ بإحداث تغييرات جذرية من شأنها أن تقضي على الرجعية التي يحاربها اليسار العربي؟ ولماذا قبل اليسار العربي بنقيضه الذي لا يزال رافضاً لعمليات التغيير، ورفض كل التحركات التي ستؤدي إلى تحقيق مطالبه؟

يفسر الكاتب أحمد المصري في مقالة له على موقع قناة الغد بأن تناقضات اليسار العربي مؤخرا ترتبط بلغة المصالح، إذ” أن كثيرا من اليساريين ألقوا أنفسهم في حضن قطر، التي لا تعرف غير اقتصاد الغاز … رغم دعم سياسات الدوحة للتيارات السلفية والراديكالية اليمينية”

 

 

 

 

هل تتنافى تنظيرات اليسار العربي مع تحركات بن سلمان؟

في الواقع، إن ما قام به محمد بن سلمان، هو في حقيقة الأمر تنفيذاً للمطالب التي لطالما تغنى بها اليسار العربي منذ سنوات طويلة. لقد طالب اليسار العربي، بتغيير بنية النظم النخبوية الحاكمة، وتغيير معالمها، بما يتلاءم مع القيم التقدمية.

إضافة إلى ذلك، دعت الحركات اليسارية إلى استلهام أفكار الحرية الفردية، وإعلاء مفاهيم التقدمية. وهذا بالتحديد ما فعله محمد بن سلمان حين قضى على رموز السلفية الوهابية التي كانت تعصف بالنظام الحاكم في السعودية، وأعلن صراحة أن الفاسدين سيلقوا عقابهم، حتى لو كانوا من الأسرة الحاكمة، بما يشي بأن لا أحد فوق سلطة القانون والمجتمع، وأن القانون سيطبق على الجميع بالمساواة.

كما أعلن عن تقليص صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” التي تمثل شرطة دينية داخل المملكة، منهياً بذلك سلطة عناصر وهابية وتكفيرية على سكان المملكة بالكامل، ومنهياً عقوداً من سيطرة الأفكار المتطرفة على مؤسسات الدولة، الأمر الذي شكل إحراجاً كبيراً للملكة طوال سنوات طويلة في الرأي العام العالمي.

وإذا كان اليسار العربي قد رفض بمجمله تلك التغيرات، ألا يحق لنا أن نتساءل: ماذا يعني أن تكون يسارياً اليوم؟ وما هي المعايير التي تحدد القيم اليسارية التي تنادي بها؟ وهل يكفي التنظير القائم على فهم جامد لأفكار مفكرين مثل ماركس  وانجلز ولينين وماو تسي يونغ، لتكون يسارياً حتى لو رفضت جوهر وروح هذه الأفكار؟

هل يطبق اليسار العربي جوهر أفكار كارل ماركس حقاً؟

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة