الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية
كيف يمكن لقطر أن تصالح جيرانها؟
الجمود في الخليج العربي: مشاكل وحلول

ترجمة كيو بوست –
نشر الباحث السياسي الأسترالي “غوس أولوان” مقالةً في مجلة “بوليسي فورم” الأسترالية، يتحدث فيها عن أسباب الأزمة بين قطر وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، والحلول التي ينبغي على الدوحة اتخاذها من أجل نزع فتيل الأزمة التي تمسّ “الشعور بالهوية الخليجية”. ويعتقد “أولوان” أن محاولة الدوحة لبسط النفوذ القطري على المنطقة -مستغلة صعود الإسلاميين في بداية الربيع العربية- هو أبرز أسباب الأزمة الخليجية الحالية، إلى جانب دعم المجموعات الإسلامية المتطرفة.
قامت الرباعية العربية ممثلة بالسعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر بسبب دعمها للمجموعات الإسلامية المتطرفة وتمويل التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط. وبرغم النفي القطري، واصلت الدول الخليجية مقاطعتها للحكومة القطرية، مطالبةً إياها بالوفاء بمطالب عدة من أجل استئناف العلاقات، ومن بينها تغيير سياسة قناة الجزيرة المدعومة بشكلٍ كاملٍ من النظام.
وقد نشبت هذه الملحمة السياسية العربية في أعقاب الربيع العربي، الذي شهد صعودًا سياسيًا للمنظمات الإسلامية في المنطقة، وأهمها الإخوان المسلمين في مصر والأردن، وحماس في غزة، وحزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، والمتمردين الإسلاميين في سوريا والعراق، وغيرها من الأماكن.
وفي ظل اهتمام المنظمات الإسلامية في الاستيلاء على أنظمة الحكم في البلدان العربية، لتحاكي النموذج الإيراني في الحكم الديني المطلق للبلاد، تبنّت الدول الأربع خيار المواجهة، لتفادي أيّ مخاطرٍ محتملة في المراحل للاحقة.
أما قطر، فقد تبنّت نهج “الامتصاص” بدلًا من المواجهة، واعتقد النظام في الدوحة أن الإسلاميين سيسيطرون على المنطقة في غضون سنواتٍ قليلة، ورأوا في ذلك فرصةً سانحةً لتسخيرهم كحليفٍ من أجل تحقيق هدفٍ واحد؛ وهو بسط النفوذ القطري على الشرق الأوسط. ومن هنا نشبت الخلافات ما بين النظام القطري وحكومات الدول الأربع، خصوصًا بعد أن أعلنت الدوحة صراحةً دعمها الكامل للتنظيمات الإسلامية التي تواجه اللجنة الرباعية لمكافحة الإرهاب.
في الحقيقة، ليس هناك ما يشير إلى أن المواجهة السياسية بين قطر واللجنة الرباعية ستنتهي في وقتٍ قريب، إلا أن هنالك خطوات يمكن اتخاذها لتقريب آفاق المصالحة:
أولًا، يمكن للحكومة القطرية، بالإضافة إلى حكومات شرق أوسطية أخرى، أن تتبنى سياسة حقيقية لوضع حدٍّ لتمويل الإرهاب. وفي هذا السياق، سيكون من الصعب مراقبة عملية تمويل المنظمات الإرهابية لأن أفرادها يستخدمون المدارس والمساجد والاتحادات، كقواعد لجمع الأموال ونقلها. ولكن هنالك خيار واحد سوف يساعد في حلّ هذه المعضلة، ألا وهو تبنّي سياسة واضحةً من شأنها أن تحدّد وجهة الأموال ومصدرها، وأن تحظر وسائل الجمع المشبوهة كافة.
تتحمّل البنوك كذلك مسؤولية كبيرة عن توفير خدمة النقل الآمن للأموال، عندما يتعلق الأمر ببلدان ومنظماتٍ وأفراد مدرجون على قائمة المخاطر العليا، التي تشير إلى تورطهم بنشاطات إرهابية. ومن أجل تنظيم هذه المسألة، يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يشكّل قيادةً مركزية تقوم بمراقبة هذه الأنشطة والإشراف عليها لضمان المرور الآمن للأموال.
ثانيًا، على قطر أن تتعاون مع اللجنة الرباعية للتخفيف من حدّة توتر النزاع بشأن قناة الجزيرة. فمنذ تأسيسها عام 1996، هنالك انتقادات كثيرة للجزيرة، التي تعمل إما كناطق بلسان الحكومة القطرية وقوى الإسلام الراديكالي وما وراءه، أو تشكّل “منارة لحرية التعبير” باستثناء ما ينتقد النظام القطري. علاوة على ذلك، تعمل الجزيرة كمنصّة للتحريض على الكراهية والإرهاب في المنطقة، وفقًا لكثير من الأصوات التي بدأت تعلوا هنا وهناك، وخصوصًا في البلدان الأربعة.
وإذا أراد الجانبان أن يحلّا خلافاتهما بشأن هذه القضية، فيمكن لهما الخوض في حوارٍ شفّافٍ يتمخض عنه معالجة مخاوف الدول الخليجية التي تتعلق بالفساد وحرية التعبير. في الحقيقة، لا يمكن لحريّة التعبير أن تكون انتقائيةً أو موجهةً ضد الخصوم السياسيين.
من شأن فشل قطر في حلّ أزمتها مع الدول الخليجية أن يؤدي إلى انعكاساتٍ اقتصاديةٍ واجتماعية وسياسية خطيرة على مجلس التعاون الخليجي، فضلًا عن منطقة الشرق الأوسط الأوسع. وعلى الصعيد الاقتصادي، اضطرت قطر إلى استخدام 38,5 مليار دولار أمريكي -أي ما يعادل 23 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي- لدعم اقتصادها خلال الشهرين الأولين من نزاعها مع اللجنة الرباعية. كما وأدت الأزمة إلى تعطيل سلسلة الإمدادات والواردات وتدفّق السلع والخدمات، والأهم من ذلك، الإضرار بالشركات في المنطقة. وعلى الصعيد الاجتماعي، اضطرت قبائل إلى الانتشار عبر حدود دول مجلس التعاون الخليجي، وعانت أسر كثيرة لها ارتباطات ببلدان أخرى في المنطقة، الأمر الذي يؤثر إلى حدٍّ كبير على الإحساس بالهوية الخليجية.
إنّ أزمةً من هذا النوع، وعلى هذا النطاق، لن تؤدي إلى زعزعة استقرار البلدان الإقليمية فحسب، بل إلى تقويض القضية الفلسطينية وتوجيه ضربة دبلوماسية لغزة أيضًا. فهنالك دول مثل إيران تستغل الأزمة من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، وقد تجلى ذلك في تحالف وصداقة الدوحة – طهران. ومن ناحية أخرى، هنالك تركيا التي تعمل على توسيع نطاق نفوذها السياسي في الشرق الأوسط، وقد تمكنت بالفعل من بسط تأثيرها السياسي العسكري على قطر، من خلال إقامة قوة ضخمة جدًا فيها.
ومن أجل نزع فتيل الأزمة، ينبغي على قطر والدول الأربع أن تتخذ خطوات مثمرة في إطار الحلول والمخاطر المطروحة أعلاه. كما ويجب إيقاف الخطاب الاستفزازي بما في ذلك الاعتداء على مسؤولين بصفتهمٍ الشخصية كشرطٍ مسبقٍ لأيّ محادثات.