الواجهة الرئيسيةترجماتفلسطينيات
كيف يمكن أن يكتب صحفي غربي عن فلسطين بموضوعية؟
هكذا تقوم وسائل الإعلام الغربية بالحديث عن المظاهرات في غزة!

ترجمة كيو بوست –
خلال الأسبوعين الماضيين، تظاهر آلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة من أجل حقهم بالعودة إلى أراضيهم، التي أجبروا على الخروج منها بالقوة عام 1948، على يد الميليشيات الصهيونية. وردت القوات الإسرائيلية على المظاهرات بإطلاق الرصاص الحي والرصاص المغلف بالمطاط.
على الأقل، سقط 32 شهيدًا، فيما أصيب حوالي 2700 شخص خلال تلك المسيرات، التي بدأت في 30 آذار الماضي، ويتوقع أن تستمر حتى 15 أيار، ذكرى النكبة الفلسطينية، التي يفترض أن تشهد مسيرة كبرى تستعيد ذكرى اقتلاع الفلسطينيين عام 1948.
غطت معظم وسائل الإعلام الأجنبية البارزة الأحداث بنوع من الحساسية والصرامة.
كانت التغطية “موضوعية” إلى حد كبير: عُومل الطرفان بنوع من المساواة (في الصحافة، لا يهم من يكون قامعًا أو مقموعًا؛ المهم بالنسبة للصحفي هو ألا يقف مع أي من الأطراف، بغض النظر عن حجم القمع الذي يحدث)!.
كانت التغطية “ممتازة”، لدرجة أني شعرت بأن علي وضع دليل للحفاظ على هذه الأسس للأجيال القادمة:
أولًا: الحقائق
في كل مرة يتظاهر الفلسطينيون ويفتح الإسرائيليون النار الحي تجاههم، يجب عليك أن تسمي ذلك “مواجهات” أو شيء من هذا القبيل، بدون توضيح!
على سبيل المثال، ذكرت بلومبيرغ خبرًا بعنوان “الفلسطينيون (يشتبكون) مع القوات الإسرائيلية للأسبوع الثاني في غزة”. بي بي سي استخدمت عنوان “(اضطرابات دامية) على الحدود بين غزة وإسرائيل، بينما يستمر الفلسطينيون بالتظاهر”.
أما سي إن إن فقد ذكرت: “عنف جديد (يثور) على الحدود، والفلسطينيون يتظاهرون من جديد”. في هذا العنوان، يثور العنف مثل البركان، بدون أي سبب!
من الأمثلة السابقة، يتضح أن الحقائق غير مهمة بالنسبة للصحف الغربية؛ في الواقع، لم يكن هناك اشتباكات، الإسرائيليون فقط يطلقون النار على مدنيين غير مسلحين يتظاهرون، ولكن هذا غير مهم بالنسبة للصحافة العالمية!
ثانيًا: السياق
من أجل فهم السبب وراء إطلاق الإسرائيليين النار، يمكن الاقتباس من الناطقين الرسميين، ولا يمكن أن يحدث ذلك –بالنسبة للصحافة الغربية- من خلال المشاهدة بالعين!
على سبيل المثال: اقتبست بي بي سي من حساب الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي وكتبت: “المتظاهرون يرمون الحجارة والقنابل الحارقة على القوات الإسرائيلية، ومحاولات لاختراق السياج الحدودي، هذا ما قاله الناطق باسم الجيش الإسرائيلي”.
ولكن، هل حاول الـ32 شهيدًا “التسلل” إلى السياج؟ كم واحدًا منهم ألقى القنابل الحارقة؟ بي بي سي لا تقول!
إضافة إلى ذلك، بالنسبة لبي بي سي، ليس مهمًا أن تذكر أن 70% من الذين يعيشون في قطاع غزة هم من اللاجئين، وأنهم على بعد كيلومترات قليلة من منازلهم وراء السياج!
ثالثًا: إلقاء اللوم على طرف
من المهم جدًا أن توجه –كصحافي- متابعيك إلى مصدر المشكلة، فأن تكون موضوعيًا أمر هام جدًا. لا تقف مع أحد الأطراف. الأمر كله يرتبط بالإشارات التي تعطيها داخل مادتك الإعلامية. مثلًا تقول نيو يورك تايمز: “لكن عدد القتلى كان كبيرًا، على الرغم من تعهد حماس -الميليشيا المسلحة التي تسيطر على غزة- بأن الاحتجاج سيكون سلميًا، وأن إسرائيل تعلمت من الأسبوع الماضي وستستخدم الرصاص الحي (بحكمة)”.
هذا مثال مهم. في البداية، ليس مهمًا بالنسبة للصحيفة أن حماس ليست المنظّمِة للتظاهرات (أيدت التظاهرات ولم تنظمها)، وليس مهمًا أن معظم المشاركين في التظاهرة هم أشخاص مدنيون من كل الأعمار، يجلسون في الخيام، ويغنون، ويهتفون، ويطالبون بالعدالة. ليس مهمًا بالنسبة للصحيفة أن الإسرائيليين يقتلون أشخاصًا غير مسلحين، أطفالًا، أو صحفيين يرتدون شارة الصحافة!
ما كان مهمًا بالنسبة للصحيفة هو أن هناك عددًا من القتلى بالرغم من تعهد حماس بأن تكون المسيرات سلمية!
الأمر ذاته يتكرر مع رويترز التي ذكرت: “قالت إسرائيل إنها ستفعل ما تراه مناسبًا من أجل منع المتظاهرين من تحطيم أو اختراق السياج الحدودي مع القطاع المحاصر”.
إسرائيل تتهم حماس بتنظيم المظاهرات، وتروّج لآرائها، فيما تتسرب هذه المعلومات إلى بعض وسائل الإعلام كحقائق!
رابعًا: تعقيد الأمور
بينما تستمر التظاهرات، ويستمر العنف الإسرائيلي تجاه المظاهرات السلمية، ويستمر الإسرائيليون في إراقة الدم الفلسطيني، عليك أن تبحث عن طريقة لتوضيح تعقيدات الصراع. لا تنس أن الحصار الإسرائيلي على سكان القطاع، الذي يستمر منذ 11 عامًا، خنق 2 مليون غزي. ومن الحكمة أيضًا أن تذكر أن أكثر من عدوان نفذته إسرائيل ضد سكان القطاع خلال العقد الأخير، دمرت كثيرًا من الأحياء السكنية والمناطق (مثل الشجاعية) وسوتها بالأرض.
خذ على سبيل المثال، صحيفة نيوزويك الأمريكية، التي قالت: “العنف في غزة هو آخر هجوم في حرب السرديات”. إن هذا العنوان الذي وضعته الصحيفة يحاول تعقيد أمور واضحة، بدلًا من تيسيرها.
ببساطة، تطلق القوات الإسرائيلية النار على متظاهرين عزل، وتنجو بفعلتها، ولكن نيوزويك تكتب أخبارًا لتجعل عملية فهم الصراع أمرًا معقدًا.
خامسًا: الثقافة
يستمر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ 70 عامًا. ولكن، بالنسبة للصحافة الغربية، من السهل أن تنسى ما حدث منذ ذلك الحين. الميليشيات الصهيونية اقتلعت الفلسطينيين من أراضيهم، وطردت مئات الآلاف منهم إلى المنافي، وجعلتهم غير قادرين على الإقامة أو السفر.
كل هؤلاء يريدون العودة الآن، وينتظرون فرصة تحقيق ذلك. إن فهم السبب وراء عدم امتناع الفلسطينيين عن المطالبة بحقهم في الدفاع عن أنفسهم وعن كرامتهم، أو على الأقل عدم قبولهم بالخضوع، طوال هذه السنوات، هو أمر مرهق بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على احتلال أراضي الغير بأنفسهم.
من أجل هؤلاء القراء، يجب توضيح أن الفلسطينيين يقدّرون الحياة، والموت، بشكل مختلف عن طريقتنا “نحن” في ذلك.
لذلك، خذ هذا العنوان من نيو يورك تايمز: “بالرغم من دمويتها، مسيرات غزة تلفت الانتباه والحماسة”. يقول هذا التقرير: “بالنسبة لأهل غزة، فإن التجربة المؤقتة غير العنيفة هي أمر هام جدًا”. ما ليس مهمًا بالنسبة للصحيفة هو أن أهل غزة هم أشخاص لديهم طموحات، وأفكار، ووظائف، وأفكار، وإحباطات. كانت الصحيفة تريد أن تقول إن الفلسطينيين مستعدون للقتال والموت، ومات أطفالهم، لأنهم مهووسون بالشهادة!”.
إذا كنت صحفيًا في إحدى وسائل الإعلام الأجنبية الكبيرة، فإن النقاط التي ذكرتها هي أفضل طريقة لوصف صراع بين مدنيين عزل، وأحد أقوى جيوش العالم!
المصدر: إندبندنت ميديا