الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

كيف يمكن أن نوقف التداعيات التي قد تقود إلى عصر الأوبئة؟

كيوبوست- ترجمات

في هذا التحليل يقدِّم عدد من الباحثين المتخصصين في علوم الأوبئة واللقاحات رؤيتهم لمستقبل العالم بعد وباء كورونا، ويشارك في التحليل: لاري بريليانت، الطبيب المتخصص في علم الأوبئة والرئيس التنفيذي لشركة  Pandefense Advisoryمع مارك سمولينسكي، الباحث المتخصص في علم الأوبئة الطبية ورئيس منظمة القضاء على الأوبئة، إلى جانب الدكتورة ليزا دانزيغ خبيرة الأمراض المعدية واللقاحات، ودبليو إيان ليبكين مدير مركز العدوى والمناعة في جامعة كولومبيا.

ويحاول هذا الفريق المتميز الإجابة عن تساؤل يشغل البشرية: إذا كان وباء كورونا قد انتشر بعد 100 عام تقريباً من جائحة أنفلونزا عام 1918، هل يكون من الصواب الاعتقاد أن النجاة من حدث من هذا القبيل تعني أن هناك 100 عام من الأمان، فالناس يريدون بطبيعة الحال الاعتقاد بأن هذا التفشي حدثٌ يقع مرة واحدة في القرن.

اقرأ أيضاً: الإنفلونزا الإسبانية.. أم جميع الأوبئة الحديثة

انتشار الأوبئة بات أيسر لكن الوقاية باتت متاحة أيضاً

يجيب كتاب التحليل بأن مثل هذا التصور غير وارد، بداية لاستناده إلى فرضية خاطئة، فلم نمر بمئة عام من الهدوء، فطوال الوقت كان خطر انتشار الأوبئة يتزايد باطراد لعددٍ من الأسباب، منها النمو السكاني المتصاعد، والتحضر، وزيادة استهلاك اللحوم، وزيادة القرب من الحياة البرية.

هذه العوامل مجتمعة، تزيد من خطر انتقال فيروسات الحيوانات إلى البشر، وبمجرد انتقال الفيروسات الجديدة للناس، فإن هناك عوامل أخرى تزيد من احتمالية انتشارها بسرعة إلى ما هو أبعد من مصدرها الأصلي، مع ازدياد السفر لمسافات طويلة، حيث بات من الممكن لمسببات الأمراض الآن عبور الكرة الأرضية في ساعات.

الإنفلونزا الإسبانية حصدت أرواح الملايين- وكالات

ومع تنامي التجمعات الجماهيرية الضخمة، مثل الأولمبياد إلى المهرجانات، تزيد احتمالات الانتشار التي يمكن أن تصيب أعداداً كبيرة من الناس في وقتٍ واحد. قبل مئة سنة، من المحتمل أن يكون المزارع الذي أصيب بإنفلونزا الطيور نتيجة ذبح دجاجة يعيش حياة ريفية، وبالتالي من المحتمل أن يصيب عائلته أو قريته فقط. لكن اليوم، قد يعمل هذا المزارع في مسلخ بالقرب من مدينة كبيرة، ويمكن أن يستقل طائرة قبل الشعور بأي أعراض.

لكن التطورات الحديثة، من جانبٍ آخر، منحت العالم أدواتٍ جديدة للوقاية من العدوى واحتوائها، ما سمح لنا بوقف تحول تداعيات الأوبئة إلى فوضى عالمية. فلا مفر من انتشار الأوبئة لكن مهمة المكافحة أصبحت أسهل من أي وقتٍ مضى بواسطة العلم الحديث، ولكنها أيضاً مهمة تتطلب التعلم من درس كورونا، وأن نكون أكثر سرعة وأكثر تعاون وثقة، وهي أمورٌ من دون التغلب عليها ستبقى سلسلة الأوبئة دون انقطاع.

اقرأ أيضاً: أزمة “كورونا” العالمية في عصر ما بعد الحقيقة!

الأوبئة “حيوانية” المنشأ، والحداثة

من الصعب تحديد عدد الفيروسات المنتشرة بين الحيوانات، لكن العدد حسب أحد التقديرات والتي يشير إليها هذا التقرير، يصل إلى 300 ألف فيروس، ويحدث أن ينتقل بعض من هذه الفيروسات إلى البشر لكن لوقتٍ قريب كانت أغلب الفيروسات تنتقل عن طريق الدم. لكن الخطورة ازدادت مع تحول آلية الانتشار لتصبح عن طريق التنفس. وكما سبقت الإشارة ساعدت الحداثة، وتضاعف عدد سكان العالم، وقطع عدد لا يحصى من الأفدنة من الغابات، والتغيرات المناخية، في فقدان الكثير من الحيوانات لموطنها ودفعها إلى الانتقال، ومن ثم الاختلاط، مع حيوانات جديدة، والمزيد من الناس.

من جانبٍ آخر، أدى نقص المياه وندرة المحاصيل والهجرة من الريف إلى الحضر والازدحام الحضري، بالإضافة إلى مخيمات المهاجرين إلى انتشار مسببات الأمراض بسهولة، وإطالة مواسم تكاثر البعوض والذباب الناقل للأمراض. الجوانب الأخرى للحداثة تساعد أيضاً، فهناك ارتفاع في استهلاك لحوم الفرائس حيث لجأ الفقراء إلى الحياة البرية كمصدر غير مكلف للبروتين، بينما طور الأغنياء مذاقاً للأشياء الغريبة وفي الوقت نفسه، تزدهر تجارة الحيوانات الأليفة الغريبة، التي كانت تعيش في البرية فقط.

معهد ووهان لعلوم الفيروسات- أرشيف

على الرغم من أن الانتشار الطبيعي هو الأصل المحتمل للوباء القادم، وفقاً لكتاب التقرير، فإنه نظرياً يمكن أن يبدأ من مكان آخر: المعامل والمختبرات. ويحتدم حالياً النقاش حول ما إذا كان سارس ووباء كورونا قد تسربا من المختبر. حيث يتفق الجميع تقريباً على أن البؤرة الأساسية لوباء كورونا كانت سوقاً في ووهان، لكنهم يختلفون حد الصدام حول ما إذا كان السوق هو موقع الانتشار الأصلي الذي أدى إلى انتشار الوباء أو مجرد أول مضيف، بعد أن تسرب من معهد ووهان لعلم الفيروسات. ومع إغلاق الحكومة الصينية للمختبر أوائل عام 2020 أمام التفتيش الدولي، منحت أنصار نظرية “التسريب” قوة إضافية.

لكن معملا مختلفاً، مركز ووهان للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، يبعد 300 ياردة فقط -بضع دقائق سيرا على الأقدام- يُعتقد أيضاً أن هذا المختبر كان لديه برنامج نشط لجمع الفيروسات من الحياة البرية، بما في ذلك الخفافيش. بالنظر إلى أن اندلاع السارس 2002–4 من المحتمل أيضاً أن يكون قد جاء من الخفافيش، فلن يكون من غير المألوف ولا شائن أن يتم جمع عينات من هذه الحيوانات المصابة بـ SARS -CoV-2.  إذا أصيب عامل المختبر بالفيروس هناك، فقد يشير ذلك إلى ممارسات معملية سيئة، ولكن ليس نية إجرامية.

اقرأ أيضاً: تساؤلات حول تسرب مختبر ووهان.. ومنجم مهجور يحتل مكان الصدارة!

ما الوباء القادم إذاً؟

يناقشون الباحثون هنا مستقبل الأوبئة القادمة، ويرون أن هناك ما يشبه القائمة القصيرة لأنواع الأمراض التي يمكن أن تتحول لوباء في الفترات القادمة، ومن ذلك أن يكون فيروساً ينتشر بشكلٍ طبيعي نتيجة اتصال الإنسان بالحيوانات، وتبرز عدد من الفيروسات: فيروسات كورونا، التي تنتشر في الغالب من خلال تنفس الهواء المشترك، ولديها فترات حضانة قصيرة، وتتحور بسهولة إلى أنواعٍ أخرى. والنوع الثاني فيروسات الإنفلونزا شديدة العدوى، والتي تتحور بشكلٍ سريع جداً يجعل من الوصول إلى لقاح لها شديد الصعوبة.

هناك أيضاً العدوى من فئة الفيروسات arboviruses التي تنتقل إلى الإنسان من “المفصليات” كالحشرات مثل البراغيث والقراد والبعوض ومن أبرز الفيروسات في هذه الفئة الحمى الصفراء، وحمى غرب النيل، وحمى الضنك، والتهاب الدماغ الياباني، وتنتشر جميعها في المقام الأول عن طريق البعوض، مما يجعل هذه الحشرة أخطر حيوان على قيد الحياة. كذلك تشكل فيروسات الأورثوبوكس، وهي فئة تشمل الجدري، تهديداً وبائياً، ومنها جدري القوارض، وجدري القرود، وجدري الجمال.

ووفقاً للتقرير قد يكون الوباء التالي جرثومياً وليس فيروسياً. في عام 2021، تم الإبلاغ عن أكثر من 100 حالة من حالات الطاعون في الولايات المتحدة، وقد نما هذا الخطر مع تطوير البكتيريا ومقاومة المضادات الحيوية الموجودة، والنتيجة هي عدوى يصعب علاجها، مثل السل المقاوم للأدوية المتعددة. وأخيراً وليس آخراً من المهم أن يكون العلماء متواضعين بشأن مقدار ما لا يعرفون. فقد ينتشر أي وباء من فيروس مخفي منذ فترة طويلة، كما كان الحال مع فيروس زيكا، الذي حدد عام 1947، لكن لم يظهر كتهديد كبير حتى عام 2015.

إجراء أبحاث على عينات الخفافيش داخل معهد ووهان لعلم الفيروسات- تحالف الصحة البيئية

وقف الانتشار

يحدِّد الباحثون هنا في هذا المقال مجموعة من الإجراءات يمكن أن تساهم في مكافحة أي وباء جديد، في ضوء الدروس المستفادة من كورونا، ومنها ضرورة التعاون وتتبادل البلدان بشكلٍ متزايد معلومات الصحة العامة، مما يساعد على ضمان عدم انتشار الأمراض المحلية على مستوى العالم.

من جانبٍ آخر، فإن الاستثمار في تكنولوجيا اللقاحات أتى ثماره في أزمة كورونا، وأثبت الإنفاق الذي ظلَّ لسنوات في هذا المجال أن له جدواه. وقد يكون من الممكن تسريع نشر اللقاحات من خلال تطوير تجارب لقاح سريعة لتحديد السلامة والفعالية.

اقرأ أيضاً: وباء لم نشهد له مثيلاً

ويختتم الباحثون هنا بالتأكيد على خطورة ما كشف عنه وباء كورونا من انعدام الثقة بين الدول، حيث تخفي بعض الحكومات البيانات، والبعض الآخر يخزن اللقاحات. وكشفت عدم الثقة بين السكان ومسؤولي الصحة العامة، الثقة هي الفرق بين مشاركة المعلومات دولياً أو إخفائها، بين اتباع قواعد الحجر الصحي أو الاستهزاء بها، وبين مشاركة اللقاحات أو تخزينها.

بدون الثقة ستتعرض أفضل سياسات الصحة العامة للفشل. هذا العنصر البشري هو الذي سيحدِّد قبل كل شيء ما إذا كان بإمكان العالم استخدام الجانب الإيجابي للحداثة “العلم” لدرء أي وباء قادم.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة