الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف يعرِّض تاريخ طويل من العنصرية النساء الآسيويات في أمريكا للعنف؟

كيوبوست- ترجمات

كادي لانغ – بولينا كاشيرو♦

استمر الجدل الذي أثاره مقتل ثمانية أشخاص، من بينهم ست نساء آسيويات، في إطلاق نار جماعي في ثلاث مؤسسات تدليك في منطقة أتلانتا قبل بضعة أسابيع، واستمر شعور العديد من النساء الأمريكيات الآسيويات بالخوف من العنف في جورجيا الذي بدا وكأنه مألوف لديهن.

جاء إطلاق النار الجماعي بعد عام من تصاعد العنف والهجمات العنصرية ضد الآسيويين التي يقول الناشطون إنها مدفوعة بالخطاب المعادي للأجانب بخصوص جائحة “كوفيد-19”. تلقت قاعدة بيانات مجموعة “أوقفوا كراهية الأمريكيين الآسيويين” -وهي قاعدة بيانات أُنشئت في بداية انتشار الجائحة لغرض رسم خريطة للهجمات- ما يصل إلى 3795 تقريراً عن حوادث تمييز ضد الآسيويين في الفترة الممتدة بين 19 مارس 2020 و28 فبراير 2021، ومن بين هذه الهجمات كانت نسبة النساء اللاتي أبلغن عن حوادث كراهية أكثر من الرجال بما يزيد على الضعفَين.

اقرأ أيضاً: الجرائم والمضايقات العنصرية ضد الآسيويين ترتفع إلى مستوى قياسي خلال جائحة “كوفيد-19

 ومع ذلك، قال الكابتن جاي بيكر، المتحدث باسم مكتب “الشريف” في مقاطعة شيروكي بولاية جورجيا، في مؤتمر صحفي عقب موجة إطلاق النار: إن المشتبه به، وهو رجل أبيض، ادَّعى أن الهجمات لم تكن “بدوافع عنصرية”. وبدلاً من ذلك ادعى المشتبه به أن لديه “إدماناً جنسياً” لتفسير استهدافه النوادي الصحية التي كان يتردد عليها، والذي كان يهدف إلى “التخلص من الإغراء”. ربما لم يذكر بيكر -الذي جرى عزله من منصب المتحدث حول القضية- ذلك صراحة؛ لكن الرسالة كانت واضحة: فالدافع كان متجذراً في كراهية النساء وليس العنصرية. ولكن في الحقيقة لا يمكن فصل هاتين القضيتَين بعضهما عن بعض؛ فهما مترابطتان بشكل فريد ومثير للقلق.

دوافع بذيئة ولا أخلاقية

ترى جودي تزوتشون وو، مديرة مركز العلوم الإنسانية وأستاذة الدراسات الآسيوية الأمريكية في جامعة كاليفورنيا، أن النظرة الدونية إلى النساء الآسيويات التي ترى أنهن أدوات للرغبة أو حتى أسوأ من ذلك “تلوث أخلاقي” ترجع إلى بدايات القرن التاسع عشر. وتقول عن حادث إطلاق النار في أتلانتا: “يرجع هذا العنف إلى الطريقة التي يُنظر بها إلى النساء الآسيويات بشكل خاص على أنهن يمتلكن ذلك النوع من الجاذبية الجنسية التي تؤثر على المجتمع الأمريكي”.
وهي
 ترى أن هذا التصور لم يأتِ بطريق الصدفة؛ بل في الواقع فقد أسهمت الحكومة الأمريكية بدور رئيسي في ترسيخ الصورة النمطية المفرطة جنسياً للنساء الآسيويات في كل من قوانين الولايات والقوانين الفيدرالية؛ مثل قانون إقصاء الصينيين لعام 1882، وقانون بيج لعام 1875، وهي قوانين صدرت بسبب خوف الأمريكيين البيض على وظائفهم من جراء تدفق مئات الآلاف من المهاجرين الصينيين. وقد استهدف هذا القانون المهاجرين من الصين أو اليابان أو أي بلد شرقي. كما نص القانون على “منع استيراد النساء بغرض الدعارة”. وفي ذلك تصنيف سطحي للنساء الآسيويات على أنهن بائعات هوى غير نظيفات. وبذلك، أعطى هذا القانون في الممارسة العملية هامشاً متسعاً لموظفي الهجرة لمنع النساء الآسيويات من دخول البلاد.

اقرأ أيضاً: كيف يتم استغلال “كوفيد-19” لنشر الكراهية وتحقيق مكاسب سياسية؟

وقد كان المقصود من منع النساء من دخول البلاد هو منع الرجال الصينيين من تأسيس عائلات، وبالتالي “تقييد الهجرة الآسيوية” كما تقول جودي وو. وكانت الفكرة السائدة في ذلك الوقت -وفي المستقبل- هي أن النساء الآسيويات القادمات إلى الولايات المتحدة كن يأتين إلى الولايات المتحدة بدوافع “بذيئة ولا أخلاقية”، كما جاء في نص قانون بيج لعام 1875.

حشد من المصورين الذين تدافعوا إلى الحي الصيني في لوس أنجلوس عندما سمعوا عن جائزة لأفضل صورة لسكان الحي وشوارعه في أكتوبر 1939- “التايم”

العقدة الجنسية للجيش

بعد نهاية القرن التاسع عشر، استمرت السياسة الأمريكية في تعزيز الصورة النمطية المفرطة في الجنس للنساء الآسيويات؛ خصوصاً مع توسع الوجود العسكري الأمريكي في آسيا والمحيط الهادي، حيث كان شرب الكحول والمقامرة وزيارة بيوت الدعارة أموراً شائعة؛ بل ضرورية بالنسبة إلى الجنود في الخارج. وكانت النساء في مناطق الصراعات في اليابان وكوريا وفيتنام.. وغيرها، في الطرف المتلقي لهذه الافتراضات؛ ولكن الحقيقة هي أن النساء اللاتي كن يعشن وسط ذل الدمار لم يكن لديهن الكثير من الخيارات.
وبعد الحرب العالمية الثانية، بدأ الجيش الأمريكي في كوريا الجنوبية بالسيطرة على بيوت الدعارة التي كان يديرها الجيش الياباني، والتي كانت تضم ما يقدر بمئتَي ألف من “نساء المتعة” اللاتي كن يقدمن خدمات جنسية إلى الجنود اليابانيين. وكذلك بدأ الجيش الأمريكي بالتنسيق مع سلطات كوريا الجنوبية بإقامة حانات ونوادٍ بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية؛ لغرض الترفيه عن الجنود الأمريكيين. وفي عام 1965 أفاد 85% من الجنود الذين شملهم الاستطلاع أنهم قضوا أوقاتاً مع عاهرات.

اقرأ أيضاً: كوريا (ج) واليابان: قضية “نساء المتعة” تعود إلى الواجهة من جديد

تقول جودي وو: “كان هنالك ما يوصف بأنه عقدة جنسية عسكرية؛ كان هنالك أعداد كبيرة من الرجال الأمريكيين في الخارج، وخطة الجيش لإقامة مناطق للترفيه لهؤلاء الرجال؛ حيث كانت النساء الآسيويات هن مَن يقدمن خدمات الإشباع الجنسي”.
وكانت النساء
 اللواتي يتم تجنيدهن للعمل في هذه المناطق في الغالب يتيمات أو ممن ليس لديهن أي مورد للعيش، وكن يجبرن على دفع إيجار الغرف التي يقدمن فيها خدماتهن للجنود الأمريكيين، وكذلك على دفع تكاليف كل مستلزمات الترفيه عنهم”.
تقول
 كارا يابولا كارلوس، الرئيسة التنفيذية للجنة ولاية هاواي بخصوص وضع النساء: “كان يتم تدريب الرجال البيض والضغط عليهم ودفعهم من قِبل الجيش الأمريكي للتنفيس عن غضبهم، وتفريغ كراهية الذات وكراهية العدو في أجساد النساء الآسيويات؛ وهذا ما نقف ضده”.

النجمة السينمائية الأمريكية- الصينية آنا ماي وونغ ترتدي زياً مثيراً ويظهر خلفها ظل تنين عام 1931- “التايم”

على الجبهة الداخلية

ومع انتهاء الحروب عاد الكثير من الجنود إلى الوطن وهم يحملون تصوراتهم عن المرأة الآسيوية على أنها خاضعة ومتاحة جنسياً؛ ولكن هذه الصورة النمطية لم تقتصر على المناطق العسكرية، بل انتشرت في الثقافة الشعبية؛ حيث هيمنت على النساء الأمريكيات من أصل آسيوي، ما أدى إلى ظهور استعارتَين جنسيتَين ثنائيتَين في توصيف المرأة الآسيوية؛ هما “زهرة اللوتس” و”سيدة التنين”.
عززت صورة زهرة اللوتس أو “دمية الصين” الصورة النمطية عن المرأة الآسيوية الخانعة والخاضعة جنسياً والمفعمة بالأنوثة الوديعة. وغالباً ما تلاقي هذه الشخصية نهايات مأساوية في الأفلام السينمائية. وفي المقابل، هنالك صورة سيدة التنين التي تقدم المرأة الآسيوية على أنها ماكرة ومخادعة وشريرة وتستخدم حياتها الجنسية للتلاعب بالرجال وتحقيق المكاسب. وهو تجسيد أنثوي “للخطر الأصفر”. وقد ارتبط هذا الدور بالنجمة السينمائية آنا ماي وونغ، التي أدَّت دور الشريرة في أفلام مثل “ابنة التنين” و”شنغهاي إكسبريس”.

اقرأ أيضاً: تفشِّي “كورونا” يرافقه صعود في كراهية الأجانب والعنصرية ضد الآسيويين

ظهر في الثمانينيات والتسعينيات تشعب جديد لهذه الصور النمطية مع انتشار ظاهرة طلب العروس عبر البريد؛ حيث بدأ الرجال المنزعجون من صعود الحركة النسائية يبحثون في الخارج عن زوجات أجنبيات يلتزمن بالقيم التقليدية. وظهرت إعلانات في الصحف والمجلات عن “نساء المحيط الهادي الفاتنات” و”لآلئ الشرق” اللاتي يرتدين ملابس تقليدية مثيرة للغاية. كانت هذه الإعلانات عنصرية وجنسية إلى حد كبير، ولم تقتصر على خيال الناس؛ بل انعكست في الواقع، حيث أبلغت نسبة كبيرة من النساء اللاتي سافرن عبر الكرة الأرضية للعيش مع أزواجهن الجدد، عن تعرضهن إلى العنف المنزلي.

نصب تذكاري مؤقت للضحايا الثماني للهجوم على ثلاثة نوادٍ صحية في أتلانتا- “نيويورك تايمز”

إرث قانون بيج

على الرغم من أنه لم يتم التعرف على النساء الست اللاتي قُتلن في إطلاق النار في النوادي الصحية في أتلانتا على أنهن من العاملات في الجنس؛ فإن النكات المروعة التي أُطلقت في وسائل التواصل الاجتماعي تردد بشكل مزعج صدى الافتراضات التمييزية لقانون بيج.
وبالنسبة
 إلى الضحايا، فقد وقع هذا العنف المميت عند تقاطع العرق والجنس والطبقة الاجتماعية؛ وهي العناصر الثلاثة الرئيسية التي كانت وراء قانون بيج الذي لا تزال تداعياته ملموسة حتى الآن.

اقرأ أيضًا: كراهية الأجانب أم “رهاب الفيروسات”؟

تقول جودي وو: “سواء أكانت النساء الآسيويات مرغوبات أم مكروهات أم كلا الأمرَين معاً، فهن يعانين سوء فهمهن، ولا يُسمح لهن بأن يكن بشراً بشكل كامل حتى في أحلامهن”.

♦كاتبة في “التايمز” تغطي الشؤون الثقافية والفنية

♦محررة وكاتبة في صحيفة “التايمز”

المصدر: صحيفة التايم

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة