الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف يستغل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية الجدل حول النبي في الهند؟

كيوبوست- ترجمات

أنيميش رول♦

أصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية -أحد أكثر الفروع الإقليمية صمودًا لتنظيم القاعدة، التنظيم الجهادي العابر للحدود الوطنية- تهديداتٍ عديدة بتنفيذ تفجيرات انتحارية، وغيرها من الهجمات المستهدفة في الهند، وذلك في أعقاب تصريحات مثيرة للجدل حول النبي محمد (ص) والقرآن الكريم، أدْلَى بها عضوان بارزان في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند. وقد أثارت هذه التصريحات، التي صدرت خلال مناظرةٍ تلفزيونية في أواخر مايو 2022، إدانات واسعة النطاق في المحافل المحلية والدولية، ما دفع حزب بهاراتيا جاناتا إلى تعليق عضويتهما لاحقًا. ومنذ ذلك الحين، سحب العضوان تعليقاتهما، واعتذرا عما بدر منهما.

الانتقام للنبي

على الرغم من الاعتذار الصريح لقادة حزب بهاراتيا جاناتا المطرودين، أصدر موقع “السحاب” الإعلامي الرسمي لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بيانًا في 6 يونيو 2022، بعنوان “ثكلتنا أمهاتنا […]” يهدِّد فيه بتنفيذ هجماتٍ انتقامية عنيفة ضد أي شخص يسيء للنبي محمد. وأشارت الرسالة كذلك إلى أن أعضاء الحزب القومي الهندوسي حزب بهاراتيا جاناتا سُيستهدفون في المدن الكبرى، مثل دلهي ومومباي، فضلًا على ولايتي أوتار براديش وجوجارات.

اقرأ أيضًا: تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية: بعد عودة طالبان

وفي محاولة واضحة لحشد المسلمين في الهند، وجّهت الجماعة الجهادية آلتها الدعائية لاستغلال الجو الديني المشحون. في الواقع، لدى تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية سجلًا من استغلال مثل هذه الحالات من أجل تحويل المسلمين الهنود للتطرف وتحريضهم. إن البيان الأخير الصادر عن التنظيم الإرهابي يناشد الجالية المسلمة (الأمة) التحلي بالصبر حتى تجلب غزوة الهند الأسطورية الموت والدمار للحكام الهنود، والانتصار النهائي للمسلمين في الهند. وذكر البيان بوضوح أن “قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم تعتصر ألمًا وتتقد بمشاعر الانتقام والقصاص”.

على مدى عقودٍ من الزمن، دفع تنظيم القاعدة بهذه الروايات للتأكيد على أنه “يدافع” عن الإسلام من التجديف. وبيّن ذلك بوضوح في يوليو 2021 من خلال الرسالة الصوتية والمصوّرة، بعنوان “جريمة لا تغتفر“، حول الإساءات الحقيقية أو المتصوَّرة ضد النبي. ونعت الرسالة متطرفين مثل محمد بوييري على هجومه المميت على المخرج الهولندي ثيو فان جوخ في نوفمبر 2004 وصوّرت مقتله كنموذج مثالي على الانتقام من التجديف في الدول الغربية. وذكّرت رسالة الفيديو أيضًا بالعنف المماثل الذي استهدف المتورطين في “التجديف”، مثل الهجوم على موظفي المجلة الفرنسية الساخرة “شارلي إبدو” بسبب الرسوم الكاريكاتورية للنبي، وأظهرت الرسالة الشماتة حول نجاح مثل هذه الهجمات في بثِّ الخوف في قلوب الأشخاص حتى لا يفكروا في الإقدام على الإساءة للنبي.

جدارية لهيئة تحرير مجلة شارلي إبدو الذين قضوا في 2015- وكالات

التحريض المستهدف

وكدأب تنظيم القاعدة المركزي دائمًا، يواصل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية تبرير العنف والقتل باعتبارهما يشكِّلان رادعًا ضد أي تعليقاتٍ مهينة ضد النبي. وجاءت دعوة تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية الأخيرة إلى العنف، جنبًا إلى جنب، مع دعوة الجماعات الإسلاموية الأخرى إلى الموت دفاعًا عن النبي. وفي 28 يونيو، قُتل خياط هندوسي، يُدعى كانهايا لال، في مدينة أودايبور في راجستان، وهو مؤيد صريح لنوبور شارما، سياسي في حزب بهاراتيا جاناتا. وفي الأسابيع التالية، في يوليو وأغسطس 2022، وقع المزيد من هذه الهجمات المستهدفة، وعمليات القتل في جميع أنحاء الهند، إما لدعم نوبور شارما على وسائل التواصل الاجتماعي أو لرفع الأصوات ضد شعارات مثل “sar tan se juda” (دعوة إلى القتل كعقاب على التجديف). ولا تزال التحقيقات جارية للتأكد مما إذا كانت أي فصائل جهادية، مثل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، قد أثرت بشكلٍ مباشر أو غير مباشر على هذه الأعمال.

ومع ذلك، يستخدم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية هذه الأحداث لحشد الدعم الشعبي وكسب الأتباع من خلال إثارة مشاعر المسلمين. ونتيجة لذلك، ازداد عدد التهديدات ضد سياسيي حزب بهاراتيا جاناتا ومؤيديهم، خاصة على قنوات التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و”واتساب” و”تويتر”. وقد سلّط أحدث عدد لمجلة ” Nawai-Ghazwat e-Hind” التابعة للتنظيم (مايو- يوليو 2022) الضوءَ على العديد من القضايا، بما في ذلك الجهاد المسلح في كشمير، ووقف الإساءات للنبي. كما حثّ المسلمين الهنود بوضوح على تقديم نوبور شارما إلى “العدالة”.

تظاهرة لأنصار حزب بهاراتيا جاناتا- وكالات

وإلى جانب الإنتاج الرسمي لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وجّهت العديد من القنوات الموالية لتنظيم القاعدة انتباهها نحو الهند، من خلال إصدار ملصقات وأناشيد تحرّض على الجهاد في الهند، في أعقاب الجدل الدائر حول النبي. على سبيل المثال، أنتجت مجموعة “النفير” الإعلامية الموالية لتنظيم القاعدة أغنية بعنوان “حان وقت الملحمة”، تدعو إلى الحرب في جميع أنحاء الهند ضد الهندوس “الظالمين”، وتحض إخوانهم المسلمين على تنفيذ هجماتٍ انتحارية.

وأصدر “مركز الترجمة الإسلامية”، وحدة لترجمة الدعاية الموالية لتنظيم القاعدة، مقطع فيديو في 5 يونيو 2022 يحثّ على قتل المسيئين للنبي. وتُرجمت رسالة الفيديو هذه إلى عدة لغات إقليمية (الهندية، والأردية، والبنغالية، والجوجوراتية) ووزِّعت عبر منصات مشاركة الرسائل مثل “روكيتشات” (RocketChat) وتلجرام و”شريبواير” (Chripwire). وشبّهت أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا الذين عُلِّقت عضويتهم بـ “ديدان الجحيم”، واختمت الرسالة بدعوة للبحث عن المسيئين للنبي وقتلهم. كما تضمن الفيديو، الذي تبلغ مدته أربع دقائق، والذي أُنتج على غرار الأفلام الوثائقية، صورًا واقتباساتٍ قديمة لأسامة بن لادن، والزعيمين المؤسسين لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، عاصم عمر وأستاذ أحمد فاروق. وفي 22 يونيو، أصدر “مركز الترجمة الإسلامية” رسالة خاصة أخرى بشأن الجدل الدائر حول النبي، مستهدفًا الأغلبية الهندوسية والسياسيين الذين يعتنقون عقيدة الهندوتفا في الهند.

اقرأ أيضًا: هل نجح الحزب الحاكم بالهند في احتواء أزمة التصريحات المسيئة؟

وأصدر تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، ودور الإعلام الموالية لتنظيم القاعدة بوجه عام، رسائل مماثلة خلال شهر رمضان من هذا العام، تحث المسلمين الهنود على حمل السلاح في مواجهة الفظائع والإهانات الهندوسية. كانت هذه الرسائل تهدف إلى تحريض السكان المسلمين الهنود من خلال إلقاء الضوء على ما تعتبره قمعًا وعنفًا في كشمير وأماكن أخرى في الهند، التي كانت، من وجهة نظر المتطرفين، تدفع الجالية المسلمة إلى حافة “الإبادة الجماعية”. كما يبرز الجدل حول النقاب في المدارس والكليات في ولاية كارناتاكا في رسائل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بغية تأجيج مشاعر الأقليات في الهند.

التطرف وإدراك التهديد  

الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يخيّم فيها تهديد تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية على أجواء المدن الهندية. ففي سبتمبر 2020، كشفت “وكالة التحقيقات الوطنية”، الوكالة الهندية الرئيسة لمكافحة الإرهاب، عن مؤامرة يُشتبه في أنها تابعة لتنظيم القاعدة لتنفيذ هجماتٍ في أماكن عدة في البنغال الغربية، ودلهي وكيرالا. وقد ألقت السلطات الهندية القبض على ما لا يقل عن 11 شخصًا، وزعيمهم الذي يُدعى مرشد حسن.

اقرأ أيضًا: مفتي الهند لـ”كيوبوست”: ما حدث من إساءة إلى الرسول موقف فردي لا يمثل الحكومة

إضافة إلى ذلك، أوضحت العديد من الأدبيات الدعائية لتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية ما يعتبره التنظيم أهدافًا مشروعة، فضلًا على استراتيجيات تحقيق الأهداف الجهادية، منذ إنشائه كأصغر فرع لتنظيم القاعدة في عام 2014. وأدرجت وثيقة “مدونة قواعد السلوك” في يونيو 2017 أهدافًا في دولٍ مختلفة في شبه القارة الهندية. ووضعت “التجديف” في باكستان، والجماعات الهندوسية اليمينية في الهند، كأهدافٍ بارزة.

ومع أن التنظيم لم ينجح إلى حدٍّ كبير في تنفيذ أي عمل عنيف في الهند حتى الآن، فإن الترويج بلا هوادة للجهاد العنيف في المنطقة، بهدف ترسيخ سيادة الشريعة، ربما أكسبه مؤيدين له في السنوات الأخيرة. كما أنه لا يزال يشكِّل تهديدًا كبيرًا في منطقة كشمير من خلال استمالة الفصائل الجهادية المحلية. وربما يكون قد طوّر أيضًا شبكاتٍ شعبية في البر الرئيس للهند يمكنها تنفيذ عمليات قتل أو تفجيرات مستهدفة على مدى السنوات المقبلة.

غير أن الأمر المثير للقلق أنه في مارس من هذا العام، ألقت قوات الأمن (شرطة ولاية آسام) القبض على خمسة من عناصر التنظيم لهم صلات بنغالية، كانوا يعملون داخل الهند ويجندون الشباب للجهاد، تحت ستار دروس اللغة العربية في مسجد داخيلابارا في منطقة باربيتا بولاية آسام. وتواصل وكالة التحقيقات الوطنية حاليًا التحقيق في القضية بحثًا عن أنشطة الشبكة داخل الأراضي الهندية. ولا يزال سجل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية في بنجلاديش المجاورة -حيث ألهم هجمات قاتلة ضد أفراد بارزين في الماضي- مصدر قلق لوكالات الأمن الهندية. ومرة أخرى في أغسطس 2022، اكتشفت الشرطة العديد من خلايا تنظيم القاعدة وخلايا تابعة لفريق “أنصار الله البنغالي” التابع له في بنجلاديش في منطقة دوبري في آسام.

وفي باكستان، نفّذ تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية هجومًا في أبريل 2015 عندما زُعم أن وحيد الرحمن، الأستاذ في جامعة كراتشي، قد قُتل بتهمة التجديف. وفي وقتٍ لاحق، أعلن زعيم التنظيم عاصم عمر مسؤوليته عن ذلك وهدد بقتل أي شخص يُسيء للنبي والقرآن. وهناك مخاوف مشروعة من أن يستخدم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية تكتيكاتٍ مماثلة لاستهداف مؤيدي الأحزاب السياسية اليمينية في الهند في أعقاب الجدل الدائر حول النبي.

تظاهرة لمسلمي الهند- وكالات

تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية بعد الظواهري

غالبا ما أثار زعيم تنظيم القاعدة المركزي أيمن الظواهري، الذي قُتل في غارة بطائرة بدون طيار في أفغانستان في 31 يوليو 2022، قضايا محلية مثل العنف ضد المسلمين في الهند، أو الجدل حول النقاب، أو قضايا التجديف لإثارة الحَمِيَّةَ الجهادية. وخلال حياته مختبئًا في كنف نظام طالبان في أفغانستان أو في ملاذات آمنة سريّة في باكستان، انتهز كل فرصة ممكنة لاستغلال المعاناة المتصوّرة للمسلمين في الهند لأغراضٍ دعائية، لإثارة الانقسامات الطائفية والعنف. ومع أن تنظيم القاعدة يواجه هزة عنيفة نتيجة لوفاة الظواهري، فإن فرعه الإقليمي في جنوب آسيا لن يتأثر كثيرًا؛ لأن التسلسل الهرمي للقيادة يبدو مستقرًا في الوقت الحالي. إذ ينشط المُنظِّرون والدعاة على وسائل التواصل الاجتماعي وأماكن أخرى، ويشنون ما يُسمى الجهاد “القاعدي” الطويل والسري.

التأثير المباشر لوفاة الظواهري على ضعفه وضآلته قد يقود إلى ترقية مُنظري تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية الأقوياء والمؤثرين الآخرين، مثل تميم العدناني (بنجلاديش)، الذين قد يثبتون أنهم أكثر فعالية في المناصب القيادية للتنظيم في المنطقة. الجدير بالذكر أن العدناني قد برز في تحريض وحض “الأمة” المسلمة عامة، والشباب المسلم البنغالي خاصة، على تحمّل “مسؤولياتهم” في الدفاع عن الإسلام ونبيه، عن طريق شن الجهاد المسلح تحت لواء تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية.

أيمن الظواهري- أرشيف

الخلاصة

من شأن الجدل الدائر حول النبي في الهند أن يعطي تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية فرصةً أخرى لاتهام الحكومة الهندية، التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، بانتهاج سياساتٍ وارتكاب فظائع ضد للمسلمين. كما أن تصريحات مسؤولي حزب بهاراتيا جاناتا في الهند، المسيئة للنبي محمد، وقضايا مثل كشمير والنقاب، تعطي التنظيم الفرصة لاستغلال مثل هذا الاضطهاد المتصوّر للمسلمين في الهند، ومن ثم استخدام هذه القضايا للتحريض ضد القوميين الهندوس. وبعد وفاة الظواهري، لن يتردد أبدًا تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، بقيادة زعيمه الحالي أسامة محمود، ومسؤول الدعاية تميم العدناني، في استغلال سياسات حزب بهاراتيا جاناتا التي يعتبرها الكثيرون تمييزية ضد المسلمين، لصالحه.

♦المدير التنفيذي لجمعية دراسات السلام والصراعات، مركز بحثي مقره نيودلهي. ومتخصص في مكافحة الإرهاب، والجماعات الإسلاموية المتطرفة، وتمويل الإرهاب، والنزاع المسلح والعنف في جنوب آسيا.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة