الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف يدرب الحزب الشيوعي الصيني السياسيين الأجانب؟

تصدير فكر شي جين بينع

كيوبوست- ترجمات

أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، في أوائل سبتمبر، أن الحزب الشيوعي الصيني قد التزم بالمهلة الزمنية التي حددها لنفسه؛ فقد تم القضاء على الفقر المدقع (حيث دخل الفرد أكثر بقليل من دولار واحد في اليوم) في الصين. وبطبيعة الحال فإن الحزب حريص على أن يخبر الآخرين بنجاحه في محاربة الفقر؛ فقد استضاف، في أكتوبر الماضي، ندوة على مدى يومَين كانت في معظمها عبر الإنترنت حول هذا الموضوع، حضرها نحو 400 شخص من أكثر من مئة دولة. ونقلت وسائل الإعلام الرسمية عن المشاركين عبارات الثناء على تقدم الصين. ولكن هذا التجمع لم يكن فقط رفع مستوى الفقراء؛ بل كان يهدف أيضاً إلى التباهي بالنموذج السياسي الصيني.

في دول الغرب سيطرت التغطية الإخبارية للدبلوماسية الصينية على مدى عدوانيتها في الفترة الماضية. وأطلقت على بعض الدبلوماسيين الصينيين تسمية “المحاربين الذئاب”؛ بسبب عادتهم في الزمجرة على منتقديهم من الأجانب (تشير التسمية إلى عنوان فيلم صيني شوفيني). وعلى النقيض من ذلك، يتحدث الدبلوماسيون الصينيون مع غير الغربيين بهدوء ولطف؛ فهم يحاضرون في فضائل شكل الحكم الذي يعتقدون أنه جعل من الصين دولة غنية وقادرة على أن تساعد الدول الأخرى أيضاً. وهنالك مَن يرحب بهذه الرسالة حتى في بعض الدول الديمقراطية متعددة الأحزاب. في مؤتمر مكافحة الفقر، نقل عن الأمين العام لحزب اليوبيل الحاكم في كينيا، رافايل توجو، قوله إن الحزب الشيوعي الصيني يجب أن يكون مثالاً يحتذى به.

اقرأ أيضًا: كيف تسلل الحزب الشيوعي الصيني إلى شركات بريطانية؟

في عام 2017، أثار الرئيس شي ضجة في الغرب عندما قال إن نموذج التنمية الصينية يشكل “خياراً جديداً” بالنسبة إلى دول أخرى، وإن “المقاربة الصينية” يمكنها أن تساعد في حل مشكلات الإنسانية. ومع أنه أكد لاحقاً أن بلاده لا تخطط لتصدير “النموذج الصيني”، فإن كثيراً من المسؤولين في الدولة كانوا يفعلون ذلك في الواقع، وبعض هؤلاء المنخرطين في هذا الجهد كانوا من موظفي وزارة الخارجية؛ ولكنّ كثيراً غيرهم، مثل الذين نظموا هذه الندوة حول الفقر، يعملون لصالح فرع من الحزب الشيوعي الصيني يُسمى القسم الدولي، وظيفته كسب التأييد للصين بين الأحزاب السياسية الأجنبية. وهذا القسم مناسب جداً للمهمة التي أوكلت إليه، فنظراً لأنه لا يمثل الدولة الصينية بشكل مباشر، فليس لديه دور يلعبه في السجالات الكلامية؛ ولكنه كجسم حزبي يتمتع بصلاحيات واسعة. وهو يعمل عن قرب مع وزارة الخارجية ويتبادل الموظفين معها.

وزارة الخارجية الصينية- وكالات

في أواخر عام 2017 عُقد مؤتمر في بكين انضم إليه قادة وأعضاء من أحزاب سياسية من 120 بلداً. بعض الوفود كانت من دول ديمقراطية غنية؛ مثل اليابان ونيوزيلندا والولايات المتحدة التي حضر منها أعضاء من الحزبَين الديمقراطي والجمهوري. ألقى الرئيس شي الكلمة الرئيسية، ووقع العديد من المشاركين على بيان “مبادرة بكين”، امتدحوا فيه الحزب الشيوعي الصيني والرئيس شي. والقسم الدولي ليس لديه تحفظات على نوع الأحزاب السياسية التي يتعامل معها، يقول ديفيد سامبو من جامعة واشنطن: “إنهم يتعاملون مع الأحزاب اليمينية، ومع الأحزاب اليسارية، وجميع من بينهما من الأحزاب الأخرى”.

اقرأ أيضاً: المؤسسات الصينية الخاصة ولعبة الترهيب

الصين وزعت كتاب الرئيس الصيني بعدة لغات- الصين بعيون عربية

في عهد الرئيس شي كان أحد الأنشطة الرئيسية للقسم الخارجي هو تنظيم دورات تدريبية للأحزاب السياسية الأجنبية؛ خصوصاً تلك الموجودة في دولٍ نامية. وهم لا يقولون في هذه الدورات صراحة إن الاستبداد هو أمر جيد؛ ولكن الغاية الواضحة من ورائها هي الترويج لفضائل القيادة المركزية القوية. في نوفمبر الماضي، زعم سونغ تاو، رئيس القسم الخارجي، في إحاطة إعلامية عبر الإنترنت لقادة أحزاب من 36 دولة في جنوب الصحراء الإفريقية، أن إنجازات حزبه في التنمية أثبتت حكمة الخطط الخمسية، وقال إن “النظام الصيني” يمكن أن يكون “مرجعاً” لمستمعيه، وإنه “فقط من خلال التمسك بقيادة الحزب، يمكن لهذه الخطط أن تبقى على المسار الصحيح”.

اقرأ أيضًا: ماذا علينا أن نفعل حيال الصين؟

أثناء الوباء، جرى تنفيذ الكثير من مهام القسم عبر الإنترنت، وغالباً ما كان يتم التركيز على إنجازات الصين في القضاء على “كوفيد-19” (والدرس هنا هو أن الإجراءات الصارمة تفيد)، كما تم استعراض كتاب السيد شي “حكم الصين” المؤلف من ثلاثة أجزاء. وفي الأشهر الأخيرة، حضر هذه الصفوف مسؤولون من الأحزاب الحاكمة في أنغولا وكونغو برازافيل وغانا وموزمبيق وبنما وفنزويلا. وغالباً ما تروج المواقع الإلكترونية الرسمية في الصين لهذه الجهود. وقد وصف أحد هذه المواقع احتفالاً بوضع حجر الأساس لمدرسة أيديولوجية ممولة من الصين في تنزانيا عام 2018؛ حيث حضره السيد سونغ رئيس القسم الخارجي في الحزب الشيوعي الصيني، ومسؤولون من الأحزاب الحاكمة في تنزانيا وجنوب إفريقيا وأنغولا وموزمبيق وناميبيا وزيمبابوي.

اقرأ أيضًا: الصين تتجه إلى غزو العالم ثقافياً وتجارياً

في دولٍ ديمقراطية مثل غانا وكينيا وجنوب إفريقيا، يقوم القسم برعاية رحلات إلى الصين لقيادات الأحزاب الحاكمة لدراسة بناء الأحزاب والحكم. وفي عام 2018 طلب الحزب الوطني الجديد، وهو الحزب الحاكم في غانا، الحصول على مثل هذا التدريب؛ “لتعزيز المهارات الأيديولوجية لأعضائه”، كما قال جوشوا إيسنمان، من جامعة نوتردام والخبير في نشاطات القسم في إفريقيا. كما أرسل حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي الحاكم سابقاً في غانا العشرات من موظفيه إلى الصين لتلقي مثل هذه التدريبات، كما افتتح أيضاً مدرسة للقيادة في غانا تستعمل مواد تعليمية من ابتكار الحزب الشيوعي الصيني.

الحزب الشيوعي الصيني يملك أذرعاً كثيرة- وكالات

من غير الواضح ما الذي يستفيده أعضاء الأحزاب الأجنبية من حلقات التدريب الصينية، قد لا تكون أكثر من مجرد وسيلة للارتقاء الوظيفي، أو تقديم طقوس التكريم لحكمة السيد شي للحصول على معاملة تفضيلية؛ فالصين هي مصدر قيِّم للقروض والاستثمارات في العديد من الدول النامية. هذه الندوات يمكن أن تكون حفلات صاخبة أو غفوات كئيبة أو كليهما. يقول أحد المصريين الذين حضروا العديد من هذه الدورات إنها لم تكن صارمة؛ بل كانت أشبه بإجازة “مدفوعة الأجر”.

يقول القسم الخارجي إنه على تواصل مع أكثر من 600 منظمة سياسية في أكثر من 160 بلداً، وقد تزايدت هذه الارتباطات خلال عهد الرئيس شي. وقد وجدت كريستين هاكينش وجوليا بادر، الكاتبتان في فصلية الدراسات الدولية، أن عدد الاجتماعات عالية المستوى بين الأحزاب قد ارتفع بأكثر من 50% بين عامَي 2012 و2017، حتى بلغ ما يزيد على 230 اجتماعاً سنوياً. وقد وصف مارتن هالا من مؤسسة “سينوبسيس” التي تراقب النشاطات الصينية في وسط أوروبا، هذا النشاط بأنه أشبه ما يكون بتشكيل “كومينتيرن جديد” في إشارة إلى الحركة الشيوعية الدولية القديمة بقيادة الاتحاد السوفييتي.

اقرأ أيضًا: تأملات في التحدي الصيني والحرب الباردة الثقافية

غير أن ثمة اختلافاً جوهرياً؛ فالصين لا تبشر بالشيوعية، وهدفها هو أن تثبت أنه يمكن للدول أن تزداد ثراءً دون أن تكون ديمقراطية، وتلقى هذه الرسالة آذاناً صاغية عند السياسيين الذين يرون أن ضوابط وتوازنات الديمقراطية مزعجة. في يونيو، توجه أحد قراء صحيفة “نيروبي” إلى السيد توجو، الأمين العام للحزب الحاكم في كينيا (وكبير مشجعي الصين في ندوة مكافحة الفقر التي عقدت في أكتوبر)، بالتشكيك في شغف حزبه بالحزب الشيوعي الصيني، فأجاب توجو بأنه لا يرى ضيراً في “التعلم من أكثر الأحزاب نجاحاً وأفضلها إدارة” في العالم.

المصدر: ذا إيكونوميست

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة