الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

كيف يبرر النظام الإيراني قمعه العابر للقارات؟

لا يتوانى النظام في طهران عن استغلال كل الأدوات المتاحة لديه من عمليات اغتيال أو طلبات تسليم أو تنمر سيبراني أو التضييق على السفر لقمع معارضيه

كيوبوست

مقدمة:

“يمتصون كل طاقتك.. المالية، العاطفية.. كل شيء وبكل وسيلة”؛ هكذا أخبرنا في فريدوم هاوس، أحد النشطاء الإيرانيين الذين قابلناهم خارج البلاد. تصريح الناشط هذا تعبير عن قسوة وفعالية الحملة المنظمة التي تشنها الجمهورية الإسلامية ضد المعارضين والمنفيين حول العالم؛ وهي الحملة التي تلقى دعماً كاملاً غير مشروط من كل أجنحة النظام، التي تتوحد في وجه ما تعتبره مصدراً متقلباً للخطر الخارجي.

ولا يتوانى النظام عن استغلال كل الأدوات المتاحة لديه لإنجاز ما يريد، سواء أكان ذلك: عمليات اغتيال أم طلبات تسليم أم عمليات ترحيل غير قانونية أم تنمر سيبراني أم التضييق على السفر والحركة. وقد أحصينا توظيف هذه الأدوات في تسعة بلدان في أوروبا؛ شمال أمريكا والشرق الأوسط. ويستغل النظام التخوف الدولي من مصطلح “إرهاب”، فيستخدمه في مطاردة الصحفيين والناشطين والمعارضين، وكذلك كي يغطي على توحش إجراءاته حيناً، أو هشاشتها قانونياً في أحيان أخرى.

اقرأ أيضًا: عملية فرار جريئة لأكاديمي مسجون في إيران إلى بريطانيا

تاريخ مزدحم من الاغتيالات

فور استقرارها في الحكم من بعد ثورة 1979، بدأت الجمهورية الإسلامية هجماتها المميتة ضد المعارضين والمنفيين في الخارج، الذين تزايدت أعدادهم خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي؛ نتيجة للقمع المتصاعد والحرب الطويلة مع العراق. وقد تشابكت حملة النظام ضد معارضيه مع حملة التفجيرات التي كان يشنها ضد أهداف أمريكية، وإسرائيلية، ويهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل وبلاد أخرى. وهي الحملة التي استثارت ردة فعل انتقامية أمريكية وإسرائيلية، استغلها النظام في دعايته الداخلية، من حيث تبرير قمعه على أنه نضال في سبيل حماية الأمن القومي الإيراني.

ومن بعد هدوء نسبي في تسعينيات القرن الماضي، واصل النظام الإسلامي تكتيكاته العنيفة في أوروبا وتركيا بالذات؛ فمنذ عام 2014، ارتبط النظام مع خمسة اغتيالات أو محاولات للاغتيال في ثلاث دول، كما تم إحباط محاولات اغتيال في بلدَين آخرين.

أحمد ملا نيسي

وعلى سبيل المثال، تعرَّض محمد رضا صمادي، وهو لاجئ يعيش في هولندا منذ عام 1981 إلى اغتيال خارج عتبة منزله. وفي 2017 تم اغتيال أحمد ملا نيسي، أحد زعماء “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”. أما في عام 2019 فقد أرسل النظام رسالة إلى مَن كان يعمل معه سابقاً، فقام باغتيال مسعود مولفي، وهو ضابط مخابرات سابق، هرب إلى الخارج وبدأ بتسريب معلومات عن أنشطة طهران، مصير مولفي كان في وضح النهار، حيث تم قتله بالرصاص في شوارع إسطنبول. ولم تتردد السلطات التركية في تحميل طهران المسؤولية؛ وهو ما وافق كذلك تقدير السلطات الأمريكية.

اقرأ أيضاً: إيران تعدم صحفياً معارضاً بدم بارد.. والمجتمع الدولي يندد بالخطوة

“تكتيكات يومية”.. حرب إلكترونية-  الاغتيال المعنوي- تهديد الأقارب

ولم تتوقف حملة الحكومة الإيرانية عند الاغتيالات وأعمال العنف فحسب؛ بل وظفت طهران جهوداً متواصلة من الضغوطات على نشطاء المعارضة والإعلام المستقل في الخارج، هذه الجهود تشكل حرباً نفسية وحياتية يومية تهدف إلى تقليل فاعلية الناشطين وضرب معنوياتهم على كل الأصعدة؛ بما في ذلك علاقاتهم الأسرية، أو كما يقول أحد النشطاء: “إنهم يخلقون حاجزاً بينك وبين عائلتك وأحبابك.. وهذا مؤثر للغاية”؛ فعلى سبيل المثال، تلقت مسيح علي نجاد، وهي صحفية معارضة مقيمة في نيويورك، تهديداً بالخطف، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أجبرت السلطات أختها على الظهور في التليفزيون الرسمي، وإعلان تبرؤ الأسرة منها، كما أن أخاها اعتُقل وتلقى عقوبة بالسجن ثمانية أعوام.

مسيح علي نجاد

ووصلت مضايقات النظام إلى الحد الذي دفع أربعة من مسؤولي الأمم المتحدة، في فبراير 2020، لإصدار بيان يسلط الضوء على استهداف طهران للصحفيين والإعلاميين في الخارج، وتضمن البيان تفاصيل توثق تهديدات مكتوبة بالموت تلقتها على سبيل المثال لا الحصر، الصحفية رنا رحيم بور، كما وثَّق البيان الأبعاد النفسية الشرسة التي تتصف بها حملات النظام؛ فقد تم تدشين عدد من المواقع والحسابات الإلكترونية المزيفة باسم الصحفيين والناشطين المعارضين، وكل هذا بهدف اغتيالهم معنوياً.

اقرأ أيضاً: تقرير جديدإيران تجرم المدافعين عن حقوق الإنسان وتخضعهم لمحاكمات جائرة

وتظهر خبرة النظام الإيراني في ملاحقة معارضيه، من خلال حملات التجسس الإلكترونية عالية التعقيد والتي يقوم بها بشكل دوري، وتذكر دراسة نشرها مركز كارنيغي لدراسات السلام الدولي: “أضحت الحرب الإلكترونية إحدى الأدوات المحورية لتنفيذ السياسات الإيرانية، وفي الغالب تغطي الهجمات على المجتمع المدني، هجمات أخرى على أهداف أكثر حساسية”. وعادةً ما يتعرض الإيرانيون في الخارج إلى محاولات إلكترونية متواصلة لتصيد بياناتهم؛ ففي مثال على ذلك تكرر كثيراً، يتلقى البعض رسائل بريد إلكترونية مزيفة تبدو وكأنها من إدارة الهجرة والجنسية في الولايات المتحدة، أو يتلقى البضع رسائل من منظمة حقوقية في إسبانيا، والهدف والمصدر الأصلي واحد في كل الحالات. ولخص لنا صحفي إيراني منفي في الخارج: “لا يمر يوم إلا ويمتلئ بريدي الإلكتروني بالرسائل المزيفة من النظام”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مروان البلوشي

باحث إماراتي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة إدنبرة.

مقالات ذات صلة