الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةملفات مميزة

كيف يؤثر صعود اليمين المتطرف في أوروبا على المسلمين؟

إيطاليا ودول أخرى شهدت صعودًا لتلك الحركات، فكيف سيكون تأثير ذلك؟

كيو بوست – 

لم يكن فوز اليمين المتطرف في الانتخابات العامة الإيطالية، التي عقدت في 4 مارس/آذار 2018، مفاجئًا لكثير من المراقبين؛ إذ يأتي استكمالًا لسيطرة التيارات المتطرفة على عدد من الحكومات الأوروبية، بما فيها اليونان والمجر وبولندا، إضافة إلى سيطرة جزئية في دول شمال أوروبا فنلندا والنرويج والسويد.

ويأتي هذا الفوز في أعقاب تزايد حدة المطالبات بإخراج اللاجئين والمهاجرين بالقوة من أوروبا، خصوصًا في ألمانيا واليونان، على إثر تواصل هجرات اللاجئين السوريين الهاربين من ويلات الحرب إلى مناطق أوروبية، وتزايد أعداد طالبي اللجوء من دول أفريقيا وآسيا الفقيرة، بالتزامن مع تراجع الأوضاع الاقتصادية في عدد من البلدان الأوروبية، وارتفاع نسب البطالة، خصوصًا في اليونان.

وسيترتب على فوز اليمين المتطرف في إيطاليا عدد من التبعات، أولها تشكيل الحكومة الإيطالية بقرار من تيارات اليمين، في ثالث أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيتبعه تداعيات داخلية وخارجية مهمة، فكيف سيؤثر ذلك على مسلمي أوروبا؟

يمين صاعد

في نهاية ديسمبر/كانون أول 2017، أعلن الرئيس سيرجيو ماتاريلا حل البرلمان الإيطالي. وعلى إثر ذلك، تقرر عقد الانتخابات البرلمانية في البلاد في 4 مارس/آذار 2018. وقد حملت نتائج تلك الانتخابات فوزًا لائتلاف (حزب الرابطة) اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني، المعادي للاتحاد الأوروبي وللمهاجرين، وحزب يمين الوسط (فورزا إيطاليا) بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني، إضافة إلى حزب (أخوة إيطاليا) بزعامة جيورجيا ميلوني. وقد حصل حزب الرابطة اليميني المتطرف على أعلى الأصوات داخل الائتلاف، فيما حصل الائتلاف على قرابة 37% من أصوات 50 مليون ناخب إيطالي.

وقد جاء هذا الفوز بعد أن حقق اليمين المتطرف أكثر من فوز داخل أوروبا، ودخوله في أكثر من منافسة شرسة دون أن يفوز في عدد من الدول من بينها فرنسا.

 

إيطاليا مرآة أوروبا الأحدث

سيطرت 3 قضايا رئيسة على الحملة الانتخابية لائتلاف اليمين المتطرف مع اليمين وسط في إيطاليا، ووجه الائتلاف من خلالها الانتقادات للحكومة السابقة بسبب “فشله في التصدي لها”، الأمر الذي شكل انعكاسًا للحراك السياسي في أوروبا في الوقت الراهن:

1 – الهجرة: كانت قضية الهجرة أحد القضايا الرئيسة التي ناقشها الائتلاف الفائز في حملته الانتخابية. وقد زعم القائمون على الائتلاف أن الحكومة السابقة فشلت في التصدي لتدفق المهاجرين عبر البحر المتوسط، وأنها لم تتبع إستراتيجية الإعادة القسرية للمهاجرين من أفريقيا عبر ليبيا ثم البحر.

واعتمد الائتلاف في حملته على اعتبار أن الهجرة هي “قنبلة جاهزة للانفجار”، معتبرًا أنها “غزو لإيطاليا”. ووعد الائتلاف خلال الحملة الانتخابية بترحيل قرابة 600 ألف مهاجر غير شرعي من البلاد، محملين الاتحاد الأوروبي مسؤولية عدم التعاون مع إيطاليا في التصدي للمهاجرين.

وتستقبل إيطاليا أكبر نسبة من المهاجرين نظرًا لقربها من السواحل الأفريقية، الأمر الذي يزعم قادة اليمين المتطرف أنه كان سببًا في تمزيق اقتصاد البلاد، ورفع معدلات الجريمة داخلها؛ إذ يقول اليمين إن 50% من جرائم القتل نفذت على أيدي المهاجرين، و40% من حوادث السرقة أيضًا.

يقول الناشط السياسي الإيطالي فاليريو غاتو بوناني إن “هناك شعورًا بعدم اليقين والخطر، لذلك فإن الكثير من اللوم يلقى على المهاجرين، لأنهم أضعف حلقة في المجتمع، ومن السهل إلقاء اللوم عليهم مما نتخوف”.

2 – الاتحاد الأوروبي: يبدو أن ائتلاف اليمين المتطرف هو أكبر المعادين لقضية البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، إذ ترى بقية الاتئلافات الحزبية المشاركة في الانتخابات ضرورة مراجعة سياسات الاتحاد الأوروبي، بما فيها القوانين المالية وقوانين المهاجرين داخل الاتحاد، بينما يرى اليمين المتطرف ضرورة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

يعتقد اليمين المتطرف أن قضيتي الهجرة والاتحاد الأوروبي مرتبطتان ببعضهما، ما يعني أن الحل الوحيد لعدم تعاون الأوروبيين مع إيطاليا في قضية المهاجرين، هو الخروج من الاتحاد الأوروبي والتحلل من سياساته واتفاقياته.

3 – الاقتصاد: يطرح اليمين خيار فرض ضريبة ثابتة على الدخل في إيطاليا، من أجل التعافي من أزمة منطقة اليورو الاقتصادية، التي بدأت منذ 2008.

 

كيف يمكن أن يؤثر ذلك على المسلمين؟

لم تتضح حتى الآن التبعات المباشرة لفوز الائتلاف اليميني على النظام السياسي في إيطاليا، وأوروبا بشكل عام، لكن مراقبين يشيرون إلى عدد من القضايا التي ستشهد قريبًا تأثرًا مباشرًا بنتائج الانتخابات.

وعلى رأس هذه النتائج، سيكون تأثر البلاد، بنزعة عنصرية شديدة، تجاه المسلمين واللاجئين، الذين يكن لهم حزب الرابطة كرهًا كبيرًا، الأمر الذي تجلى مؤخرًا بقيام أحد أعضاء الحزب بإطلاق النار على عدد من اللاجئين في شهر فبراير/شباط الماضي.

ومن المتوقع أن يشهد مسلمو إيطاليا مزيدًا من القوانين العنصرية التي تحاول التضييق عليهم خلال الفترة المقبلة، إذا ما نجح اليمين المتطرف بتشكيل الحكومة، خصوصًا إذا تحالف مع أحزاب ذات أيديولوجيات متقاربة فيما يتعلق بقضايا اللاجئين والاتحاد الأوروبي، وهو أمر يتوقعه عدد من المراقبين.

وكانت الرابطة قد عارضت ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية، إذ دفعت سلطات شمال إيطاليا إلى إقرار منع بناء المساجد في الإقليم، في شباط/فبراير 2015.

وقبل شهر من عقد الانتخابات الأخيرة، وعد زعيم حزب الرابطة سالفيني الناخبين بأنه سيغلق المراكز الإسلامية كافة داخل إيطاليا، في حال فوزه، متهمًا إياها بممارسة نشاطات “ممنوعة وغير قانونية”.

المهاجرون من أفريقيا سيجدون أنفسهم أمام معارضة مطلقة وإجراءات مشددة تمنع دخولهم إلى البلاد، في ظل الدعوات المتشددة التي يقدمها اليمين المتطرف لمنعهم من الوصول إلى الشواطئ الإيطالية، وإغلاق الحدود في وجههم. وينادي اليمينيون المتطرفون بإيطاليا بترك اللاجئين القادمين من أفريقيا في البحر الأبيض المتوسط، دون تقديم المساعدة لهم، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى غرق مزيد من المهاجرين في البحر.

وهكذا سيجد المسلمون المهاجرون إلى إيطاليا مزيدًا من القوانين التي تحارب وجودهم في إيطاليا بسبب إسلامهم وبسبب هجرتهم على حد سواء، وستكون فئة المهاجرين المسلمين هي الفئة الأكثر تعرضًا للاضطهاد والعنف “بشكل قانوني” عبر القوانين التي يسنها البرلمان.

 

هل يرتبط تقدم اليمين المتطرف الأوروبي بخطاب المهاجرين؟

يرى اليمين المتطرف الإيطالي –على غرار الأوروبي- أن هوية أوروبا مهددة من قبل اللاجئين، وبالغت حركات اليمين في “الخطر الثقافي” الذي يهدد أوروبا، ويهدد حياتها. كما فاقمت العمليات الإرهابية التي نفذتها تنظيمات إسلامية متطرفة في أوروبا من هذا الخطر، الأمر الذي شكل وقودًا لهذه الحركات من أجل كسب مزيد من الأصوات في صناديق الاقتراع، بحسب كثير من المراقبين.

ويرى هؤلاء أن تركيز الحركات اليمينية على خطر المهاجرين، وعلى خطر المسلمين، أسهم في استعادة أوروبا كثير من النزعات القومية والعنصرية تجاه الأجانب، وأحيى كثيرًا من المطالبات التي ماتت منذ زمن طويل، لدرجة أن أحزابًا نمساوية استعادت نعرات نازية في سبيل التصدي للمهاجرين.

ويرى مراقبون أن “الكارثة الأكبر” ستحدث إذا استطاعت الحكومة الجديدة في إيطاليا، بالتعاون مع اليمين الصاعد في أوروبا، التحول إلى سياسات أكثر عنفًا تجاه اللاجئين، واستهدافهم بشكل فيزيائي ومعنوي داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي سيكون من شأنه تعريض وجود المسلمين في القارة إلى الخطر.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة