الواجهة الرئيسيةترجماتمجتمع
كيف نفهم تطور المجتمع الأمريكي عبر أرشيف التعداد السكاني؟

كيوبوست – ترجمات
بينما يقوم الأمريكيون بملء استمارات التعداد السكاني هذا العام، فإنهم ربما لا يدركون أنهم في الوقت نفسه يقومون بتوجيه رسائل إلى الأجيال القادمة تتحدث عمن نحن وكيف عشنا في هذا التاريخ من عمر البلاد. وهكذا ستكون لدى الأجيال القادمة فرصة لمعرفة هذه الأشياء بالاطلاع على وثائق التعداد المعنونة بتاريخ (1 أبريل 2010).
ولعل الأمر البديهي الذي يعلمه الجميع أن بيانات التعداد ذات أهمية بالغة في صناعة القرار السياسي؛ بما في ذلك الأمور المتعلقة بالتمويل والتمثيل السياسي، لكنها ليست أقل أهمية بالنسبة إلى علماء الأنساب؛ فبيانات التعداد التي يتم تجميعها كل 10 سنوات تمثل بالنسبة إليهم حجر الأساس لفهم تاريخ الأُسر الأمريكية. يقول ريتش فينيزيا، عالم الأنساب المتخصص في دراسة تاريخ الهجرة في القرنَين التاسع عشر والعشرين: “إن التعداد السكاني مفتاح رئيس لفهم عديد من الأشياء، وهو مهم بشكل لا نبالغ إذا وصفناه بالتاريخ الموجز للأمريكيين”.
اقرأ أيضًا: لماذا ارتفعت نسبة الانتحار في الولايات المتحدة وانخفضت في أوروبا؟
وقد بدأ التعداد السكاني في الولايات المتحدة عام 1790؛ حيث تم تجميع كم ضخم من المعلومات عن الأُسر الأمريكية، بما فيها الإشارة إلى محل الميلاد والحالة الاجتماعية وبيانات عن المهاجرين والدخل الذي يتمتع به كل أسرة؛ وهي البيانات التي تحكي عنهم بشكل مفصل، وحينما أُتيحت تلك البيانات للاطلاع عليها من قِبَل الجماهير عام 1940، أصبح بإمكان الأمريكيين التعرف على تاريخ أسلافهم.

وهكذا تمكننا من اكتشاف حيواتهم في صور ثلاثية الأبعاد كما لو أننا استحضرناهم إلى الحياة مرة أخرى، وكم كان شَيِّقًا أن نتتبع كيف كان يتحرك هؤلاء الناس في الزمان والمكان، وهكذا تنشأ لدينا فكرة عما يمكن أن نسميه بـ”التاريخ الأمريكي” أو تجربة الأمريكيين عبر الزمن.
اقرأ أيضًا: مترجم: ما أكثر الاحتجاجات تأثيرًا في التاريخ؟
في الثاني من يونيو عام 1900، كان ديفيد هوني مان يتجوَّل في أحد شوارع نيويورك، وبالتحديد شارع لودلو، ومن ثَمَّ توقف أمام المبنى السكني رقم 165 في الجزء الجنوبي الشرقي من نيويورك، وبدأ في طرق أبواب الوحدات السكنية التي يزدحم بها المبنى، وكانت مهمته تتلخص في جمع البيانات الديموغرافية التي تجيب عن نحو 28 استفسارًا من كل عائلة على حدة.
اقرأ أيضًا: تعرّف إلى أكثر النساء إجرامًا وترويعًا على مر التاريخ
وهنالك كثير من الحكايات التي يمكن أن نعرفها عن التعدادات المبكرة في تلك التواريخ، لكنَّ شيئًا ما قد يدعو إلى الألم في تلك الوثائق؛ فقد اعتاد الموظفون الرسميون في ذلك الزمن على جمع أعداد المستعبدين في أمريكا من دون ذكر أسمائهم، وكانت تتم الإشارة إلى كل فرد منهم بنقطة على الورقة أو ما شابه ذلك.. وذلك ما يمكن أن نطالعه في التقارير التي أعدها موظف الإحصاء هوني مان، وفي التعدادات التي أُجريت عامَي 1850 و1860؛ حيث تم إعداد قوائم بالمستعبدين تشير إلى عمر وجنس كل شخص منهم دون الإشارة إلى اسمه. ولعله من المؤلم نفسيًّا مطالعة تلك الإحصائيات التي تعاملت مع هؤلاء باعتبارهم ملكيات أكثر من كونهم كائنات بشرية تتنفس وتعيش ولها حيواتها ووجودها الخاص.

ويوجد كثير من الأدوات التي يمكن استخدامها في التعدادات لتكوين صورة أشمل عن أمريكا؛ منها التصنيفات التي يتم إدراج الأُسر بناءً عليها والأسئلة الموجهة إلى كل أسرة على حدة. وللأسف، لم تتحرَّ التصنيفات التي تم إجرؤها في تلك التواريخ الطريقة المناسبة لاستخراج المعلومات الثمينة من رؤوس الناس. يمكننا الإشارة إلى تعداد عام 1880 على سبيل المثال؛ حيث كان يتم توجيه أسئلة من قبيل: هل بالأسرة أي فرد يتسم بالعته أو الجنون؟ وبالطبع لا يمكن تخيل أي شيء من الممكن أن نخرج به من سؤال من هذا النوع.
اقرأ أيضًا: المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية
وكانت هنالك أشياء مضللة في ما يخص تصنيف الأعراق والطوائف في أمريكا في تلك الحقبة؛ حيث كانت تتم الإشارة إلى بعض الفئات في التعدادات السكانية باستخدام مفاهيم قديمة الطراز، كثير منها كان يوحي بالتحقير ويدعو إلى الخجل، كما يمكننا أن نتذكر استخدام مصطلحٍ بعينه للإشارة إلى شخص يحمل تاريخُ عائلته جدًّا أو جدَّة من السود (ثُمن زنجي)، وكان يتم إجمال الآسيويين كافة بلفظة (هندي)، واللاتين بلفظة (مكسيكي)، وذلك بصرف النظر عن الأصل اللاتيني الدقيق لهذا الذي حصل على لقب مكسيكي، ويمكننا أن نجد التعريف الأخير في تعداد عام 1930؛ وهو الأمر الذي استمر حتى عام 1970.

وعلى الرغم مما أحاق بكثير من التعدادات من نقص؛ فإنها تمنحنا صورةً خاطفة عن حياة الأمريكيين في لحظة معينة من التاريخ. وبعيدًا عن المشكلات التي كانت تكتنف طريقة توجيه الأسئلة إلى الناس، إلا أن تلك الأسئلة نفسها تمنحنا فكرة عما كان يدور في رأس الحكام في تلك الأزمنة، وما الأشياء التي أرادوا أن يعرفوها عن شعوبهم ولماذا، وما الذي لم يشكل فارقًا مهمًّا في صناعة القرار السياسي آنذاك، فتجاهلوه. كما أنها تجعلنا قادرين على تخيُّل كيف كان سلوك الناس بعضهم مع بعض في هذه اللحظة أو تلك من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
المصدر: مجلة تايم