الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية

كيف نفهم المأساة اليمنية من خلال السلوك الإيراني؟

كيف عملت طهران على تفكيك اليمن من خلال جماعة الحوثي؟

ترجمة كيو بوست –

“اعتقد النظام في طهران أن السيطرة على اليمن تعني الوصول إلى أعلى احتياطي نفطي في العالم في مهد الحضارة الإسلامية، المملكة العربية السعودية”، هذا ما ذكره الأكاديمي الإيطالي ميتشيل بيلفر، رئيس تحرير مجلة “أوروبا الوسطى للدراسات الدولية والأمنية” الإيطالية.

دخل النظام الإيراني في صراع سياسي في اليمن معتبرًا إياه نقطة انطلاقٍ نحو ممارسة النفوذ على المملكة العربية السعودية، نظرًا لثروتها النفطية الهائلة، واحتوائها على أقدس المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة المنورة، مما أدى إلى تصاعد الأزمات في اليمن، من فوضى وإرهاب ومجاعة وأمراض وحرب مفتوحة.

ولذلك، وقفت السعودية والإمارات والبحرين ومجموعة من الحلفاء في وجه الميليشيا التابعة لإيران في اليمن، مجموعة الحوثي، بهدف منعها من الاستيلاء التام على البلاد، في الوقت الذي ظهر فيه خليط من الاتحادات القبلية والإقطاعيات المصغرة والمجموعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة.

أدى هذا التدخل الإيراني عبر ميليشيا الحوثي إلى تحويل اليمن إلى لغز مثل لعبة تركيب الصور. ففي كانون الأول/ديسمبر 2017، قُتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على أيدي المتمردين الحوثيين، بعد أن استنكر علنًا سياسات إيران وجماعة الحوثي، وتعهد بالعمل مع التحالف، ودفع حياته ثمنًا لذلك. وحينها، تحول اليمن من سيء إلى أسوأ.

تمكن الحوثيون عبر ممارسة التخويف واستعراض العضلات من استيعاب حفنة من القبائل التي كانت تدعم صالح في الماضي، مما أدى إلى تعزيز سيطرة الميليشيا الجغرافية على عدد من المناطق اليمنية، بما في ذلك سلسلة من الموانئ مثل ميناء الحديدة، وبمساعدة طهران.

وقد أصبحت هجمات الصواريخ البالستية الإيرانية ضد السعودية إستراتيجية جديدة لدى الحوثيين. وبالطبع، فإن الحرب على الحوثي ليست هي الديناميكية الوحيدة على المسرح؛ فقد عادت النزعة الانفصالية في جنوب اليمن إلى الواجهة، مما يهدد بقطع حلقة الاستقرار الأخيرة – عدن.

في أواخر نيسان/أبريل 2017، جرى إقالة محافظ محافظة عدن، عيدروس الزبيدي، من قبل الرئيس اليمني المعترف به في الأمم المتحدة، عبد ربه منصور هادي. وفي أعقاب اتهامه بالخيانة نتيجة لدعمه المفتوح لحركة الاستقلال الجنوبية، سرعان ما ابتعد الزبيدي عن السياسة الوطنية، ليركز على دعم ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي جرى تشكيله في مايو/أيار 2017. وقد أعلن هادي أن المجلس غير شرعي، ومنذ ذلك الحين، نشأ مأزق مزدوج متعرج في النزاع بين الحوثي والائتلاف من جهة، والنزاع بين الشمال والجنوب من جهة أخرى.

وفي الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير 2018، عاد الصراع بين الشمال والجنوب إلى الحياة من جديد، مع سيطرة الانفصاليين في “المجلس الانتقالي الجنوبي” على مقر الحكومة اليمنية في عدن، وانتشارهم في أجزاء واسعة من المدينة الساحلية الجنوبية، بما في ذلك القواعد العسكرية. وقد توقف تقدمهم نحو القصر الرئاسي بعد أن اشتبكوا مع القوات الموالية للحكومة، وأحاطوا بالمبنى، بينما كان رئيس الوزراء أحمد بن داغر ووزراؤه في الداخل.

وقد دعمت الإمارات العربية المتحدة تلك القوات ضد الحوثي. وفي ذلك الحين، جرى توجيه أسلحة بعض القوات اليمنية ضد الحكومة اليمنية الوطنية، وضد الوحدات العسكرية المدعومة من السعودية، مما أدى إلى حدوث بعض التوترات. ولحسن الحظ، كانت تلك المناوشات محدودة، وتمكنت الدبلوماسية المكوكية بين السعودية والإمارات من القضاء على تلك الحيلة، ودعتا كلًا من الجيش اليمني والانفصاليين الجنوبيين إلى تركيز طاقاتهم على محاربة المتمردين الحوثيين وإنهاء المواجهة في عدن.

بل وذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك، إذ أكد وزير خارجيتها أنور قرقاش على دعم الإمارات للتحالف العربي بقيادة السعودية، قائلًا إن “لا عزاء لأولئك الذين يسعون إلى التحريض بعد أن جرى قلب الأزمة عليهم”.

ومنذ ذلك الحين، ازدادت وتيرة هجمات ميليشيا الحوثي بدعم من إيران، إذ عملت طهران على تزويد الحوثيين بكميات ضخمة من الصواريخ البالستية المتطورة، في ظل انشغال المجتمع الدولي بمجموعة متنوعة من الأزمات الأخرى، مثل التوتر بين روسيا والمملكة المتحدة، والمغامرة التركية – الإيرانية في سوريا. لقد تحول اليمن بسرعة إلى ساحة إيرانية لمضايقة المملكة العربية السعودية، الأمر الذي يحتّم على قوات التحالف بذل قصارى جهدها لمواجهة المخطط الإيراني عبر الأراضي اليمنية.

إن انتهاء الصراع في اليمن ليس مسألة تخمين وإنما مسألة ارتباط وانخراط. وإذا غض المجتمع الدولي الطرف عن الجرائم التي ترتكبها ميليشيا الحوثي، وإذا لم يعزز الحكومة الشرعية والائتلاف، فستواصل البلاد دوامة الحرب المدمرة. وإن لم يتحرك العالم لوضع حد للممارسات الإيرانية، سيتآكل النسيج الوطني اليمني، وستصل موجة القبلية والطائفية والانفصالية إلى منعطف لا يمكن التراجع عنه.

 

المصدر: مجلة “أوروبا الوسطى للدراسات الدولية والأمنية” الإيطالية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة