الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
كيف نجحت ماكينة الدعاية الإيرانية بتغيير الوقائع وتضليل الغرب؟
استغلت إيران أدوات محترمة من العالم الغربي!

ترجمة كيو بوست عن مجلة فير أوبسيرفر
عام 1979، عندما كانت الثورة الإيرانية في مراحلها الأولى، كانت غالبية الجماعات البارزة إما علمانية أو يسارية، ومع ذلك، فقد استولت الفصائل الدينية في نهاية المطاف على السلطة، وأقامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويعود ذلك، إلى قدرتها التنظيمية والبراغماتية، والمساعدة الأجنبية.
كان النظام الإيراني وما يزال ديكتاتورية ثيوقراطية (دينية)، لذلك اتجه كما هو الحال في أية ديكتاتورية، إلى وضع إستراتيجية لإضفاء الشرعية على نظامه.
اقرأ أيضًا: هل يمكن مواجهة التمدّد الشيعي دون فهم قوة إيران الناعمة؟
في سبيل ذلك، اعتمد النظام على إستراتيجية تتكون من شقين؛ بداية، تصدير الثورة الدينية الأيديولوجية إلى البلدان ذات الغالبية الشيعية، خصوصًا إلى المناطق ذات الغالبية الشيعية في الدول السنية، بهدف إثارة الفوضى الطائفية. من ناحية أخرى، أنشأت إيران ماكينة إعلامية دفاعية موجهة نحو ما يسميه النظام “الغرب المعادي”، فالبربوغاندا الإعلامية الإيرانية الموجهة إلى الغرب لعبت دورًا هامًا في المساعدة على إضفاء الشرعية للنظام الديكتاتوري.
الحرس الثوري المحرك الأساسي لهذه الماكينة
المحرك الأساسي للدعاية الموجهة للغرب هو الحرس الثوري الإيراني، الذي يديره آية الله خامنئي وابنه مجتبى خامنئي. يقوم الحرس بتدريب الجنود المسلحين والأيديولوجيين، الذين يتلقون تعليمًا متطرفًا منذ سن مبكرة.
يقوم الآلاف من أعضاء الحرس الثوري الإيراني غير المقاتلين بشن حرب أيديولوجية إيرانية من خلال نشر المقالات والأوراق البحثية في وسائل الإعلام، وإنتاج الأفلام الوثائقية، ومؤخرًا، اعتمدوا على الاستخدام الذكي لوسائل التواصل الاجتماعي.
يشار إلى أعضاء الحرس الثوري الإيراني عادة بالجنود المجهولين للإمام المهدي، وكقوة سايبر، التي تعد جزءًا من منظمة الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني، المعروفة باسم الجيش السايبري الإيراني.
الأيديولوجية الإيرانية
على الرغم من أن الجمهورية الإسلامية كانت دائمًا نظامًا مدفوعًا بالأيديولوجية، إلا أن هذه الجهود ازدادت بشكل كبير عندما أصبح خامنئي القائد الأعلى عام 1989. قبل ذلك، أدرك الخميني -الذي أنشأ ولاية الفقيه- أنه من أجل ضمان تركيز كل القوى في يده، عليه أن يحقق أمرين، الأول: الولاء المطلق للزعيم الأعلى، ثانيًا: تعزيز التلقين الأيديولوجي من أجل توسيع نفوذه في الخارج.
اقرأ أيضًا: مؤسسة أمريكية تكشف معلومات صادمة حول وكلاء إيران في المنطقة العربية
في التسعينيات، قام آية الله خامنئي باستثمار مليارات الدولارات في المراكز الأيديولوجية من أجل تعزيز قوته، وأصبحت هذه السياسة جزءًا هامًا في كل المؤسسات الحكومية الإيرانية، فهناك الكثير من المراكز الفكرية التي تمولها الحكومة، جنبًا إلى جنب مع المراكز التي يديرها مباشرة المرشد الأعلى وابنه. وعلى الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها إيران حاليًا نتيجة للعقوبات الأمريكية، إلا أن جزءًا مهمًا من ميزانية الدولة يذهب لهذه المؤسسات.
مركز روزبة التعليمي
أنشأه خامنئي عام 1989، وهو واحد من المراكز الفكرية المسؤولة عن تقديم التدريب الأيديولوجي للكثير من المسؤولين الحكوميين، لا سيما قوات الأمن والحرس الثوري الإيراني، وكذلك لأسرهم. لدى المركز فروع في عدد من المدن وسط إيران وشماليها وشرقيها.
أنشئ هذا المركز في البداية لتعليم الأطفال الصغار خارج نطاق اختصاص وزارة التربية والتعليم، لكن، أصبح الآن يقدم دورات تعليمية تصل حتى مستوى الدراسات العليا. ويعمل المركز بشكل وثيق مع الإلياذة الدولية، المسؤولة بشكل مباشر عن نشر الطلاب الإيرانيين للدراسة في دول أجنبية، كأستراليا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة وماليزيا والمملكة المتحدة.
مركز روزبة هو أحد أكثر المؤسسات الإيرانية الفكرية فعالية، إذ يعمل بلا كلل لإضفاء الشرعية على آية الله خامنئي كقائد للثورة، والترويج لأهمية دوره في العالم الإسلامي.
استطلاعات الرأي
لفهم تأثير هذه المؤسسات الأيديولوجية، على سبيل المثال، يقوم مركز الدراسات الدولية في جامعة ماريلاند الأمريكية بتقديم الكثير من تقارير استطلاعات الرأي التي باتت شائعة جدًا في صفوف الأكاديميين ووسائل الإعلام والسياسيين الغربيين، والتي نشر معظمها تحت اسم الدكتور “إبراهيم محسني”. يُعتقد أن محسني يعمل مع الحرس الثوري الإيراني، إذ غالبًا ما يُلقي محاضرات عن قوة الباسيج في الجامعات الإيرانية، وكثيرًا ما يقتبس منها على وسائل الإعلام المدعومة من الحرس الثوري.
اقرأ أيضًا: دراسة جديدة: هكذا تحرك إيران وكلاءها في المنطقة العربية
في السياق ذاته، ساعد مجتبى خامنئي، في عام 2009، كلًا من الدكتور محسني والبروفيسور محمد ماراندي على تأسيس مركز جامعة طهران لأبحاث الرأي العام الذي يرأسه ماراندي. ويخضع المركز لمراقبة وزارة الخارجية الإيرانية، وكثيرًا ما يظهر ماراندي في وسائل الإعلام المعروفة كـ”بي بي سي” والجزيرة، ولكن ما لا تعرفه هذه المنظمات الإعلامية أو لا تذكره، أن ابن الدكتور ماراندي هو رئيس الفريق الطبي الخاص لآية الله خامنئي. كما يلعب ماراندي دورًا هامًا في التلقين والترويج للحرس الثوري الإيراني.
تهدف استطلاعات الرأي التي تنشرها هذه المراكز إلى ضمان تشكيل الرأي العام في الغرب، بتحسين صورة الحرس الثوري الإيراني، وقاسم سليماني، وإظهار أن آية الله خامنئي يمثل إرادة الإيرانيين، وأن إيران بلد حر وديمقراطي.
الحقيقة المغايرة
في السياق ذاته، كرس “معهد استطلاع إيران” جهودًا كبيرة لنشر استطلاعات رأي كمنتج عن جامعة ماريلاند، لكنها في الحقيقة نتاج “استطلاع إيران”. يحظى المعهد بحرية كبيرة من الحكومة لإجراء أبحاثه، متجاوزًا بذلك المنظمات الأخرى. تشير غالبية مواقع وسائل الإعلام المحلية على شبكة الإنترنت إلى أن لديها واحدًا أو أكثر من الاستطلاعات التي تذكر المعهد كمرجع، ما يوضح احتكار المعهد للإعلام عندما يتعلق الأمر بإيران. كما يظهر المعهد حقيقة مغايرة لما هو الواقع في طهران.
تشير أحدث استطلاعات المعهد إلى أن الغالبية الكبرى من الإيرانيين يؤيدون موقف المرشد الأعلى، ويعتقدون أن إيران دولة ديمقراطية وحرة، كما يرغبون في أن تكون بلادهم قوة نووية، وأن 90% منهم يعتقدون أن انتخابات بلادهم عادلة وديمقراطية. من ناحية أخرى، تشير استطلاعات المعهد إلى أن الإيرانيين يتغاضون عن دور بلادهم في الأزمة السورية، وسياساتها التوسعية في المنطقة.
كما تزعم استطلاعات الرأي أن 68% يعتقدون أنه يجب معاقبة من يرددون شعارات ضد النظام السياسي خلال الاحتجاجات الشعبية التي بدأت نهاية 2017، وبأن 93% يرون أنه يجب معاقبة من أحرقوا العلم الإيراني بقسوة.
اقرأ أيضًا: تركيا وإيران: الاستعمار الجديد في الوطن العربي!
تعمل مؤسسات استطلاعات الرأي التي جرى ذكرها كمروج للحكومة، من خلال إظهار أن الشعب الإيراني يقدم دعمه للحكومة، على عكس الحقيقة، كما تعمل إلى جانب تبريرات النظام الديكتاتوري للاعتقالات الجماعية والتعذيب وعمليات القتل.
استغل الجنود الأيديولوجيون أداة غربية محترمة كاستطلاعات الرأي، وكيان جامعة غربية، للترويج بأن آية الله خامنئي هو الممثل الحقيقي للإرادة الديمقراطية الإيرانية.
في المقابل، لم تظهر أي من هذه التقارير انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، كاستخدام الجنود الأطفال الذي وثقته منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها عام 2017، واستخدام المعهد الجمهوري الدولي للأطفال الأفغان للقتال ضد الجماعات السورية المعارضة.
طريقة لإضفاء الشرعية على النظام الديكتاتوري
ازدادت حدة الجهود التي يقوم بها خامنئي من خلال هذه المنظمات ونشر المزيد من جنوده في الغرب، بسبب التحديقات التي يواجهها في الداخل، إذ فقد النظام شرعيته الأيديولوجية والسياسية بين الإيرانيين، خصوصًا الجيل الشاب، مما دفعه لإقامة نظام دفاعي في الغرب من خلال تضليل الرأي العام.
على ما يبدو، نجحت خطة النظام الإيراني، وهذا ما تبين في التغطية الغربية السيئة للاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، إذ قام الجنود الإيرانيون بنشر الكثير من التقارير التي منعت الدول الغربية أو المنظمات أو الأفراد من دعم الجهود الشعبية من أجل التغيير، عن طريق نشر الخوف من أن دعم الاحتجاجات قد يؤدي إلى حدوث حرب مباشرة مع إيران.
المصدر: Fair Observer
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا