الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةشؤون دولية
كيف كانت النظافة الشخصية في روما القديمة؟

كيوبوست- ترجمات
اشتهر الرومان بحماماتهم، وأعطوا لها مساحات كبيرة في مدنهم، وبنوها في الساحات العامة. وبذلك كان سكان روما أول من استثمر أجزاء كبيرة من موارد الدولة في مشاريع الصرف الصحي العام، وأول من ساوى بين النظافة والحضارة. ولكن هل كانت الحمامات العامة فعالة في الحفاظ على نظافة الناس؟ وكيف كانت النظافة في روما القديمة؟
تكونت الحمامات الرومانية من قسمين، الأول يشبه ما يعرف اليوم بالساونا، وقد أطلق عليه الرومان تسمية “ثيرماي” وهي اشتقاق لكلمة “ثيرموس” اليونانية وتعني الساخن. أما القسم الثاني فعرف باسم “بالنياي” وهو مكان الاستحمام الفعلي. وحوت كل المدن الرومانية الرئيسية حماماً عاماً واحداً على الأقل، وامتلك الأثرياء حماماتهم الخاصة في قصورهم.
اقرأ أيضاً: الهندسة المدنية الرومانية.. دروس للعالم الحديث
وعلى الرغم من انتشارها الواسع، لم تخلق بالضرورة هذه الحمامات مجتمعاً نظيفاً، فتغيير مياه الاستحمام يتم مرة واحدة في اليوم في الغالب، وبذلك تحولت الحمامات إلى مخزن للبكتيريا مع تقدم ساعات اليوم. وما زاد الطين بلة، هو أن الأطباء الرومان كثيراً ما كانوا ينصحون مرضاهم بقضاء أوقات طويلة في الماء الساخن وغرف البخار كعلاج للعديد من الأمراض، وبذلك نشروا العدوى في الحمامات العامة المحلية. علاوة على ذلك استخدم الرومان أدوات كاشطة لتنظيف بشرتهم، وهي ممارسة تنشر البكتيريا والجراثيم بشكلٍ أكبر. ويمكن القول إن هوس الرومان بالاستحمام كان مؤشراً على التقدم الاجتماعي، ولكن الحمامات العامة كانت عقبة في سبيل النظافة العامة.

وقد انعكس هذا التناقض في مجالاتٍ أخرى أيضاً. كان الرومان من أوائل الحضارات التي بنت مراحيض عامة في مدنها، وجهزت هذه المراحيض بمقاعد من الخشب أو الحجر يجلس عليها الناس وتمر من تحتها مياه جارية لتجرف الأوساخ إلى نظام الصرف الصحي. ومع أن هذا النظام يشبه إلى حد ما أنظمة الصرف الصحي الحديثة، فإن معظم المنازل لم تكن متصلة به. وكان الناس يجمعون القذارة في أوعية ويتخلصون منها في الأزقة الجانبية، وهي ممارسة شائعة في جميع أنحاء أوروبا حتى القرن التاسع عشر.
وأسوأ ما في المراحيض العامة كان أداة تدعى “تيرسوريوم” استخدمها الرومان لتنظيف أنفسهم، وهي عبارة عن عصا صغيرة ثبتت عليها قطعة إسفنج بحري، يستخدمها زوار المراحيض العامة واحداً بعد الآخر بعد غسلها في دلو مملوء بالماء والملح أو الخل، وهذه ممارسة غير صحية على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: فبراير.. الشهر غير المحظوظ لدى الرومان
لم تقتصر نواحي الحياة الرومانية غير الصحية على مشاكل الصرف الصحي، فقد عانت روما والمدن الرومانية الأخرى مشكلة تراكم نفايات المنازل وبقايا الطعام في شوارعها وأزقتها إلى درجة أنه كان يتعين في بعض الأحيان وضع حجارة كمنصات عبور، يسير عليها الناس بين برك المياه الآسنة.
وبطبيعة الحال أدَّى ذلك إلى انتشار الحشرات والقوارض التي نشرت الأمراض والأوبئة. فكما هي الحال في معظم المجتمعات الأوروبية، تفشى الملاريا والطاعون والجدري في مدن الإمبراطورية. حيث قتل الطاعون بين عامي 165 و180 ميلادية ما بين خمسة وعشرة ملايين من الرعايا الرومان، أي ما يعادل 10-15% من سكان الإمبراطورية في ذلك الوقت.

وفي المقابل، كانت إحدى المزايا المهمة التي تمتعت بها المدن الرومانية هي شبكات الإمداد بالمياه العذبة. حيث انتشرت القنوات والأقواس الكبيرة والأنابيب التي تحمل المياه من الأنهار إلى المدن والبلدات. وبدون هذه الشبكات كانت النظافة في جميع أنحاء الإمبراطورية ستبدو أسوأ بكثير. وبفضلها تمكن الرومان من تنظيف أنفسهم بشكلٍ أفضل، وبناء شبكات صرف صحي في مدن، مثل روما وأنطاكيا والإسكندرية التي كان يقطنها مئات الآلاف من السكان. بينما لم تتفوق شبكات المياه في مدن مثل لندن وباريس وأمستردام على الشبكات الرومانية حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. لذلك يمكن القول إن الرومان ربما أخطأوا في العديد من الممارسات المتعلقة بنظافتهم، ولكنهم نجحوا في الكثير منها أيضاً.
المصدر: هيستوري ديفايند