الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة

كيف كانت الملكة فيكتوريا أماً؟

كيوبوست- ترجمات

لورين هوبارد

نشرت مجلة “تاون آند كنتري” الاجتماعية، مقالة مصورة تستعرض الجانب الاجتماعي والإنساني من حياة الملكة فيكتوريا، التي حكمت بريطانيا العظمى وأيرلندا منذ عام  1837وحتى وفاتها عام 1876. وقالت المجلة إنه في القرن الذي أعقب وفاتها، نما سحر الملكة فيكتوريا أكثر. وبينما اشتهرت الملكة الأيقونية بالعديد من الأشياء، ربما كان أحد أكثر أدوارها إثارة للجدل هو دور الأم.

وبصفتها شخصية محورية في واحدة من أعظم قصص الحب -والتراجيديا- في عصرها، والتي أصبحت بعدها أشهر أم عزباء في العالم؛ فقد قيل الكثير عن سمعة فيكتوريا كأم. وتكهن بعض المؤرخين بأن علاقتها بأطفالها كان يشوبها عدم الاندماج والاستياء بل وحتى الاشمئزاز، بينما زعم آخرون أن الوقت والتحريف وصراحة فيكتوريا نفسها قد رسمت صورة غير واقعية لمَن يطلق عليها جدة أوروبا.

اقرأ أيضاً: ماري بيرد: دراسة العالم القديم تعلمنا كيف نفهم أنفسنا

لكن كيف كانت فيكتوريا كأم حقاً؟ فعلى الرغم من أن الملكة الشابة نُقل عنها قولها إنها كانت تعاني “رعباً رهيباً من إنجاب الأطفال، وأنها تفضل عدم الإنجاب”؛ فإن الأميرة فيكتوريا، المعروفة باسم فيكي، ولدت بعد أكثر من تسعة أشهر بقليل من زفاف الملكة فيكتوريا بألبرت في عام 1840.

فيكتوريا والحمل

وتسرد المجلة قصة الملكة الإنجليزية من بعد زواجها وعلى مدى السنوات الـ17 التالية؛ حيث أنجبت الملكة فيكتوريا تسعة أطفال، هم: فيكتوريا، وألبرت “بيرتي”، وأليس، وألفريد، وهيلينا، ولويز، وآرثر، وليوبولد، وبياتريس. ومن اللافت للنظر في ذلك الوقت أن جميع الأطفال عاشوا حتى سن البلوغ.

الملكة فيكتوريا وزوجها ألبرت بعد 5 سنوات من الزواج- “راديو تايمز”

ومن المؤكد أنها عانت، ليس فقط الآثار الجسدية للإنجاب؛ ولكن أيضاً الآثار النفسية. وأشارت إلى ما يمكن أن يعرفه العصر الحديث بأنه اكتئاب ما بعد الولادة بعد عدة ولادات، وحذَّرت ابنتها، قائلةً: “الضعف والميل إلى البكاء، هذا ما تعانيه كل سيدة بشكل متفاوت، وهذا ما عانيته بشكل رهيب خلال ولادتي الأولى”.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن أكثر الاضطرابات العقلية شيوعاً في العالم؟

وفي الواقع، بعد ولادة طفلها الثاني “بيرتي”، أبلغت الملكة عن هلوسة تعتريها وخشيت أن تفقد عقلها، حسب ما جاء في المقالة. وفي السنوات اللاحقة، كانت تشير إلى الحمل والأمومة على أنهما “حالة تعيسة” و”جانب الظل” من الحياة. كما انتقدت بشدة الرضاعة الطبيعية، معتبرةً إياها “دماراً” للشابات الذكيات؛ لدرجة أنها كتبت في مذكراتها عندما اكتشفت أن بناتها قد اخترن الرضاعة الطبيعية: “الأمر يشعرني بالرعب أن بناتي تحولن إلى أبقار”.

تربية الأطفال الملكيين 

وبلا شك كانت الملكة مغرمة بأطفالها، على الرغم من أن انخراطها معهم كان أقل بكثير مما كان متوقعاً من أم عصرية. فبينما أشرفت بسعادة على استحمام فيكي ووضعها في الفراش، وبدرجة أقل مع بيرتي (الملك المستقبلي إدوارد السابع)؛ إلا أنه مع نمو عائلتها، قضت وقتاً أقل في الإشراف المباشر على رعاية أطفالها، واعترفت في رسائل لاحقة إلى فيكي بأنها كانت تتفقد أحوالهم بشكل مباشر مرة كل ثلاثة أشهر.

سكيتش للأميرة فيكتوريا رسمتها والدتها الملكة- مجلة “تاون آند كونتري”

وقد كتب ألبرت إلى فيكتوريا بشأن تربيتها: “تكمن جذور المشكلة في الفكرة الخاطئة بأن وظيفة الأم هي أن تقوم دائماً بتصحيح، وتوبيخ، وإعطاء الأوامر لأطفالها بشأن تنظيم أنشطتهم. فلا يمكن أن تكوني على علاقة ودية وسعيدة مع الأشخاص الذين قمتِ بتوبيخهم للتو”.

اقرأ أيضاً: النساء أفضل من الرجال في قراءة الأفكار

ومع ذلك، فإن مشاركة ألبرت في تربية أطفاله كانت ملحوظة في كثير من الأحيان؛ فهو لم يكن فقط حاضراً أثناء ولادتهم جميعاً، وهو ما يُعد أمراً غريباً في هذه الفترة، بل إنه لعب أيضاً دوراً نشطاً في ملبسهم، ورعايتهم، وتعليمهم. وقد طلب 7 ساعات من الدراسة الصارمة؛ سبعة أيام في الأسبوع لأبنائه.

فيكتوريا وفيكي

وحول علاقة الملكة فيكتوريا بأول أبنائها، أكدت المجلة أن فيكي كانت تُعتبر إلى حد كبير الطفلة المفضلة لألبرت؛ لكن لا شك في أن الأميرة الملكية احتلت مكانة خاصة في قلوب كلا والدَيها، فقد ولدت فيكي مبكراً عن موعدها بثلاثة أسابيع، وتسبب سوء حالتها الصحية عندما كانت طفلة في حدوث أول احتكاك كبير بين الزوجَين؛ حيث اختلفا حول أفضل طريقة لرعايتها.

الأميرة الملكية فيكتوريا الابنة الأولى للملكة فيكتوريا والأمير ألبرت- مجلة “تاون آند كونتري”

وعلى الرغم من بدايتها الضعيفة وخيبة الأمل العامة لأنها فشلت في أن تكون وريثة ذكر (فقد قالت فيكتوريا بعد ولادة فيكي “لا تقلق، الطفل التالي سيكون أميراً”). وكبرت فيكي لتصبح طفلة قوية وذكية، وساعدها ألبرت الذي لعب دوراً نشطاً للغاية في تعليمها، وحرص على أن تتقن الإنجليزية والألمانية والفرنسية في سن الثالثة.

وربما بدت الملكة في بعض النواحي غيورة من شغف ألبرت بفيكي (حيث أشاد بها على أنها “ذكية للغاية وقوية الملاحظة”، حتى إنه أمر بتزيين بروش لأمها بإحدى أسنانها اللبنية)؛ إلا أن طفلة فيكتوريا الكبرى ظلت واحدة من أقرب المقربين لها طوال حياتها. وقد توفيت الاثنتان في العام نفسه؛ حيث عاشت فيكي أكثر بقليل من 6 أشهر بعد وفاة والدتها.

صورة ملونة حديثاً للأمير إدوارد المعروف باسم بيرتي ابن الملكة فيكتوريا ولاحقاً الملك إدوارد السابع- “ديلي ميل”

وسواء أرادت الملكة فيكتوريا أطفالاً أم لا، لم يكن هناك شك قط في أنها ستكون ملزمة بإنجاب الأطفال؛ نظراً إلى أن وجود وريث ذكر يشكل أهمية كبرى. ومع ذلك، لم يكن بيرتي بالضبط الوريث الذي تصوَّره والداه؛ فقد ورث عناد والدته وكان أبعد ما يكون عن الأكاديمي المنطقي الذي أمل ألبرت في تربيته ليصبح ملك إنجلترا المستقبلي. وفي الواقع، لم يدرك بيرتي حتى بلغ سن العاشرة أنه هو مَن سيرث العرش، وليس شقيقته المحبوبة والأكثر ذكاءً.

كما اشتكت والدته من “خموله وكسله الدائمَين”، اللذين اعتبرتهما “كافيين ليُفطر قلب المرء”. وبعد فترة وجيزة في الكلية، أمضى بيرتي بعض الوقت في التدريب العسكري بنتائج متواضعة؛ الأمر الذي أثار استياء والدَيه. لكن خيبة الأمل الحقيقية سوف تأتي في صورة ممثلة تُدعى نيلي كليفدن، والتي خاض معها مغازلة قصيرة (الأولى من بين العديد من علاقات الحب الفاضحة التي ستحدث في حياة الملك المستقبلي).

لوحة تصور لعبة الورق والأمير بيرتي جالس أمام النار.. وكان شغفه بالمقامرة من السلوكيات التي أغضبت الملكة- “ديلي ميل”

وعلى الرغم من أن الملكة فيكتوريا استمرت في رؤية بيرتي بقية حياتها وسمحت له بتمثيلها في المناسبات الرسمية في سنواتها الأخيرة؛ فإنها لم تسامحه حقاً، ولم يُسمح له بأية سلطة أو مركز سياسي حتى أصبح ملكاً بعد وفاة والدته، أي بعد أن أمضى 59 عاماً كولي للعهد.

فيكتوريا وبياتريس

أما العلاقة مع الابنة الصغرى، فتقول المجلة إنه إذا كانت فيكي هي المفضلة لألبرت، فإن بياتريس كانت المفضلة لفيكتوريا؛ فهي الأصغر بين أطفالهما، وكانت جميلة ومبكرة النضوج. لكن بعد وفاة ألبرت، أصبحت بياتريس مَن ينصب عليها تركيز فيكتوريا؛ حيث كانت تشغل اهتمامها، لكنها كانت تطالب أيضاً بكل وقتها. وحسب ما ورد، أخبرت فيكتوريا أحد أزواج بناتها، قائلةً: “طبيعتي تتطلب أن أكون محبوبة، وقد فقدت تقريباً كل الذين أحبوني كثيراً”.

اقرأ أيضاً: كيف تغلبت قصة حب الأمير فيليب والملكة إليزابيث على كل الصعاب التاريخية؟

وحتى في العائلة الملكية، كان من المتوقع أن تتمسك الابنة الصغرى بتقاليد ذلك الوقت وتتخلى عن الزواج لتقضي حياتها في رعاية ورفقة والدَيها. وبحلول الوقت الذي بلغت فيه بياتريس سن الرشد، خشيت فيكتوريا كثيراً من فكرة ترك ابنتها لها، لدرجة أنها منعت ذكر حفلات الزفاف في حضور بياتريس، وأصبحت الأميرة الشابة منطوية ومعزولة بشكل متزايد.

وعندما وقعت بياتريس في حب الأمير هنري، الابن الثالث لألكسندر باتنبرغ، كان ذلك بمثابة صدمة للملكة. والتقى الزوجان في حفل زفاف إحدى بنات أخت فيكتوريا، وتمت خطبتهما بسرعة، ودون طلب إذن مسبق من الملكة. واعتبرت فيكتوريا الأمر برمته خدعة كبرى. ووفقاً لبياتريس، لم تتحدث الملكة مع ابنتها الصغرى من مايو عام 1884 عندما تم الإعلان عن الخطبة، وحتى نوفمبر من ذلك العام.

سمعة فيكتوريا كأم سيئة

ومن المعروف أن الملكة فيكتوريا كانت كاتبة غزيرة الإنتاج من الرسائل واليوميات -ويقال إنها كانت تكتب أكثر من 2500 كلمة يومياً طوال حياتها كبالغة- والعديد من مشاعر الملكة السيئة حول الأمومة كانت تأتي مباشرة من كتابتها.

اقرأ أيضاً: كيف استخدمت النساء الإغراء الجنسي لكسب نفوذ سياسي ومنزلة اجتماعية؟

وغالباً ما يشير النقاد إلى عاطفة فيكتوريا تجاه ألبرت، وحزنها على فشل أبنائهما في مواساتها في غيابه؛ حيث كتبت عام 1857 تقول: “كل الأطفال لا يعنون شيئاً بالنسبة إليَّ عندما يكون بعيداً، ويبدو أن روح وحياة المنزل ذهبت معه حين ذهب!”. كما اعترفت ذات مرة “لا أجد متعة أو عزاء في صحبة الأبناء الكبار.. أشعر فقط بالحيوية والسعادة الغامرة عندما يكون ألبرت معي”.

الملكة فيكتوريا مع اثنتين من حفيداتها- مجلة “تاون آند كونتري”

ومع ذلك، فإن العديد من اقتباساتها الأكثر شهرة عن الأمومة جاءت من حياتها كأم؛ ففي رسالة إلى فيكي، التي كانت تستعد لاستقبال طفل، كتبت الملكة تقول: “أنا لست معجبة بالأطفال بشكل عام، لكن هناك استثناءات؛ على سبيل المثال (إخوتك) أليس وبياتريس كانتا جميلتَين جداً منذ البداية، وأنتِ أيضاً، وأرثر بالتأكيد، أما بيرتي وليوبولد فكانا مروعين للغاية”؛ لكنها أضافت أيضاً: “أنتِ مخطئة في الاعتقاد بأنني لست مولعة بالأطفال؛ فأنا كذلك”. وأوضحت أن مشكلتها مع الأطفال جاءت إلى حد كبير من الضجيج الذي يمكن أن تحدثه مجموعة من الأطفال.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر جيناتك في جودة زواجك؟

فبالنسبة إلى امرأة تُطالب بالصمت والصرامة في منزلها، لا شك أن نشاز أطفالها التسعة وأحفادها الـ42 كان ساحقاً في بعض الأحيان. ومن الجدير بالذكر أن العديد من الاقتباسات الأكثر شيوعاً المستخدمة لإظهار افتقار فيكتوريا إلى الشعور بالأمومة تأتي من ملخص لرسائلها الرسمية، التي قام بتحريرها البارون إيشر وآرثر بنسون، بناءً على طلب من بيرتي، الملك إدوارد السابع آنذاك.

الملكة فيكتوريا تتوسط عائلتها في قصر ويندسور.. وقد طلبت هذه اللوحة احتفالاً باليوبيل الذهبي لحكمها- مؤسسة “رويال كوليكشن”

واتُّهم الرجلان بتنقيح 460 مجلداً من مراسلات الملكة إلى ثلاثة مجلدات؛ في عملية لإزالة التفاصيل التي يخشون أنها قد تكون مخزية، مثل التلميحات بأن فيكتوريا ربما كانت معجبة بأول رئيس وزراء لها، اللورد ملبورن، فضلاً عن جوانب من حياتها وجدوها غير لائقة أو غير مهمة فحسب؛ بما في ذلك العديد من رسائل صاحبة الجلالة لنساء أُخريات عندما كان أطفالها يكبرون.

اقرأ أيضاً: ماذا اكتشف العلماء بعد فحص حالات زواج الأقارب في المملكة المتحدة؟

وقد امتلأت هذه الرسائل، التي عبرت فيها الملكة عن سعادتها بأطفالها لأصدقاء مثل ماريا الثانية ملكة البرتغال، بالمخاوف الشخصية وما يُسمى بالمخاوف الأنثوية حول حب الأطفال وتربيتهم، وكذلك مخاوف النساء من مخاطر الولادة، والتي قيل إن بنسون وجدها كلها “مملة للغاية”. وتؤكد المقالة أنه من بين المجلدات الرسمية الثلاثة لرسائل الملكة فيكتوريا، التي حررها إيشر وبنسون، فإن أقل من نصفها مكتوبة بالفعل بواسطة الملكة، والباقي عبارة عن مراسلات كتبها لها الرجال في حياتها.

♦كاتبة حرة ومساهمة في مجلة “تاون آند كنتري”، تهتم بموضوعات الجمال والترفيه والسفر.

المصدر: مجلة تاون آند كنتري

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات