الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةملفات مميزة
كيف قرأ الغرب وثيقة “الإحلال العظيم” لسفاح نيوزيلندا؟
كامل الخطي: أيديولوجيا التفوق الأبيض حاضرة في السياسة الغربية

كيوبوست
لم تحظَ عملية إرهابية لليمين المتطرف بالاهتمام، مثل ما تحظى به الآن مذبحة نيوزيلندا؛ وذلك يعود إلى أنها تعد، بحسب الخبراء، نقطة فاصلة في صعود اليمين؛ لأسباب كثيرة، أهمها يعود إلى أن منفذها قام بنشر ما أُطلق عليه في الصحافة الغربية “مانفيستو تارانت” Brenton Tarrant’s manifesto؛ وهي وثيقة مكونة من قرابة ٨٠ صفحة، إضافة إلى الرسومات والخرائط والرموز التاريخية التي تشرح دوافع الجريمة وتبررها.
“السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إليها. لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون هم ضحية اليوم، لكن في العادة هم المنفذون”، ربما كان ذلك التصريح للسناتور الأسترالي العنصري فرايزر أنينج، هو التجسيد الأمثل لما يتبناه أعضاء اليمين المتطرف من أفكار فاسدة وعنصرية مقيتة، وهو التصريح الذي استحق عليه “بيضة” رشقه بها الفتى الأسترالي ويل كونولي، 17 عامًا، والذي اشتهر بعدها ليصبح لقبه الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي “فتى البيضة”.
الأسترالي المتطرف مرتكب مذبحة نيوزيلندا برينتون تارانت، 28 عامًا، قام بنشر بيانه على موقع “فيسبوك”، وأطلق عليه عنوان “الإحلال العظيم”، وذلك قبل أن يفتح النار على مسجدَين في كرايست شيرش في الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا؛ ليقتل ما لا يقل عن 51 شخصًا ويصيب أكثر من 50 آخرين يعانون إصابات بطلقات نارية.
اقرأ أيضًا: شركات السلاح والإعلانات .. أطراف جديدة في مذبحة نيوزيلندا.
وبحسب صحيفة “ديلي ميل” التي راجعت البيان؛ فإن الجاني عدَّد مظالمه تجاه المسلمين بشكل ملتوٍ، ووضح لماذا اختار المساجد في كرايست شيرش، وكيف أنه قام باستلهام فكرة القاتل الجماعي النرويجي أندرس برينغ بريفيك، الذي قتل 77 شخصًا عام 2011. كما يستشهد أيضًا بالإرهابي فينسبري بارك دارين أوزبورن، في الوثيقة.

توالت ردود الأفعال على الوثيقة التي حظيت باهتمام الباحثين والخبراء؛ حيث قال نيك لويلز، من جماعة الأمل المناهضة للتطرف في المملكة المتحدة، اليوم: “إن الهجوم الإرهابي الدموي في كرايست شيرش نفَّذه ناشط يميني متطرف نشر بيانًا يشرح فيه سبب قيامه بذلك. ويستخدم (بيان الإرهابي) عبارات التحريض الخاصة باليمين المتطرف؛ لتبرير القتل والحديث عن (الإبادة الجماعية للبيض)، والإشارة إلى إحصائيات زائفة حول معدلات المواليد؛ لتوضيح سبب التطرف الوحشي ضد أشخاص يشاركون ببساطة في ممارسة عقيدتهم”.
في إطار استيضاح السياق الجديد للخطاب الفكري الذي يقف خلف وثيقة الشاب الذي لم يبلغ الثلاثين من عمره، قُمنا بسؤال الكاتب والباحث السعودي المختص في رصد ودراسة الحركات والتيارات اليسارية والقومية، كامل الخطي، حيث أكد لـ”كيوبوست” أن: “صعود موجة التيارات السياسية الشعبوية على صلة بعودة الحياة إلى الأيديولوجية البيضاء العنصرية المؤمنة بتفوق المسيحي الأبيض على سواه من البشر؛ فهذه الأيديولوجيا متجذرة في أوروبا الغربية تجذُّر الكاثوليكية، ولم تنجُ البروتستانتية ولا حتى الأرثوذكسية الغربية من عقيدة التفوق الأبيض، لكن الحرب العالمية الثانية وما تسببت فيه من موت وما خلفته من دمار؛ دفعت أوروبا الغربية، في المقام الأول، إلى التقدم نحو تعميق المفاهيم الليبرالية وقيمة المساواة ومحاربة العقائد العنصرية بشتى الوسائل المتاحة”.
ويضيف الخطي: “لقد نجحت أوروبا الغربية، وبجانبها أمريكا الشمالية، في تحقيق غالبية أهدافهما، إلا أنهما لم تتخلصا تمامًا من التيارات العنصرية الداعية إلى تأكيد التفوق الأبيض وإلى نظرية النقاء العرقي، فهما لا تجدان غضاضة في الاستفادة من التيارات الأيديولوجية المتطرفة؛ لكي تحققا بعض أهدافهما”.

كما اعتبر الكاتب والباحث السعودي أن الحرب الأهلية بشرق أوكرانيا خير مثال؛ فالرمز الجمهوري السناتور جون ماكين، وبرفقته السناتور الديمقراطي كريس ميرفي، قاما بزيارة الميدان الرئيسي في العاصمة الأوكرانية كييف، يوم ١٥ ديسمبر ٢٠١٣، وبثَّا روح الحماس في معارضي الرئيس الأوكراني المنتخب ڤيكتور يانوكوفيتش، والتقطت لهما الصور التذكارية بمعية أحد قادة النازية الجديدة في أوكرانيا، أوليخ تاخنيبوك، بعد أن نَحَت الأحداث في أوكرانيا منحًى أكثر عنفًا من احتجاجات العاصمة ومن سيطرة متمردي مدينة لڤيڤ، عاصمة غرب أوكرانيا، على مقرات الحكومة المحلية، وإعلان المتمردين نوعًا من الاستقلال عن الحكومة المركزية. قام سكان محافظات شرق أوكرانيا، الناطقون باللغة الروسية، بتنظيم مقاومة مسلحة برعاية روسيا الاتحادية، واندلعت الحرب الأهلية في تلك المناطق منذ عام ٢٠١٤ حتى اليوم.
اقرأ أيضًا: توابع المذبحة .. نيوزيلندا تتغير والمزيد من المحاذير على اقتناء الأسلحة!
ويمضي الخطي شارحًا السياق التاريخي بالتأكيد أنه “تم تشكيل حكومة مؤقتة في العاصمة كييف، وتولَّت هذه الحكومة مسؤولية العمليات العسكرية في المناطق الشرقية للبلاد؛ بغرض دحر الانفصاليين. وضمن المجهودات العسكرية والأمنية التي قامت بها حكومة كييف، تأسيس ميليشيا شبه حكومية أُطلق عليها اسم كتيبة الآزوف”.
بحسب إفادة الباحث كامل الخطي فإن النازيين الجدد القادمين من عدد من دول أوروبا الغربية انخرطوا في صفوف هذه الميليشيا، وذكر كثير من وسائل الإعلام الغربية العريقة؛ مثل: “بي بي سي” و”ديرشبيجل” و”لوموند” و”الجارديان” وغيرها، أن مقاتلين من فرنسا وإسبانيا والسويد وصربيا وكرواتيا واليونان وألمانيا وبولندا وفنلندا والولايات المتحدة، وجدوا ضمن صفوف كتيبة الآزوف. كانت هذه الكتيبة في بدايتها تتبع وزارة الداخلية في حكومة كييف، ودُرِّبت وسُلِّحت كفرقة من فرق العمليات الأمنية الخاصة، ثم ألحقت بقوات الحرس الوطني الأوكراني كفرقة من فرق النخبة. تتخذ هذه الكتيبة الصليب المعقوف شعارًا لها، ورغم ذلك فإنه قد كان هناك اتفاق مع وزارة الدفاع الأمريكية؛ لإرسال مدربين أمريكان لتدريب أفراد الكتيبة؛ إلا أن مجلس النواب الأمريكي أجهض هذا الاتفاق بعد عام على إبرامه.
وحين سألناه عن أن هذه الأيديولوجية الشوفينية للرجل الأبيض هامشية أم متن في المشهد الغربي، قال الخطي: “أيديولوجيا التفوق الأبيض ليست على هامش المشهد السياسي في العالم الغربي طوال الوقت، وإنما على حسب ما يقتضيه الموقف؛ قد تقفز إلى الصف الأمامي من المشهد متى استدعى الموقف قفزة كهذه”؛ وهذا يجعلني أُسائل الثقافة الغربية عن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه هذه التيارات الفكرية العنصرية التي تؤمن إيمانًا مطلقًا بضرورة اتخاذ العنف وسيلة من وسائل تأكيد التفوق المسيحي الأبيض على سائر الأديان والأعراق.
جدير بالذكر أن سفاح نيوزليندا تارانت قد ذكر في وثيقته أنه قام بتنفيذ هذه الهجمات (انتقامًا) لهجوم إرهابي في السويد أودى بحياة فتاة شابة تُدعى إبا أكرلوند، ووصف نفسه بأنه “رجل أبيض عادي.. ولد في أستراليا لأسرة تنتمي إلى الطبقة العاملة، وذات دخل منخفض”.
وفي البيان، قال تارانت إنه “مهتم بالتعليم قليلًا”، وإنه “لم يلتحق بالجامعة؛ لأنه لم يكن لديه أي اهتمام كبير بأي شيء تقدمه الجامعات للدراسة”. كما قال إنه كان يخطط مبدئيًّا لاستهداف مسجد في دنيدن بنيوزيلندا؛ لكنه تحول إلى مسجدَي كرايست شيرش، لأنهما يضمان المزيد من الناس.
اقرأ أيضًا: مذبحة نيوزيلندا ترفع سؤال “الإرهاب” إلى الصدارة.
وكشف أيضًا عن أنه لم يخطط في البداية لتنفيذ الهجوم في نيوزيلندا على الإطلاق، قائلًا: “لقد وصلت إلى نيوزيلندا للعيش مؤقتًا في أثناء التخطيط والتدريب، لكنني سرعان ما اكتشفت أن نيوزيلندا هدف غني، كما أنه من شأن أي هجوم في نيوزيلندا أن يلفت الانتباه إلى حقيقة الاعتداء على حضارتنا”.
الوثيقة مملوءة حتى آخر سطر فيها بعبارات ولغة اليمين المتطرف، ممزوجة بقصائد ديلان توماس وروديارد كيبلينج.

وفي استطلاع لسلامة عقل الجاني، قُمنا بسؤال الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي، الذي علق لـ”كيوبوست” بأنه من الصعب وصف الجاني بـ”المختل”؛ فما قام به قتل ممنهج، ويعكس نفسية الشحن السلبي تجاه الآخر، واختلاط المفاهيم الذي أدى إلى قناعات نفسية متشددة وعنيفة.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا