الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
كيف عالجها القدماء.. وما أكثر الاضطرابات العقلية والنفسية شيوعاً اليوم؟
العالم يحتفل بيوم الصحة النفسية

كيوبوست
يعاني ما يقرب من مليار شخص حول العالم أحد أشكال الاضطرابات العقلية، بينما يموت شخص كل 40 ثانية منتحراً، حسب منظمة الصحة العالمية؛ ما يشير إلى مدى خطورة اعتلال الصحة النفسية التي لا يقل شأنها عن الصحة الجسدية.
ولإذكاء الوعي العام بقضاياها، يحتفل العالم بيوم الصحة النفسية، الذي يصادف 10 أكتوبر من كل عام، والذي جرى الاحتفال به للمرة الأولى في عام 1992م، بمبادرة من الاتحاد العالمي للصحة النفسية.
اقرأ أيضاً: على كرسي الطبيب النفسي.. قطاع مُهمل وأوجاع مكبوتة!
من جهتها، حددت منظمة الصحة العالمية شعار اليوم للعام الحالي 2021م، “الرعاية الصحية النفسية للجميع: لنجعل هذا الشعار واقعاً”.
تفسيرات القدماء
لا تُعتبر الاضطرابات النفسية والعقلية مشكلة حديثة؛ فقد عانى الإنسان القديم منها، لكن تفسيراته لأسبابها ذهبت باتجاهات بعيدة عن الحقيقة؛ إذ أحالت العديد من الثقافات القديمة المرض العقلي/ النفسي إلى تفسيرات ميتافيزيقية، على اعتبار أنه عقاب من الآلهة أو استحواذ شيطاني، وبناء عليه ظهرت طرق مريبة للتعامل مع المصابين بأمراض نفسية، كتقنية “Trephination” التي عمدت إلى إحداث ثقب بجمجمة مَن يتصرَّف بطريقة غير طبيعية؛ لكي تخرج منه الأرواح الشريرة، وتم الاستدلال على ذلك من خلال جماجم مثقوبة عثر عليها في كهوف تعود إلى نحو 6500 ق.م.

وبالنسبة إلى سكان بلاد ما بين النهرَين والمصريين القدماء، فوفقاً لأوراق بردي ترجع إلى عام 1900 ق.م، يعود السبب وراء إصابة النساء بأمراض عقلية أو نفسية، إلى تجول الرحم والتصاقه بأجزاء أخرى من الجسم؛ الأمر الذي آمن به الإغريقيون، مطلقين على تلك الحالة “الهستيريا”، وبناء عليه استخدم المصريون والإغريق، الروائح القوية لتوجيه الرحم إلى مكانه.
رفض أطباءٌ إغريق التفسيرات الدينية وغير الدينية التي كانت منتشرة حول سبب الإصابة بالأمراض النفسية أو العقلية؛ ومنهم “أبقراط” (460-370 ق.م)، الذي اعتقد أن نقص أحد سوائل الجسم الأساسية كالدم، يؤدي إلى أمراض جسدية وعقلية.. والتي قسمها إلى أربع فئات: الصرع، والهوس، والكآبة، وحمى الدماغ. وكغيره من أطباء عصره، لم يرَ بالمرض العقلي أمراً مخزياً، حسب ما كان سائداً بين العامّة.
اقرأ أيضاً: ماذا نعرف عن التاريخ المروع لتجريب السموم على السجناء؟
من جانبه، طرح الطبيب الإغريقي جالينوس (129- 216 ق.م) نظرية مفادها أن عوامل نفسية المنشأ تسبب الأمراض العقلية؛ كالإجهاد النفسي، إلا أن نظريته -رغم قربها من الحقيقية- لم تُؤخذ على محمل الجد.
خلال العصور الوسطى، عادت النظريات الدينية إلى الواجهة؛ إذ اعتقد الناس أن الاضطرابات العقلية والنفسية سببها الشيطان وأمور خارقة للطبيعة، وشملت العلاجات الشائعة طقوس الصلاة، ولمس الآثار، والاعترافات. وابتداء من القرن الثالث عشر، تعرض المرضى عقلياً؛ خصوصاً النساء، إلى الاضطهاد، على اعتبار أنهن ساحرات ممسوسات!

ولا تزال بعض الممارسات البدائية منتشرة في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث يتم ضرب المريض بالعصا، على يد رجل دين، بزعم إخراج الجني منه!
ويمكن تأريخ بداية إنشاء مصحات خاصة بالمرضى عقلياً إلى القرن السادس عشر، في معظم العواصم الأوروبية، إلا أن مبدأ عملها كان حماية المجتمع من هؤلاء المرضى، الذين عوملوا على أنهم سجناء، فعاشوا ظروفاً لا إنسانية، وقيدوا بالسلاسل وكان ينظر إليهم كأنهم غير آدميين!
اقرأ أيضًا: التعافي من تبعات نقص النوم يستغرق أكثر مما تعتقد
خلال القرنَين الثامن عشر والتاسع عشر، ارتفع الوعي تجاه المرضى نفسياً، وارتفعت وتيرة الاحتجاجات المطالبة بتحسين صورتهم، بينما أدت جهود أطباء في أوروبا إلى تحسين ظروفهم المعيشية، وكانت أكثر المؤثرات في هذا السياق الناشطة الأمريكية “دوروثيا ديكس”، التي ضغطت باتجاه تحسين الظروف المعيشية للمرضى عقلياً، وعلى مدى 40 عاماً، نجحت في إقناع الحكومة الأمريكية بتمويل بناء 32 مستشفى للأمراض النفسية.
أكثر الاضطرابات المعاصرة شيوعاً
مع مرور الوقت، ارتفع الوعي العام تجاه الصحة النفسية، بينما ظلَّت وصمة العار التي يشعر بها أهل المرضى، ونسبة المرض إلى سيطرة شيطانية، لا تزال موجودة في بعض الدول والمناطق.
ومن ناحية طبيعة الاضطرابات العقلية والنفسية التي يعانيها الإنسان المعاصر، فلا بد أنها أخذت أشكالاً مختلفة مع التغيرات الجذرية التي طرأت على أنماط الحياة، ووفقاً لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية لعام 2019م، فإن مجموعة اضطرابات عقلية مستمرة في الازدياد على مستوى العالم؛ وعلى رأسها “الاكتئاب”، الذي يؤثر على نحو 264 مليون شخص حول العالم.

ويشمل الاكتئاب مجموعة أعراض كالشعور بالحزن والذنب، وتدني قيمة الذات، وفقدان الاهتمام، واضطرابات في النوم والشهية، والتعب، وضعف التركيز، في أشد حالاته، ويمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى الانتحار، علماً بأن الخطوات العلاجية والوقائية أثبتت قدرتها على الحدِّ من الاكتئاب.
وحسب منظمة الصحة، فإن اضطراب ثنائي القطب يعد من الأمراض الشائعة أيضاً؛ إذ يعاني منه نحو 45 مليون شخص، ويشمل الاضطراب عادةً نوبات الهوس (الحالة المزاجية المرتفعة، والإفراط في النشاط، والكلام السريع، وتضخم الثقة بالنفس، وانخفاض الحاجة إلى النوم) ونوبات الاكتئاب.
بينما يصيب اضطراب الفصام، الذي يبدأ عادةً في أواخر المراهقة أو بداية البلوغ، نحو 20 مليون إنسان، ويعاني المصابون به تشوهات في التفكير والإدراك والعواطف واللغة والشعور بالذات والسلوك، وتشمل العوارض الشائعة للمصابين به الهلوسة والأوهام.
اقرأ أيضًا: عادات تتلف خلايا الدماغ.. فاحذر منها!
بينما يعاني نحو 50 مليون شخص الخرف، الذي يقود إلى تدهور في الوظيفة الإدراكية للدماغ، متجاوزاً أعراض الشيخوخة الطبيعية؛ فهو يؤثر على الذاكرة والتفكير والفهم والقدرة على التعلم واللغة والحكم والحساب…
إلى جانب ما سبق، يعتبر “اضطراب النمو”، وهو مصطلح يشمل اضطرابات النمو المنتشرة بما في ذلك التوحد، مرضاً شائعاً؛ إذ يعاني المصابون به اضطراباً في السلوك الاجتماعي، والتواصل واللغة، ويمتلكون عدداً محدوداً من الاهتمامات والأنشطة؛ يتم تنفيذها بشكل متكرر.