الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
كيف شكل مبدأ وولفويتز نظرة بوتين؟
مبدأ ينادي بالحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي بأي ثمن في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي

كيوبوست- ترجمات
ساميد باشا♦
مضى عام على اجتياز الجيش الروسي الحدودَ إلى أوكرانيا، وعودة الحرب الباردة؛ حيث يستنزف الغرب روسيا من خلال دولة عازلة. لم تندلع هذه الحرب الباردة لمنع روسيا من ابتلاع أوكرانيا؛ بل للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في أوروبا.
يقضي مبدأ وولفويتز، الذي سُمي على اسم نائب وزير الدفاع الأمريكي في حينه، بول وولفويتز، بالحفاظ على التفوق العسكري الأمريكي بأي ثمن في عالم ما بعد الاتحاد السوفييتي، والقضاء على المنافسين أينما ظهروا. وكذلك يقضي بأن تبني القيادة الأمريكية سياساتها على أساس اتفاقيات الدفاع التي تحتكر بشكل غير مباشر تجارة الأسلحة العالمية من خلال المعاهدات، بالإضافة إلى منع الحلفاء من تطوير أنظمتهم الدفاعية ودفعهم للاعتماد أكثر على المعدات أمريكية الصنع.

ولفهم هذه العقيدة من الضروري أن نعرف متى تشكلت وكيف ظهرت ولماذا لا تزال تؤثر بشكل كبير على صناع القرار في الغرب وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. مجلة “ذا ناشيونال إنتريست” نشرت مقالاً بقلم ساميد باشا، يحاول فيه الإجابة عن هذه الأسئلة.
يرى باشا أن انتصار الولايات المتحدة على الاتحاد السوفييتي أرسى أسس مبدأ وولفويتز؛ فقد أسهمت حرب العصابات في أفغانستان في استنزاف الاقتصاد السوفييتي وانهياره في عام 1991، ثم جاء انتصار الولايات المتحدة على صدام حسين الذي سمح للولايات المتحدة بإظهار تفوقها العسكري الفائق واستعادة بعض كبريائها الذي فقدته في فيتنام، وإعادة بناء ثقة حلفائها.
اقرأ أيضاً: الحرب الباردة لم تنته أبداً!
بالإضافة إلى ذلك، نص مبدأ وولفويتز على أن الولايات المتحدة قادرة على دمج قوتَين رئيسيتَين سابقتَين -ألمانيا واليابان- في منظومة للأمن الجماعي تقودها الولايات المتحدة. ولكن من ناحية أخرى، تم التعاطي مع روسيا بشكل مختلف، وتم تجاهل أهميتها كمنافس جيوسياسي للغرب، وتم رفض مبادراتها السلمية وحجب الضمانات التي طلبتها بشأن توسع الناتو.

ثم يشير كاتب المقال إلى محضر اجتماع الرئيس الروسي ميخائيل غورباتشوف، مع وزير الخارجي الأمريكي جيمس بيكر، الذي رفعت عنه السرية مؤخراً؛ حيث وعد بيكر بأن الناتو لن يتوسع شرقاً تحت أي ظرف من الظروف. وفي الاجتماع نفسه، اقترح غورباتشوف على بيكر أن تنضم روسيا إلى الناتو؛ الأمر الذي رفضه بيكر تماماً. وعندما تولى بوريس يلتسين السلطة، اعتبر الانضمام إلى الناتو هدفاً سياسياً لروسيا، وفي عام 1994 وقعت روسيا على برنامج حلف الناتو للشراكة من أجل السلام، الذي يهدف إلى الحد من الانقسام بين الكيانَين ويمهد الطريق لعضوية روسيا في الحلف.
اقرأ أيضاً: الجليد يتكدس بين بايدن وبوتين.. هل تعود الحرب الباردة مجدداً؟
وعندما أدركت واشنطن أن موقعها كقوة مهيمنة لا منافس لها؛ تراجعت عن تعهد بيكر، واعتبرت أن هذه الضمانات أُعطيت للاتحاد السوفييتي وليس لروسيا. ودفعت بدول سابقة في حلف وارسو -مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر- للانضمام إلى الناتو في قمة واشنطن عام 1999. عارضت روسيا هذا الانضمام؛ ولكنها لم تكن في وضع يسمح لها بأكثر من التذمر الرمزي.
في عام 2000، أجرى مراسل “بي بي سي” مقابلة مع فلاديمير بوتين، قبل ثلاثة أسابيع من توليه الرئاسة. يومها قال بوتين “روسيا جزء من الثقافة الأوروبية، وأنا لا أستطيع أن أتخيل بلدي بمعزل عن أوروبا؛ لذلك يصعب عليَّ التفكير في الناتو على أنه عدو”. وعندما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أظهر بوتين استعداد بلاده للانخراط مع الغرب في حربه ضد الإرهاب؛ ولكن الولايات المتحدة لم تظهر أي تقدير لهذه المبادرات، وتجاوزت الحدود بترسيخ وجودها في الفناء الخلفي لروسيا بإقامة قواعد عسكرية لها في أوزبكستان وقرغيزستان.

وعلى الرغم من هذا التفكير المنفتح من قِبل بوتين؛ فلم يتخلَّ حلف الناتو ولا الولايات المتحدة عن عقلية الحرب الباردة، وسعى الحلف بكل قوته للتوسع شرقاً؛ حيث منح عضويته لسبع دول جديدة، هي بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، ووصل بذلك إلى أعتاب روسيا على الرغم من تحذيرات جورج كينان، السفير الأمريكي لدى الاتحاد السوفييتي ومهندس سياسة الاحتواء، من هذا التوسع ومن عواقبه المحتملة. قال كينان: “إن هذا الخطأ الفادح يمكن أن يؤجج النزعات القومية والمعادية للغرب والنزعات العسكرية عند الرأي العام الروسي”.
جاءت نقطة التحول في عام 2007 عندما نفد صبر بوتين من الغطرسة التي أظهرها له نظراؤه الغربيون في مؤتمر ميونخ للأمن؛ حيث أعلن أنه يعتقد أنه “من الواضح أن توسع الناتو لا علاقة له بتحديث الحلف لنفسه أو بضمان أمن أوروبا؛ بل هو على العكس من ذلك يمثل استفزازاً خطيراً يقوض الثقة المتبادلة. ويحق لنا أن نتساءل ضد مَن يتوجه هذا التوسع؟ وماذا حدث للتأكيدات التي قدمها لنا شركاؤنا الغربيون بعد حل حلف وارسو؟ أين أصبحت تلك التعهدات اليوم؟ لم يعد أحد يتذكرها”.
اقرأ أيضاً: الحرب الباردة الجديدة
يرى كاتب المقال أن موقف الولايات المتحدة بعد منح روسيا موقع المكافئ الكريم، أدى إلى تأجيج سخط بوتين والكثير من أفراد النخبة السياسية في موسكو الذين لم يستطيعوا التوصل إلى قناعة مفادها أن واشنطن لديها النية للعمل مع موسكو بطريقة مسؤولة ومحترمة. وأدرك الكرملين أن واشنطن مستمرة في تنفيذ خطتها التي وضعتها عام 1992 لفرض إرادتها على العالم و”القضاء على المنافسين أينما ظهروا”.
وقد تعزز هذا الشعور لدى بوتين بسبب الإجراءات الأمريكية في أوكرانيا وتدخلها في الشؤون السياسية فيها ورسم طريقها نحو الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وفي نهاية المطاف أدى الأمر إلى ثورة الميدان الأوروبي؛ ما أوصل البلاد إلى انقسام سياسي دائم تعزز أكثر فأكثر بمرور الوقت.

يعتبر بوتين أن غزو أوكرانيا كان الخيار الوحيد أمامه لإيصال رسالة إلى حلف شمال الأطلسي مفادها أن روسيا الآن باتت في وضع اقتصادي وجيواستراتيجي يمكنها من مواجهة أي توسع جديد للحلف بعد أن ذهبت كل الوعود التي قطعها جايمس بيكر هباءً، وأن روسيا لن تسمح بتقدم عقيدة وولفويتز شبراً واحداً أكثر من ذلك.
♦محلل في شؤون الدفاع والسياسة، حاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية ومتخصص في الديناميكيات الإقليمية لمنطقة وسط آسيا والمحيط الهادئ.
المصدر: ذا ناشيونال إنتريست