الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
كيف سيرد السودان على تهديدات الميليشيات الإثيوبية العابرة للحدود؟
الاعتداءات الإثيوبية على منطقة الفشقة السودانية الزراعية الخصبة.. اتخذت وتيرة أسرع وأساليب أعنف منذ تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء في إثيوبيا

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
لم يمضِ يومان على عودة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، من زيارة لأديس أبابا، الأحد 13 ديسمبر الجاري، والتي استغرقت بضع ساعات؛ بعد أن كان مقرراً لها يومان، حتى نصبت الميليشيات الإثيوبية المدعومة من الجيش الحكومي كميناً لمِفرزة من الجيش السوداني، كانت تقوم بعمليات تمشيط روتينية على الحدود بين البلدَين؛ ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة رائد وعدد من الجنود.
اقرأ أيضاً: السودان خارج قائمة الإرهاب.. فهل ستعبر الحكومة الانتقالية به إلى بر الأمان؟
وقال بيان صادر عن المركز الإعلامي العسكري للقوات المسلحة السودانية، 15 ديسمبر الجاري، إن قوة سودانية أثناء عودتها من عمليات تمشيط للمنطقة حول جبل أم الطيور داخل الأراضي السودانية بمنطقة الفشقة بولاية القضارف الحدودية مع إثيوبيا، تعرضت إلى كمين من القوات والميليشيات الإثيوبية.
وأضاف البيان أن القوات المسلحة السودانية قادرة على حسم أي تحركات معادية ولن تسمح بغزو أراضيها، كما أصدر مجلس الوزراء السوداني بياناً مماثلاً، أكد فيه دعمه ووقوفه مع القوات المسلحة وثقته في قدرتها على حماية حدود البلاد ورد أي عدوان.

فِخاخ الميليشيات الإثيوبية
وفي السياق ذاته، قال مصدر سوداني عسكري لـ”كيوبوست”: إن قوة سودانية كانت تقوم بعمليات مسح روتينية للمناطق الحدودية، تعرضت إلى قصف مفاجئ داخل الأراضي السودانية؛ حيث تسللت إليها قوة مسلحة إثيوبية. وأكد المصدر أن منطقة (جبل أم الطيور) مسرح الحادث، تقع في العمق السوداني بنحو 7 كيلومترات عن الخط الحدودي، وأنه تم قتل ضابط برتبة رائد، وإصابة نحو 27 فرداً عسكرياً، مشيراً إلى أن السلاح والطريقة اللذين استخدما في الهجوم يشيران إلى أنه مُدبر من قِبل قوات نظامية وليست ميليشيات كما تدَّعي الحكومة الإثيوبية دائماً.
اقرأ أيضاً: السودان يسحب الجنسيات من 3548 شخصاً غالبيتهم إخوان
إلا أن مصادر عسكرية أخرى، أكدت لـ”كيوبوست” أن عدد المصابين من الجنود بلغ 12 فقط، بينما تحاشى بيانا الجيش ومجلس الوزراء السودانيين ذكر التفاصيل، واكتفيا بتأكيد حدوث خسائر في الأرواح والممتلكات.
ويُذكر أن الاعتداءات الإثيوبية على منطقة الفشقة السودانية الزراعية الخصبة، ظلت تتكرر سنوياً عند بداية الموسم الزراعي المطري أو أثناء فترة الحصاد، بيد أنها اتخذت وتيرة أسرع وأساليب أعنف منذ تولي آبي أحمد علي، رئاسة الوزراء في إثيوبيا 27 مارس 2018؛ حيث دأبت ميليشيات إثيوبية من قبيلة (الأمهرة) محمية من الجيش الإثيوبي الفيدرالي، ومسنودة بعصابات الشفتا، على شنّ هجمات متتالية على القرى والمشروعات الزراعية السودانية؛ بهدف إخلائها من المواطنين السودانيين، تمهيداً للاستيلاء عليها، كما دأبت على نصب فخاخ لدوريات الجيش السوداني التي تقوم بعمليات تمشيط دورية للحدود بين البلدين، وقد أوقعت هذه الميليشيات في 28 مايو الماضي دورية من الجيش السوداني في فخ محكم في منطقة (بركة نورين) الحدودية، راح ضحيته ضابط سوداني برتبة نقيب، وستة من أفراد الجيش وطفل، وفقاً للمتحدث الرسمي باسم الجيش السودان، وقتها.
عصابات تنشط بعلم السلطات

من جهته، قال الصحفي والمحلل السياسي السوداني طارق عثمان، لـ”كيوبوست”: “إن الصراع الدائر على الحدود السودانية- الإثيوبية، ليس بين الجيشَين السوداني والإثيوبي، وإنما بين الجيش السوداني وعصابات الشفتا المدعومة من بعض القوات الخاصة التابعة للحكومات الإقليمية الإثيوبية؛ مثل حكومة إقليم أمهرا المتاخم لولاية القضارف السودانية، إلا أن الحكومة المركزية الإثيوبية؛ خصوصاً حكومة آبي أحمد، تغض الطرف عنها ولا تأبه لما ترتكبه من انتهاكات متكررة ضد المواطنين السودانيين في القرى والبلدات الحدودية، متذرعة بأنها مجموعات مُنفلتة وخارجة عن القانون”.
اقرأ أيضاً: مَن هو جبل صهيون حاكم (تيغراي) المُتمرد؟
أرجع عثمان صمت الحكومة الإثيوبية عن جرائم عصابات الشفتا إلى عاملَين رئيسيَّين؛ خشيتها من تمرد حكومات الأقاليم المتاخمة للسودان، واستفادتها من الأموال الطائلة التي تجنيها جراء زراعة المحاصيل النقدية غالية الثمن؛ مثل السمسم، على مساحة تبلغ نحو (مليون فدان) من الأراضي السودانية المحتلة في منطقة الفشقة بولاية القضارف؛ شرقي السودان.
يضيف عثمان: المطلوب الآن من الحكومة السودانية هو خطوات سياسية ودبلوماسية، بجانب التحركات العسكرية لحماية الحدود الشرقية؛ وذلك من أجل توضيح الحقائق للمجتمع الدولي والمحيط الإقليمي بأن تحركات الجيش السوداني الراهنة فقط من أجل استعادة الأراضي السودانية المسلوبة، إبان حكم النظام السابق الذي لم يكن يريد فتح جبهة عسكرية مع إثيوبيا، التي ساعدت رأسه (عمر البشير) في كسر طوق العزلة المفروض عليه -وقتها- من قِبل المحكمة الجنائية الدولية؛ حيث كان، ولا يزال، مطلوباً لديها بتهمة ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربَي السودان.
اقرأ أيضاً: أهوال المدارس الدينية السودانية.. حبس وضرب وانتهاكات جنسية للأطفال
وحسب عثمان، فإن الفرصة أصبحت سانحة الآن من أجل استرداد هذه الأراضي السودانية الزراعية شديدة الخصوبة من الميليشيات الإثيوبية والاستفادة منها، بعد أن ظلت تحت قبضة محتلة لعقدَين ونيف، وأشار عثمان إلى أن تغييراً ديموغرافياً كبيراً حدث في المنطقة؛ حيث تم توطين إثيوبيين وإنشاء قرى وبنى تحتية، بعد طرد المواطنين السودانيين مُلاك هذه الأراضي.
هدوء حذر وتصعيد محتمل

إلى ذلك، كشف الصحفي والمحلل السياسي السوداني سليمان مختار، لـ”كيوبوست”، من منطقة النزاع (ولاية القضارف)، عن أن الولاية (محل النزاع) الواقعة شرقَي السودان تشهد الآن هدوءاً حذراً، مضيفاً: الهجوم الذي تعرَّضت إليه قوة من الجيش السوداني كان عبر كمين نصبته عصابات الشفتا الإثيوبية مسنودة من الجيش النظامي.
اقرأ أيضاً: البعد الأيديولوجي لحرب آبي أحمد على إقليم تيغراي (1- 2)
بالنسبة إلى مختار، فإن التوترات مرشحة للتصعيد؛ خصوصاً بعد توعُّد الجيش السوداني بالثأر لمقتل جنوده والتصدي بقوة لأي اعتداءات إثيوبية متوقعة.
وكشف مختار لـ”كيوبوست” عن زيارة غير معلنة قام بها الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، الخميس 17 ديسمبر، إلى مقر الفرقة الثانية للجيش السوداني بولاية القضارف، عقد خلالها اجتماعاً موسعاً مع كبار القادة العسكريين هناك.

واستطرد مختار: إذا قرأنا هذه الزيارة، مقرونة ببيانَي مجلس الوزراء والقوات المسلحة، سنُدرك أن قراراً سياسياً وعسكرياً ربما صدر للقيام برد فعل قوي ضد الميليشيات الإثيوبية؛ خصوصاً أن المواطنين السودانيين القاطنين على الحدود ظلوا يجأرون بالشكوى جراء اعتداءاتها المتكررة عليهم.
اقرأ أيضاً: البعد الأيديولوجي لحرب آبي أحمد على إقليم تيغراي (2- 2)
وأشار مختار إلى وصول تعزيزات عسكرية سودانية؛ قوامها أكثر من 3 لواءات إلى منطقة (جبل أبو طيور) مكان الحادثة، مؤكداً أن الجيش السوداني يتمتع بأفضلية نسبية على نظيره الإثيوبي؛ لانشغال الأخير بالحرب الأهلية في إقليم تيغراي، معتبراً أن الظروف الراهنة مثالية لاستعادة الأراضي الزراعية السودانية المحتلة التي تُقدَّر بمليون فدان.