الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف سبب حظر النقاب مشاكل عميقة في الدنمارك؟

حظر النقاب: الحركات الإسلاموية المتشددة تستخدم لغة الضحية لجذب انتباه العوام من المسلمين

ترجمة كيو بوست –

المصدر: مجلة عين أوروبية على التطرف، بقلم المفكر الدنماركي، لبناني الأصل، أحمد عكاري.

تحظى بعض القضايا في الدانمرك بجدل شعبي ساخن يستغرق الكثير من الوقت، على عكس بلدان العالم التي تعتبر القضايا ذاتها مسائل ثانوية. من أبرز الأمثلة على ذلك، قانون حظر “إخفاء الوجه” أو “النقاب” في البلاد، الذي دخل حيز التنفيذ في 1 آب/أغسطس 2018. هكذا حظر يتطلب من موظفي إنفاذ القانون إصدار غرامات مالية على أي شخص يرتدي قناعًا في الأماكن العامة. وينطبق الحظر على تغطية الوجه بشكل عام، بما في ذلك الأقنعة والقلنسوات. وقد نظر الكثيرون إلى هذا الحظر على أنه إجراء ضد البرقع الإسلامي المحافظ، الذي يغطي وجه المرأة بالكامل، أو النقاب الذي يغطي الوجه باستثناء العينين.

أعتقد أن هذا الحظر خطأ كبير، فبرغم النوايا الحسنة وراء هذا التشريع، إلا أنه يهدي المجموعات الراديكالية والتنظيمات المتطرفة تعزيزًا نفسيًا كبيرًا. إن أعداد النساء اللاتي يرتدين الحجاب لأسباب دينية قليلة جدًا، ولا تتجاوز 200 امرأة. ومع ذلك، أخذ هذا الموضوع حيزًا كبيرًا من الجدل، وأثار احتجاجات وتجمعات من المسلمات واليساريات، من أجل تقديم الدعم العاطفي والعملي للنساء اللاتي أُعتبرن “مكبوتات”.

كما أدى القانون إلى احتجاجات من قبل منظمات إسلاموية ذات ملامح سياسية. من الواضح أن هكذا مجموعات راديكالية ستستخدم قضية حظر النقاب لتعزيز موطئ قدمها في الجاليات المسلمة، من خلال إقناعها بأنها مستهدفة من قبل الحكومة.

هذا أمر مؤسف للغاية، لا سيما عندما ينحرف التشريع عن الغرض المخصص له. أعتقد أن الحكومة الليبرالية في البلاد تعطي أهمية كبرى للحرية الفردية، تمامًا كما أمارسها أنا وكثير من الدنماركيين الآخرين، بما في ذلك حق تغطية الجسد بأي نوع من الملابس التي نراها مناسبة. ومع ذلك، أنا أؤيد فكرة ممارسة الضغط على الرموز الإسلاموية الراديكالية في الحياة العامة. إلا أن الأمور سارت بشكل خاطئ، وليس هناك شك في أن هذا التشريع أظهر اعتلالًا في الرؤية، وفقد هدفه تمامًا، وأصبح سياسة رمزية فحسب، وليس حلًا لمعضلة المحافظة الإسلاموية المتشددة في المجال العام.

يمكن ملاحظة ذلك بكل سهولة في خطاب الحركات الإسلاموية الراديكالية التي باتت تستخدم لغة الضحية من أجل جذب انتباه العوام من المسلمين، الذين لا يقتربون عادة من التفكير الإسلاموي المتشدد.

في الحقيقة، العديد من الدانمركيين، بمن فيهم المسلمين، لا يحبون الأزياء المحافظة جدًا أو المتطرفة، لكنهم يرغبون بترك الأمر للأقلية الصغيرة من النساء التي تختار هكذا أزياء، باعتبارها غير مؤذية إلى حد كبير. ومن الجدير ذكره أن هكذا أزياء تعزل أصحابها عن المجتمع بشكل عام، كما أنها تعتبر مشاهد غير اعتيادية في العديد من البلدان الإسلامية، فلماذا كل هذا الزخم من أجل شيء ذي أهمية ضئيلة للغاية؟

في الواقع، ينبغي أن تكون السياسات التي تتعامل مع الإرهاب الراديكالي الخطير أكثر جوهرية من سياسة حظر النقاب. إن الأيديولوجية الإسلاموية لا تنعكس على النساء اللاتي يرتدين الحجاب أو النقاب كأسلوب للحياة الدينية، بل هي مشكلة تقع أبعد من ذلك بكثير. في الحقيقة، تقوم العناصر الإسلاموية الأكثر إشكالية ببناء منظمات تدخل إلى قلب قضايا المسلمين العامة. وللأسف، لا يتعامل القانون الحالي مع التركيبات الإسلاموية المتشددة والأيديولوجيات القوية، بل مع الملابس فحسب. وبدلًا من البحث عميقًا في التنشئة العقلية والتربوية للأطفال، القائمة على تعزيز الحوار السليم مع المسلمين المنفتحين المثمرين، لم نرَ سوى هذا القانون الارتكاسي القائم على ردة فعل.

المصدر: مجلة عين أوروبية على التطرف

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة