الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةملفات مميزة
كيف توظف القوى السياسية العامل الديني في “الحروب بالوكالة”؟
على حساب من؟

خاص كيو بوست –
انتشر في السنوات الأخيرة عبر وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين مصطلح “الحرب بالوكالة”، وهي الحرب التي تقع بين أطراف أخرى، لتحقيق أهداف القوى الكبرى التي تحالفها وتحركها في الوقت ذاته.
فالقوى الكبرى، ولكي تجنب نفسها الاصطدام المباشر بأعدائها، تقوم بدعم ورعاية وتجهيز قوى صغيرة لتقاتل عنها، مما يوفر على الدول الكبرى الخسائر البشرية المباشرة، وتجنب جنودها وبلدانها ويلات الحرب. وعادة ما تكون الدول الصغيرة والضعيفة هي الميدان الرئيس للحرب بالوكالة، وذلك بسبب ضعف مركزية الدولة فيها، وغياب القانون، وانتشار الفقر، مما يحوّلها إلى دولة أحزاب، يدين كل حزب فيها بولائه لدولة كبرى تمدّه بكل وسائل الدعم، لينفذ سياستها، ويقاتل نيابة عنها.
وكانت الحرب الباردة هي أفضل بيئة لتخصيب الحروب بالوكالة لصالح القوتين العظميين، أمريكا والاتحاد السوفيتي، وتم استخدام الوكلاء في النزاعات التي حصلت في أفغانستان، وكوريا، وفيتنام، وأمريكا اللاتينية، والوطن العربي.
وتعتبر الحرب الأهلية في أفغانستان في فترة الثمانينيات خير مثال على بشاعة الحرب بالوكالة، إذ سلّحت الولايات المتحدة ودربت ودعمت ما أسمتهم بـ”المجاهدين” لقتال حلفاء الاتحاد السوفيتي على الأرض الأفغانية، وأمدتهم بأحدث أنواع المضادات الأرضية، ستينجر، مما أدى إلى تكبد الجيش الروسي خسائر بالآلاف، وهزيمته، ومن ثم انسحابه من أفغانستان.
لتندلع بعدها حرب ثانية بالوكالة بين “المجاهدين” أنفسهم الذي كانوا يدينون بولاءات لدول مختلفة، وادعى كل طرف أحقيته بالوصول إلى السلطة، فوقعت الحرب الأهلية الأفغانية التي حولت أفغانستان إلى دولة بدائية، وسوق للأسلحة، وانتشرت فيها أعمال التهجير والاغتيالات وتجارة المخدرات، واستمرت الحرب الأهلية الأفغانية لما يقارب عشر سنوات، ولم تنتهِ إلا بالغزو الأمريكي لأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر.
أهمية العامل الديني في الحروب
يعتبر العامل الديني الجزء الأهم في انتشار الحروب بالوكالة وذلك لأنه:
– يعتمد على إثارة المشاعر الدينية الحماسية، عبر التحريض وبث الكراهية، ولا يحتاج لكثير من الفهم السياسي المعقّد، ولذلك يستطيع بسهولة جذب البسطاء والمتحمسين.
– العامل الديني يلغي فكرة الوطنية، ولذلك يمكن استخدام الوكلاء للعمل ضد أوطانهم؛ وهم يعتقدون أنهم يخدمون الدين.
– لأن العمل الديني لا يعتمد على حسابات الربح والخسارة، يحتاج فقط إلى إقناع المستثارين دينيًا بأن “جزاءهم الجنة” فقط.
وقد استخدمت أمريكا العامل الديني في تنشيط وكلائها المتحاربين في أفغانستان، فقد أطلقت عليهم لقب “المجاهدون”، وساعدت أمريكا على انتشار المصطلح بشكل واسع في وسائلها الدعائية، بما يحمله من رمزية دينية، تطلق بالعادة على قتال غير المسلمين، مما حول الصراع السياسي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في أفغانستان، إلى صراع ديني ضد الاتحاد السوفيتي، حرّض عليه الكثير من علماء الدين الذي خدموا مصالح الولايات المتحدة عن طريق الفتاوى الدينية، والتحريض على السفر والقتال. وجذب الصراع الأفغاني الآلاف من المواطنين العرب، وجرى تسفيرهم بتنسيق المخابرات الأمريكية إلى أفغانستان، ليحسموا الحرب الباردة التي كانت دائرة في معظم أنحاء الأرض بين السوفييت والولايات المتحدة لصالح الأخيرة. وصار العالم بعد حرب أفغانستان عالمًا أحادي القطب.
بعد الانتصار الأمريكي على السوفييت، وإعلان غورباتشوف سحب قوات بلاده من أفغانستان، قررت أمريكا أيضًا مغادرة المنطقة، تاركة الحلفاء المجاهدين الإسلاميين يتصارعون ويقتتلون، فقد كانت الولايات المتحدة هي المستفيدة الوحيدة من تلك الحرب، بعدما تحولت أفغانستان إلى دولة فاشلة، بخسائر بشرية هائلة، تهدمت فيها البنية التحتية، وتوقف التعليم والصحة، وأصبحت أكبر مستنقع للتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وطالبان؛ ثم عادت الولايات المتحدة لتقصف وكلائها “المجاهدين” بعد عشر سنوات من الدعم، وتحتل أفغانستان، وتنصّب فيها حكومة جديدة.
وأيضًا تم استخدام العامل الديني في البلدان النامية، لصنع حروب بالوكالة بين الدول الكبرى، مثل الحرب الأخيرة في سوريا؛ فقد استغلت تركيا العامل الديني لكسب ولاء أكبر التنظيمات الإرهابية في سوريا، مثل داعش والنصرة، بناءً على مرجعيتها الدينية للإخوان المسلمين، الذين يعتبرون أردوغان خليفة للمسلمين، لأنه رئيس أكبر دولة “سنيّة”، ويستخدم الكثير من المفاهيم الدينية في خطاباته.
بينما انضوت الحركات الشيعية تحت ولاء إيران، بسبب مرجعيتها “الشيعية”.
وتقاتل “المجاهدون” على الأرض السورية، على نسق الحرب الأهلية الأفغانية، مدعومين من دول عظمى، ودول إقليمية تقوم أحزابها الحاكمة على عقائد مذهبية، فوفرّت لهم تركيا الطرق الآمنة للدخول من الحدود التركية إلى سوريا، وأمدتهم بالأسلحة، وبالفتاوى الدينية اللازمة لإشعال سوريا، وتم تحويل الثورة السورية السلمية، إلى حرب طائفية قوامها “الوكلاء” من التنظيمات الإرهابية، الذين يخوضون حربًا طائفية مقدسة ضد بعضهم البعض؛ فحوّلوا سوريا إلى دولة فاشلة ومستنقع للإرهابيين حول العالم، يقومون بتصفية حسابات الدول الكبرى داخل المدن السورية.
وعندما اصطلحت تركيا مع إيران، واتفقتا على مفاوضات “سوتشي”، كان الضحية هم الوكلاء أنفسهم، الذين عادت تركيا لتسميهم بالإرهابيين، ونسقّت مع روسيا والولايات المتحدة في قصف مقراتهم، وتحرير المدن من أيديهم. وكانت سوريا هي الضحية الأولى لتلك الحرب التي كلفتها ملايين اللاجئين ومئات الآلاف من الضحايا، بينما استفادت تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة، في بناء القواعد العسكرية داخل سوريا، بناءً على تفاهمات خاصة، لم يكن لوكلائهم من المتقاتلين فيها حصة، فقد قامت تركيا بالتخلّي عنهم وقطعت الإمدادات، وباتوا اليوم محاصرين في نطاق ضيق من الأرض ومعرّضين للإبادة، فيما تركيا تقوم بتمكين مصالحها بدول أخرى.