الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
كيف تنقذ أقمار إيلون ماسك الاصطناعية أوكرانيا وتغيّر شكل الحرب؟
قد ترفض بعض الدول خدمة ستارلينك خشية أن يصبح الإنترنت خارجاً عن سيطرتها

إنها واحدةٌ من عجائب الدنيا، أو إن شئت الدقة أكثر، عالمٌ آخر. تتكون منظومة ستارلينك حالياً من 3,335 قمراً اصطناعياً نشطاً. وفي الأشهر الستة الماضية، أضيفت أقمار اصطناعية جديدة، بمعدل أكثر من 20 قمراً اصطناعياً في الأسبوع، في المتوسط. سبيس إكس، الشركة التي أنشأت ستارلينك، تقدم الأخيرة كوسيلة لتوفير الإنترنت عالي السرعة خارج الشبكة للمستهلكين في 45 دولة.
لقد أصبحت ستارلينك جزءاً لا يتجزأ من الرد العسكري والمدني لأوكرانيا على الغزو الروسي. فهذه المنظومة لا تتيح لأوكرانيا الرد على الهجمات فحسب، بل إنها تشكِّل كيفية قيامها بذلك، ما يكشف عن الإمكانات العسكرية للاتصالات المنتشرة في كل مكان تقريباً.
اقرأ أيضاً: كيف غيرت صور الأقمار الاصطناعية نظرتنا إلى الحرب؟
بداية القصة
بدأت القصة بتغريدة أرسلها ميخايلو فيدوروف، وزير التحوّل الرقمي الأوكراني، بعد يومين من الغزو، مخاطبا إيلون ماسك: “بينما تحاول استعمار المريخ- تحاول روسيا احتلال أوكرانيا! وبينما تهبط صواريخك بنجاح من الفضاء- تهطل الصواريخ الروسية على المدنيين الأوكرانيين! نطلب منك تزويد أوكرانيا بمحطات ستارلينك”.
ردَّ عليه ماسك في غضون ساعات، قائلاً إن خدمة ستارلينك قد فُعلّت فوق أوكرانيا، وأن المعدات ستتبعها. في غضون أيام، بدأت الشاحنات المليئة بالأطباق المسطحة، بحجم البيتزا، التي تستخدم للوصول إلى الأقمار الاصطناعية، في الوصول إلى أوكرانيا.
وبحلول شهر مايو، كان قرابة 150,000 شخص يستخدمون المنظومة. وسرعان ما بدأت الحكومة في الاعتماد عليها لتلبية احتياجات الاتصال المختلفة، بما في ذلك نقل البث الليلي من قبل الرئيس الأوكراني زيلينسكي. وعندما حرَّر الأوكرانيون مدينة خيرسون في نوفمبر، أتاحت ستارلينك استئناف خدمات الهاتف والإنترنت في غضون أيام.

محور الاتصالات العسكرية
أصبحت ستارلينك محور ما يسميه العسكريون “القيادة والتحكم والاتصالات وأجهزة الحاسوب والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع”. لطالما اعتمدت الجيوش على روابط الأقمار الاصطناعية لمثل هذه الأشياء. لكن ستارلينك لا تزوِّد قادة القوات الأوكرانية بهذه الاتصالات فحسب، بل الجنود العاديين أيضاً. وهذا بفضل القدرات الفريدة للمنظومة.
في هذا السياق، زار فرانز ستيفان جادي، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، مؤخراً الخطوط الأمامية الأوكرانية، ورأى مثالاً على ما يمكن أن توفره الاتصالات الرخيصة المنتشرة في كل مكان: شيء يشبه “خدمة أوبر” لمدافع الهاوتزر.
يُحمّل الجنود الأوكرانيون صور الأهداف المحتملة عبر شبكة الهاتف المحمول التي تعمل بواسطة ستارلينك. ثم تُرسل إلى مجموعة دردشة مشفّرة لقادة بطاريات المدفعية. وعليه، يقرر هؤلاء القادة ما إذا كانوا سيقصفون الهدف، وإذا كان الأمر كذلك، فمن أي مكان يقصفونه. إنه أسرع بكثير من الوسائل المستخدمة لتنسيق إطلاق النار المستخدمة حتى الآن.
اقرأ أيضاً: وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة في أوكرانيا
علاوة على ذلك، فإن المنظومة تجعل حرب الطائرات المسيّرة أسهل بكثير. وفي هذا الصدد، قال جادي: “تعتمد العمليات العسكرية الأوكرانية اعتماداً كبيراً على الوصول إلى الإنترنت، لذا فإن ستارلينك هي القدرة الأكثر أهمية”. وقد عبّر جندي أوكراني عن ذلك بوضوح، حيث قال: “ستارلينك بمنزلة الأكسجين لنا”. إذا اختفت “سيصبح جيشنا في حالة من الفوضى”.
هذا النوع من الاتصال لم يتوفر لأي جيشٍ سابق. لقد تمكّنت الجيوش الغربية التي تقاتل في أفغانستان والعراق من الوصول إلى بعض التدفقات الهائلة من البيانات. لكن الجزء الأكبر منها (مع كون القوات الخاصة هي الاستثناءات البارزة) وجد صعوبة بالغة في إيصال مثل هذه المعلومات في الوقت المناسب.

ماذا يحمل المستقبل؟
تعكف الشركة على تصنيع مركبة فضائية أكبر بكثير من الحالية، وقابلة لإعادة الاستخدام بالكامل، يُطلق عليها “Starship”، يمكنها إطلاق قرابة 400 قمر اصطناعي من طراز ستارلينك في وقتٍ واحد، وبالتالي تنتقل المنظومة من امتلاك آلاف الأقمار الصناعية إلى عشرات الآلاف.
ويبدو أن هناك استثمارات واعدة وثقة من قبل المستثمرين في مستقبل الشركة. فلقد جمعت سبيس إكس ملياري دولار في عام 2022، ويُقال إنها بصدد جمع المزيد، ما يرفع قيمة الشركة إلى مبلغ 137 مليار دولار.
اقرأ أيضاً: إيران: المظاهرات مستمرة.. والنظام يعلق أخطاءه على شماعة الخارج
مخاوف الحكومات
قد ترفض بعض الدول خدمة ستارلينك، خشية أن يصبح الإنترنت خارجاً عن سيطرتها، وبالتالي لا تسمح للشركة بالعمل داخل حدودها. ولكن يمكن للشركة التحايل على ذلك، بوضع المحطات الأرضية في الدول المجاورة، وفي أماكن قريبة بما فيه الكفاية.
في هذا الصدد، يقول ماسك إن خدمات ستارلينك تستخدم حالياً من قبل المتظاهرين في إيران، على الرغم من أن طهران لا تسمح رسمياً بها.
في المستقبل، ستكون الخدمة ممكنة حتى في الأماكن التي لا توجد بها محطات أرضية مناسبة قريبة. ذلك أن الجيل التالي من الأقمار الاصطناعية سيكون قادراً على تمرير الرسائل فيما بينها، بدلاً من إرسالها مرة أخرى إلى أقرب محطة أرضية.
المصدر: الإيكونومست