الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف تمول كوريا الشمالية برنامجها النووي عبر التماثيل العملاقة في أفريقيا؟

دفعت زيمبابوي 600 ألف دولار مقابل تمثالين صنعتهما بيونغ يانغ

خاص كيو بوست – أنس أبو عريش

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية واسعة الانتشار مقالة للصحفي كيفن سييف حول علاقات كوريا الشمالية التجارية مع أفريقيا، والتي تسعى من خلالها إلى كسر العقوبات المفروضة عليها. في هذا التقرير سنقوم بترجمة أبرز ما جاء فيها: 

بالقرب من الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، وعلى بعد أكثر من 8000 ميل (حوالي 13000 كم) من العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ، تشهد العاصمة النامبية اتهامات متكررة بأن تكون إحدى الدول الأفريقية التي تسهم في تمويل برنامج كوريا الشمالية النووي.

دفعت زيمبابوي 600 ألف دولار مقابل تمثالين صنعتهما كوريا الشمالية

هناك في العاصمة ويندهوك، تقع مباني متحف التاريخ الوطني، والقصر الرئاسي ذو التصميم الجذاب، ومقر وزارة الدفاع المترامي الأطراف، ومصانع ذخيرة سرية، كلها بنيت أو لا تزال تحت الإنشاء من قبل كوريا الشمالية، ضمن صفقات تجارية ضخمة.

لسنوات طويلة، استخدمت كوريا الشمالية الدول الأفريقية كأحد حبال النجاة لها، عبر إنشاء البنية التحتية لهذه الدول، وبيع الأسلحة والمعدات العسكرية، في محاولة للتخلص من العقوبات المفروضة على النظام السلطوي في كوريا الشمالية.

وعلى الرغم من أن الصين هي أكبر شريك تجاري لكوريا الشمالية، إلا أن العائدات القادمة من التجارة مع أفريقيا، تشكل أحد مصادر تمويل الدولة التي عزلت نفسها عن بقية دول العالم، بسبب استمرارها الطموح في تطوير أسلحة نووية في تحدٍ للمجتمع الدولي.

أثمرت هذه الطموحات عن إطلاق كوريا الشمالية أول صاروخ باليستي عابر للقارات أوائل شهر تموز الماضي. وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلريسون حذر حينها من أن أية دولة تربطها أية علاقات عسكرية أو اقتصادية مع كوريا الشمالية ستعتبر بمثابة دول داعمة ومساعدة أو محرَضة للنظام الكوري. وكانت إدارة ترامب قد حذرت سابقًا من قطع علاقاتها التجارية مع أية دولة تتعامل مع النظام المنبوذ في كوريا الشمالية.

لكن المسؤولين الرسميين في ناميبيا وصفوا الأمر بشكل مختلف، وقالوا: “إن كوريا الشمالية هي حليف منذ زمن بعيد، وشريك في التنمية و”مقاول” بأسعار في متناول اليد”. منذ عام 1960، عندما بدأت كوريا الشمالية بدعم الدول الأفريقية خلال نضالاتها من أجل الاستقلال عن القوى الاستعمارية الأوروبية، بدأ النظام الكوري بتعزيز علاقاته السياسية مع دول هذه القارة التي كانت مقتصرة على العلاقات التجارية.

الجندي المجهول تظهر وراءه المسلة التاريخية

وزير شؤون الرئاسة الناميبية فرانس كابوفي قال في رده على تلك الاتهامات: “لقد اعتمدنا عليهم من أجل المساعدة في تطوير بنيتنا التحتية، وأعمالهم كانت لا مثيل لها؛ أسعار مناسبة وإتقان في العمل”.

على امتداد أفريقيا، كانت مثل هذه العلاقات شائعة، إذ كشف تحقيق الأمم المتحدة بهذا الشأن، والذي صدر هذا العام، عن نقل النظام الكوري أنظمة بث راديوية عسكرية إلى أريتيريا، وأسلحة أوتوماتيكية إلى الكونغو.  إضافة إلى كشفه عن إقامة مدربين عسكريين في أنغولا وأوغندا.

“جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ضربت بعرض الحائط العقوبات التي فرضت عليها من خلال التجارة في بضائع ممنوعة، وتهربت من ذلك على نطاق واسع وبشكل وأنيق، ومحترم”، هكذا قال التقرير. وذهب التقرير إلى وصف كيف استخدمت الدولة في كوريا الشمالية شركات البناء الفعالة في أفريقيا من أجل بناء مرافق عسكرية وأمنية أو مرافق ذات علاقة بالمجالات العسكرية والأمنية.   

علاقات كوريا الشمالية التجارية هي إشارة واحدة فقط من بين كثير من الإشارات التي تدلّل على التقارب المفاجئ الذي يقوم به عدد من القادة الأفارقة مع النظام القمعي في كوريا. يقول ياويري موسيفني، رئيس أوغندا منذ 1986، إنه تعرف على كوريا الشمالية من خلال عدد من الزيارات المتبادلة مع كيم إل سونج، الرئيس السابق لكوريا الشمالية، جدّ القائد الحالي لها كيم جون أون. وكان روبرت موغابي زعيم زيمبابوي الذي استقال قبل عدة أيام، قد أرسل حيواني وحيد قرن إلى بيونغ يانع، كهدية للنظام الكوري خلال الثمانينات.

وفي عاصمة الموزمبيق أيضًا، تمت تسمية شارع في قلب العاصمة باسم كيم إل سونج. وفي متحف ناميبيا الوطني أيضًا، هناك صورة باللونين الأبيض والأسود لجندي كوري شمالي تظهر في ساحة المتحف بشكل بارز.

تمثال للدكتاتور لورينت كابيلا في الكونغو

في وقت سابق، قال تولياميني كالموه كبير مستشاري وزارة الخارجية الناميبية، والسفير الناميبي في واشنطن سابقًا: “إن آفاق عالمنا تحددت بفضل جهود من وقفوا إلى جانبنا في أحلك ظروف نضالنا، وكوريا الشمالية كانت إحدى هؤلاء.”

خلال السنوات الأخيرة، ناضلت الدول الأفريقية من أجل إصلاح علاقاتها مع كوريا الشمالية بدون اكتراث للولايات المتحدة التي كانت تشكل أكبر داعم ومانح في القارة السمراء، وبدون أي التزام بقرار عقوبات الأمم المتحدة ضد كوريا الشمالية التي فرضت من أجل الحد من تطور مشروعها النووي.

ومن التدابير التي اتخذتها الأمم المتحدة لتنفيذ قرارات العقوبات، قيامها منذ عقد من الزمان بمنع الدول من التعاقد مع كوريا الشمالية في مجالات التدريب العسكري أو أية خدمات تتعلق بصناعة الأسلحة.

يوضّح أندريا بيرغر، الخبير الكوري الشمالي في مؤسسة ميدلبري للعلاقات الدولية في مونتيسوري أن “علاقات بيونغ يانغ مع أفريقيا تتيح لها أن تظهر أنه ما زال لها أصدقاء في العالم، وأنها تستفيد من هذه العلاقات من أجل كسب الدعم السياسي. وتقدم هذه العلاقات أيضًا مصدر إيرادات مهمة لبيونغ يانغ، ومصدرًا للدخول في النظام العالمي المالي من خلال بعض الثغرات، وملاذًا آمن يمكن أن يستند إليه ممثلو الشركات الكورية الشمالية.”

الحكومة الناميبية أنفقت حوالي 100 مليون دولار على المشاريع الكورية الشمالية منذ عام 2002، حسب تصريح خبراء، وهو مبلغ كبير بالنسبة لكوريا الشمالية التي يصل نصيب الفرد فيها من الدخل القومي إلى ألف دولار فقط سنويًا.

السنة الماضية، قالت الأمم المتحدة إن ناميبيا انتهكت العقوبات المفروضة من قبلها من خلال تحسين علاقاتها التجارية مع كوريا الشمالية. إذ -إضافة إلى نشاطات أخرى- وقعت ناميبيا عقدًا مع شركة كورية شمالية تسمى “مانسوداي ما وراء البحار” من أجل إنشاء مصنع أسلحة وأكاديمية عسكرية لصالح ناميبيا. أما الشركة التي تتعاون معها من ناميبيا تدعى شركة كوريا لتطوير التعدين وهي تعمل أيضًا في مجال صناعة الأسلحة بحسب تقرير الأمم المتحدة. وزارة الخزينة الأمريكية وصفت الشركة الكورية للتعدين بأنها “تاجر الأسلحة الأولي” لكوريا الشمالية، ووضعت اثنين من المسؤولين الكوريين الشماليين على قائمة العقوبات بسبب علاقاتهم بها. وزارة الخزينة عاقبت أيضًا شركة مانسوداي، ووصفتها بأنها واحدة من عدد من الشركات التي أرسلت عامليها إلى الخارج من أجل كسب المال لصالح الحكومة والحزب الحاكم.

بعد اتهامهم بكسر العقوبات، تعهد المسؤولون النامبيون بقطع علاقاتهم التجارية مع كوريا الشمالية. الحكومة الناميبية صرحت عام 2016 بأنها ما تزال ملتزمة بتنفيذ عقوبات الأمم المتحدة، لكنها أكدت أن العلاقات الدبلوماسية مع كوريا الشمالية سيتم “إصلاحها”.

تمثال أول رئيس للموزبيق سامورا مويزيس ميتشل

بعد حوالي سنة، تبين أن العمال الكوريين لا زالوا يعملون في وزارة الدفاع الناميبية، ذات المبنى الضخم في وسط مدينة ويندهوك عاصمة البلاد.

“نراهم كل يوم أو يومين” هكذا قال أحد المقيمين في المنطقة والذي رفض الكشف عن اسمه حتى لا يتهم بمعاداة الحكومة، وأضاف: “لم يغادروا أبدًا”.

في دكار عاصمة السنغال، يرتفع تمثال أطول من تمثال الحرية في نيو يورك، صنع هذا التمثال بأيد كورية شمالية. يجسد هذا التمثال رجلًا يحمل طفلًا بيد، ويحتضن امرأة باليد الأخرى. في دول أفريقية أخرى، تم صناعة تماثيل أخرى على يد الكوريين في معظمها لقادة ثوريين أفارقة، جرى بيعها لدول أفريقية، مثل موزمبيق، زيمبابوي، بوتسوانا، بنين، الكونغو.

أحد أكبر هذه المشاريع كان في ويندهوك وهو نصب تذكاري شاهق الارتفاع من البرونز لجندي مجهول يحمل بندقية يقف أمام إحدى المسلات.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة