الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف تمكنت طهران من إغواء وتجنيد الأفغان الشيعة للقتال في سوريا؟

اللعب على وتر الدين والاقتصاد

ترجمة كيو بوست –

المصدر: مجلة “ذي غلوب بوست” الأمريكية، بقلم الباحثة السياسية ناكيسا جهانباني.

يواصل الحرس الثوري الإيراني سياسة تجنيد الأفغان الشيعة للقتال في سوريا منذ 5 سنوات، ما يعني أن كابول ستواجه قريبًا مخاطر التعامل مع المقاتلين العائدين، فضلًا عن التداعيات الجيوسياسية الناجمة عن أمّة ذات ولاءات مزدوجة. إن هذه السياسة جزء هام بالنسبة لطهران التي تسعى إلى تحقيق نفوذ كبير في منطقة الشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا: كيف ننظر إلى الميليشيات الإيرانية في المنطقة العربية؟

في الحقيقة، بدأت طهران بتجنيد الأفغانيين منذ عام 2012، وعملت على نقلهم إلى أراضيها، ووضعتهم في وحدات خاصة ضمن “ألوية الفاطميين” التابعة للحرس الثوري الإيراني. ووفقًا للمعلومات المتوفرة، الكثير من المجندين أطفالٌ لا تتجاوز أعمارهم 14 عامًا. القائمون على التجنيد يستهدفون في المقام الأول الجماعات الأفغانية الشيعية غير الموثقة، والمحرومة اقتصاديًا، بمن فيهم طائفة الهزارة الشيعية. وقد اشتدت وتيرة التجنيد لتصبح عابرة للحدود، إذ بدأت أولى عمليات التجنيد باستهداف الأفغان المهاجرين إلى إيران، ثم انتقلت إلى قلب أفغانستان، وغيرها من الأماكن المجاورة. ومن الملاحظ أن العام المنصرم شهد الكثير من عمليات التجنيد العابرة للحدود، على خلاف الأعوام الأربعة السابقة.

ومن بين المجندين الأفغان، شكلت طهران كتيبة أفغانية مكونة من 15,000 مقاتل، وأرسلتها للقتال إلى جانب الرئيس بشار الأسد. وحسب المعطيات المتاحة، تمكنت إيران من إقناع الأفغانيين المهمشين والفقراء بالذهاب إلى سوريا من خلال تقديم وعود بالمال، والإقامة الدائمة في طهران، والبركات الدينية، وغيرها من وسائل الجذب والتجنيد.

 

لماذا يرضخ الأفغان للتجنيد الإيراني؟

يوافق الكثير من الأفغان على القتال إلى جانب الأسد لأسباب اقتصادية ودينية، استجابة للوعود التي يقدمها الإيرانيون. في الواقع، من المحتمل أن يواجه الأفغانيون العقد الثالث من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في البلاد. كما أن انسحاب قوات الناتو عام 2014 ترك الكثيرين عاطلين عن العمل. علاوة على ذلك، يشهد النمو الزراعي والانتعاش الاقتصادي بطئين شديدين بسبب عوائق الاستثمار الخاص الناجمة عن عدم الاستقرار.

اقرأ أيضًا: مؤسسة أمريكية تكشف معلومات صادمة حول وكلاء إيران في المنطقة العربية

في الحقيقة، أكثر من نصف السكان يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، الأمر الذي دفع الرجال الأفغان إلى السعي للعثور على مصدر دخل مستقر في إيران، فضلًا عن الإقامة فيها. وبحسب التقارير، كل أفغاني يقوم بـ”جولة” مع المليشيات الإيرانية، يحصل على شيك شهري قدره 600 دولار أمريكي، ما يمثل ثروة بالنسبة للكثيرين.

وبالإضافة إلى الحوافز المالية، يتحدث ضباط الحرس الثوري أمام الأفغان عن الحوافز الدينية الشيعية خلال عمليات التجنيد، الأمر الذي حث الكثيرين على السعي نحو الاستفادة من “الفوائد الروحانية”، الناجمة عن “حماية الأضرحة الشيعية الدينية”، التي جرى “طمسها” من قبل السنّة.

 

العودة إلى أفغانستان

عندما ينتهي المجند الأفغاني من “الجولة” مع “لواء الفاطميين” ويعود إلى أفغانستان، يجد نفسه في المستنقع القديم ذاته؛ البطالة والفقر، الأمر الذي يجبره على الاشتراك في “جولة” أخرى مع اللواء الإيراني. وبهذه الطريقة، يضمن الإيرانيون استمرار عمليات التجنيد، واستمرار التأثير الإيراني في أفغانستان. وبفضل هذه السياسة، تتمتع طهران بقدرة هائلة على إمداد الأسد في سوريا بمقاتلين أفغان شيعة. ومن الجدير ذكره أن هذه الآلية أعطت الإيرانيين اليد العليا على الشيعة القاطنين في أفغانستان بشكل عام. ومن اللافت أيضًا أن بعض المقاتلين الأفغان لم يعودوا إلى الوطن، بل فضلوا الإقامة مع عائلاتهم في إيران “الصديقة”، الأمر الذي يقلق الحكومة الأفغانية المركزية إزاء “الولاء المزدوج” لهؤلاء المواطنين.

اقرأ أيضًا: كيف وصلت الدبابات الأمريكية إلى الميليشيات الإيرانية في العراق؟

تتمتع إيران اليوم بميزة القدرة على تسليح مجموعة من الناس في أفغانستان، والحفاظ عليها كمجموعة انتقالية، تعمل حسب الطلب، قادرة على زعزعة استقرار الحكومة الأفغانية. وبحسب مقاتلين من طائفة هزارة، فإن الإيرانيين يستغلون أفراد الطائفة كـ”ذخيرة للمدافع” من أجل الفوز بـ”لعبة أكبر” في كابول. وبالفعل، ربما تتعاون هزارة مع الحكومة الإيرانية لأسباب اقتصادية ذاتية، لكن كابول قد تثبط الطائفة عن الاستجابة لعمليات التجنيد، من خلال دمجها في جهود التنشيط الاقتصادي في أفغانستان.

 

التأثير الإيراني في أفغانستان

لدى إيران تأثير تاريخي كبير في شمالي أفغانستان وغربها، إلا أن التركيز ينصب على المناطق الغربية. لقد تغلغلت طهران في فراغ السلطة الأفغاني الذي أعقب الغزو الأمريكي، إذ قام الضباط الإيرانيون بتجنيد وتمويل وتسليح وتدريب مقاتلي طالبان، وشنت بمساعدتهم هجمات عدة في أفغانستان منذ عام 2017.

منذ غزو عام 2001، أطلقت الحكومة الإيرانية سياسة ذات شقين تجاه جارتها؛ فقد ركزت وزارة الخارجية الإيرانية على التأثير الاقتصادي والثقافي، بينما ركز الحرس الثوري على تعزيز الأنشطة السرية مثل الشراكات مع طالبان والتسلل إلى قوات الشرطة الأفغانية، وحتى إلى الحكومة. في الحقيقة، حققت طهران قوة ناعمة كبيرة في أفغانستان من خلال إنشاء المساجد والمدارس الموالية لإيران.

اقرأ أيضًا: مقتل جنرال إيراني يكشف معلومات خطيرة حول فيلق القدس السري

 

الخلاصة

تبنت إيران سياسة طويلة الأمد قائمة على ترسيخ الميليشيات الشيعية في المنطقة. وقد نجحت في تأسيس ميليشيات مماثلة في العراق ولبنان وباكستان ونيجيريا واليمن وغيرها من دول المنطقة. وبفضل أذرعها في الشرق الأوسط، تمتلك إيران فرصة فعلية لتحريك أتباعها لزعزعة استقرار البلدان من خلال نبش الصراع الطائفي، بل والمساعدة في الوصول إلى مواقع هامة في الدول. ويمكن لها كذلك تحويل المقاتلين ضد الدول المجاورة من خلال “تصدير الثورة الشيعية”، ما يوفر لها فرصة فريدة لممارسة نفوذ إقليمي كبير.

على المدى القصير، تستخدم طهران هذا التأثير لدعم نظام بشار الأسد من خلال توفير المقاتلين والموارد المالية، لكن على المدى الطويل، ستستفيد إيران من وضعها المتنامي في المنطقة لتشكيل مخاطر على الدول الأخرى.

 

المصدر: مجلة “ذي غلوب بوست” الأمريكية

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة