الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةملفات مميزة
كيف تمدد تنظيم داعش إلى جنوب شرق آسيا؟
تنظيم داعش يشد الرحال إلى جنوب آسيا

خاص كيو بوست –
في أوائل شهر أكتوبر تشرين أول الماضي، أشار رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة، خيرت عماروف، إلى أن مقاتلي تنظيم داعش، يفرّون من مناطق سوريا والعراق، ويحولون أموالهم إلى مناطق أخرى متفرّقة، على وجه الخصوص في جنوب شرقي آسيا.

ترافقت تحذريات عماروف، مع توالي تحرير المناطق التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق. ومع تصعيد إعلامي لقضية مسلمي الروهينغا، واستحواذها على جزء لا بأس منه من بيانات القاعدة وداعش، فقد تعاطت التنظيمات الإرهابية مع إشكالية سياسية في بورما، ونظرت إليها على أساس أنها حرب على الإسلام والمسلمين، وأن الجهاد هناك أصبح فرض عين على كل مسلم.
ففي سبتمبر الماضي، أصدرت القيادة العليا في تنظيم القاعدة بيانًا جاء فيه: “ندعو كافة المجاهدين الإخوان، في بنغلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين، إلى التوجه إلى بورما (ميانمار) لمساعدة إخواننا المسلمين، والقيام بالاستعدادات الضرورية من تدريب وما شابه ذلك، لمقاومة القمع والاضطهاد”.
يذكّرنا ذلك ببداية نشأة هذه التنظيمات في سوريا وما رافقها من فتاوى وتحويل للأموال وتحريض ديني، الأمر الذي يضيف أهمية كبيرة لما أشار إليه عماروف.
وعن تجارب سابقة، وجدت التنظيمات الإرهابية على الدوام في المناطق الرخوة سياسيًا واقتصاديًا، ملاذًا آمنًا لنشاطاتها. فبعد أن كانت القارّة الإفريقية هي الملاذ الأول لتلك التنظيمات، بسبب انتشار الفقر وخروج بعض المناطق فيها من تحت سيادة الدولة، كما حدث في السودان والصومال ونيجيريا.

كما أن اندحار الإرهابيين في سوريا والعراق، دفعهم للبحث عن قاعدة جغرافية أخرى، تحافظ على وجودهم بالقرب من أهداف دولية، قد تساعد تنظيم القاعدة وداعش، في حال قيامهم بعمليات نوعية، في رفع معنويات أعضائهم، وإعادة الصورة الأسطورية لفلولهم المهزومة، ومن ثم استخدام تلك الهزّة الإعلامية في استقطاب وتجنيد أعضاء جدد من كافة أنحاء العالم.
في وقت سابق، كان لتنظيم القاعدة نفوذ واسع على ساحل اليمن الجنوبي، وقام عناصره في العام 2000 باستهداف المدمرة الأمريكية “يو أس أس كول”، وأسفر الهجوم عن مقتل 17 بحارًا أمريكيًا. احتفى تنظيم القاعدة بتلك العملية، واعتبرها نصرًا مؤزّرًا زاد من شعبية التنظيم بين المتطرفين.
كما ويوجد في بورما أهداف تجارية يسهل ضربها، منها خط أنابيب نفطية افتتح بداية العام الحالي، يمر عبر ميانمار ويصل إلى المقاطعات الصينية غير الساحلية. وتبرز أيضًا أهمية سواحل ميانمار، كونها مطلة على السفن العسكرية والتجارية التي تجوب المياه والمحيطات، ولهذا، فإن استهداف تلك القطع البحرية يحقق للقاعدة أهدافًا استراتيجية وإعلامية، كتلك التي حققتها في ساحل عدن.
وهي الفرصة التي تبحث عنها التنظيمات المتطرفة لتقوية نفوذها في أماكن مضطربة جديدة، ساعدت وسائل إعلام عربية ودولية في تأجيجها. في الوقت الذي رفض فيه ممثلون عن مسلمي الروهينغا تدخل تنظيمات متطرفة كداعش والقاعدة في قضيتهم.
جنوب آسيا.. أرضية داعش الخصبة
تعتبر دول جنوب آسيا أرضًا للخلايا النائمة من تنظيمي داعش والقاعدة، ففي يوليو 2016 استهدف التنظيم مطعماً في العاصمة البنغالية “دكا”، خلّف التفجير حينها 18 قتيلاً أجنبيًا. وفي فبراير من هذا العام استهدف كمين لداعش على حدود تركمانستان موكبًا للجنة الدولية للصليب الأحمر. في حين أن منفذ عملية رأس السنة التي نفذها داعش في اسطنبول، ترجع أصوله بحسب التحقيقات، إلى أصول أوزبكية.
بالإضافة إلى عمليات أخرى، وقعت في جاكرتا وكوالامبور وجزيرة جاوة الإندونيسية أحداث وتفجيرات نسبت لتنظيم داعش.
كما قام التنظيم باستهداف ضريح صوفي هذا العام، في إقليم السند الباكستاني، وأسفرت العملية عن مقتل 75 شخصًا على الأقل.
من جانب آخر، تحدثت تقارير إعلامية، عن انضمام آلاف المقاتلين من جنوب شرق آسيا لتنظيم داعش، وذهابهم للقتال في سورية والعراق، وهو ما أظهرته فيديوهات التنظيم المصورة.
كما نقلت صحيفة “جاكرتا غلوب”، منتصف العام الجاري، عن وجود 500 مقاتل إندونيسي في صفوف داعش داخل سورية والعراق.
وتعتبر الفلبين كنز داعش الثمين في جنوب آسيا، فقد احتل عناصره منتصف العام الحالي، مدينة مراوي، وسيطروا على جميع المقار الحكومية في المدينة، وقاموا ببث فيديوهات لتدريب عناصره، في معسكر أبو أنس المهاجر جنوب البلاد.
من سورية إلى الفلبين
نشرت قناة “بي بي سي” تقريرًا مصورًا يظهر ما أسمته القناة بـ”الصفقة القذرة” مع عناصر داعش التي كانت تسيطر على مدينة الرّقة، فقد أفاد سائقو الشاحنات بأنهم نقلوا على مدار أيام، مئات الإرهابيين وأسلحتهم، من بينهم قادة كبار في التنظيم.
ترافقت الصفقة، بعد أسئلة كثيرة طُرحت عن مكان ذهاب الإرهابيين، بعد تحرير المدن التي كانوا يسيطرون عليها في العراق.
إلا أن مراقبين قدّروا أن اختفاء عناصر التنظيم، لم يكن إعلانًا للتوبة، أو إقرارًا بالهزيمة التي تلقوها. فعناصر داعش مصنفون على أنهم الأكثر جذرية من بين أفراد الحركات الجهادية، والأكثر التزاماً بتوجيهات التنظيم.
التنظيم الأغنى في العالم، والذي سيطر على بنوك، ونهب مدخراتها، واستفاد من تجارة النفط، كوّن ثروة ضخمة، وحاول من قبل توجيه عناصره وثروته إلى ليبيا، لكن تلقيه ضربة مضادة هناك، دفعه إلى التراجع عن تلك الفكرة.

لذلك توجّه التنظيم إلى الفلبين حيث النقطة الأضعف في حلقة جنوب آسيا، بسبب وجود جماعات انفصالية متشددة فيها؛ أربعة منها بايعت التنظيم علانية في 2016، أبرزها جماعة أبو سيّاف.
كما وأن وجود التنظيمات الانفصالية على حدود الفلبين مع ماليزيا، جعلها أكثر استقرارًا وأمنًا في تحركاتها، وبعيدة عن أعين الحكومة المركزية، بحسب موقع Rappler.com.
وتعتبر جزيرة مندانو الفليبينية المقر الرئيسي غير المعلن للجهاديين ومركز نشاطهم في تلك المنطقة، في حيز شبه مستقل، يسهل حركتهم.
بالإضافة إلى وجود الحاضنة، عوامل أكثر تساعد التنظيم على التوغل في تلك المنطقة، ومنها العامل الجغرافي، فالفلبين ودول الجوار، ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وبورما، مكونة من جزر منفصلة، مما يجعل من السهولة إقامة ثكنات عسكرية منشقة فيها، واكتسابها حرية الحركة البرية والبحرية، وتسميتها بـ”الإمارات”، على شاكلة ما حدث في شبه جزيرة سيناء.