الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

كيف تعمل روسيا على زيادة نفوذها وتأثيرها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

كيف تستغل روسيا الأزمات لتوسيع نفوذها؟

ترجمة كيو بوست –

نشر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيراكيوز الأمريكية د. إسحاق كفير مقالة في مجلة “بوليسي فورم” الأسترالية، يتحدث فيها عن الإستراتيجية الروسية الهادفة إلى توسيع نفوذها في  منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعتقد “كفير” أن موسكو تستغلّ الأزمات بشكلٍ رئيس للتغلغل في مختلف البلدان، مستفيدةً من غياب السياسة الأمريكية الفعالة، وتركيز الرئيس الأمريكي “المغرور” على “مجده الشخصيّ” بدلًا من المصالح الوطنية العليا.

 

لقد حققت روسيا استفادة عظمى من الأزمات المستعرة في الشرق الأوسط، من دمشق إلى طبرق، وتمكّنت من استعادة موطئ قدمٍ لها عبر شرق البحر الأبيض المتوسط، مستغلة اللهو الغربيّ المُحيّر.

وقّعت روسيا ومصر الشهر المنصرم على اتفاقٍ يسمح للطائرات الروسية باستخدام القواعد الجوية المصرية والمجال الجوي المصري للأغراض العسكرية، مقابل منح الحقوق ذاتها للطائرات المصرية في روسيا. ولكن المؤكد هو أنّ الروس وحدهم المستفيدون؛ فالمصريون لن يضطروا لذلك أبدًا.

تُظهر معالم الاتفاق بشكل جليّ أن روسيا في طريقها إلى إعادة تأكيد نفسها في الشرق الأوسط، في ظل الأنشطة الروسية الأخرى في المنطقة.

خلال زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى القاهرة، اتفق الطرفان على إتاحة المجال للقوات الروسية والمصرية تنفيذ عمليات مكافحة إرهاب في سيناء. وجرى توقيع هذا الاتفاق الجديد استنادًا إلى اتفاق سابقٍ بشأن تدريبات روسية مصرية مشتركة حول مكافحة الإرهاب، عُرفت باسم “حماة الصداقة” آنذاك، جرى تنفيذها في شهر سبتمبر/أيلول 2017 في مدينة نوفوروسيسك الروسية.

وبعد يومين، حققت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين توقيع اتفاقية تنصّ على قيام شركة الطاقة الذرية الروسية “روساتوم” ببناء محطةٍ للطاقة النووية في الضبعة، على بعد حوالي 140 كم غرب الإسكندرية. وستقوم “روساتوم” كذلك ببناء مستودعٍ لتخزين القضبان النووية المستهلكة، على أن ينتهي العمل من المشروع بحلول عام 2028.

وخلال زيارته، أعلن بوتين عن استعداد وكالة الأمن الفدرالية الروسية لإنهاء تعليق الرحلات الجوية بين موسكو والقاهرة، الذي فُرِض في أعقاب إسقاط طائرة ميتروجيت، من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في أكتوبر/تشرين أول عام 2015. وأشار بوتين إلى أن تجديد الرحلات التجارية يهدف إلى تشجيع السياحة الروسية في مصر.

وفي شهر أغسطس/آب عام 2017، أوقفت الولايات المتحدة تحويل مبلغ 95 مليون دولار من المساعدات إلى مصر، بسبب “مخاوفٍ تتعلق بحقوق الإنسان”. وفي غضون ساعات، ألغى وزير الخارجية المصري سامح شكري اجتماعه مع جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكيّ.

حصلت جميع هذه الأحداث في إطار حملة بوتين الماكرة لاستعادة النفوذ الروسيّ في شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا.

لقد تبنى بوتين إستراتيجية استغلال الأزمات للحصول على موطئ قدمٍ في المنطقة؛ الأزمة المالية في قبرص، والحرب الأهلية في روسيا، وأزمة رئاسة ترامب، وانعدام فعالية سياسته الخارجية بمصر.

يعمل الروس على توسيع نفوذهم دون الاهتمام بسجلّ حقوق الإنسان في البلدان المستهدفة. كما ويبيعون الأسلحة بتكلفةٍ منخفضة، تمامًا كما فعلوا بصواريخ الدفاع الجويّ المتقدمة التي باعوها إلى تركيا والمملكة العربية السعودية، الحليفتين الهامّتين للولايات المتحدة.

ومن أبرز إنجازات روسيا في مجال النفوذ والتأثير، تمكّنها من الحفاظ على نظام بشار الأسد، الأمر الذي يضمن لها ديمومة الوصول إلى طرطوس، وإلى قاعدتها الجوية بالقرب من اللاذقية، مما يعطيها موقعًا إستراتيجيًا هامًا في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبالتأكيد، فإن دعم الأسد يعني التبعية السورية الدائمة لموسكو، وما يتلوها مع نفوذٍ وتأثيرٍ في المنطقة.

لقد تمكنت روسيا من بناء قوسٍ من النفوذ على طول شرق البحر الأبيض المتوسط، من تركيا إلى ليبيا؛ فقد نجح بوتين في إقامة علاقاتٍ مع المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطنيّ الليبي، حليف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومنافس فايز مصطفى السراج المدعوم من الأمم المتحدة. من الواضح أن موسكو عزمت على الاستثمار بعلاقاتٍ مع كل ما يسمح لها بالتوسّع والحدّ من النفوذ الأمريكيّ.

هنالك تصورٌ عامٌ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأن السياسية الأمريكية فوضوية ومضطربة، وأن واشنطن حليفٌ لا يمكن الاعتماد عليه. وقد تعزز هذا الانطباع لدى دول المنطقة في أعقاب تسلم دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، إذ أشار رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكيّ إلى أن “الولايات المتحدة تحولت، تحت حكم ترامب، من مٌصلِح إلى مُخرِّب للنظام العالمي”.

لقد أدركت موسكو أن الرئيس الأمريكي الحالي يضع مجده الشخصيّ فوق كل اعتبار، وأن أفضل طريق لاستثارة الجانب الجيد منه هو مغازلة غروره وكيل المديح له. وهذا ما تفعله كثير من الدول للحصول على رضا الرئيس الأمريكي. وبالطبع، هذا التصوّر حوْل رئيس الولايات المتحدة يساعد الروس في كثيرٍ من الأحيان، إذ لا يُقدّمون أيّ وعودٍ على الإطلاق، بل يصبّون جام تركيزهم على المناورات السياسية والمصالح الأمنية الوطنية، وبالتحديد، توسيع النفوذ الروسيّ.

ولهذا السبب، كانت روسيا مستعدة لمساعدة رئيس مصرفٍ ليبيّ، موالٍ للمشير حفتر، في طباعة 4 مليارات دينارٍ ليبيّ من الأوراق النقدية، في الوقت الذي دعم فيه صندوق النقد الدوليّ فايز السراج. ونتيجة لذلك، ظهرت تقارير أفادت بأن روسيا نشرت قوات خاصة في غرب مصر، على طول الحدود مع ليبيا، المنطقة التي يسيطر عليها حفتر.

لقد اختارت موسكو الانخراط في ليبيا منتعشةً بنجاحها في سوريا، وتأمل الآن بالتفاعل مع مختلف الأطراف الليبية الفاعلة لإنهاء الفوضى في البلاد، الأمر الذي يعني نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا منقطع النظير، على ضوء المبادرات الفاشلة التي تقودها الأمم المتحدة ويدعمها الغرب.

ومن خلال التفاعل مع كلا الغريمين حفتر وسراج، ستضمن روسيا لنفسها دورًا مستقبليًا في البلاد، وهذا هو المفتاح الذي يخفيه فلاديمير بوتين.

لقد تمسّك بوتين منذ توليه الرئاسة عام 2000 بنصيحة الفيلسوف الإيطاليّ “نيكولو ميكافيلي” الذي قال إن “على الدول أن تضع مصالحها الوطنية فوق كل اعتبار”. وبالفعل، تمكّنت موسكو تحت حكم بوتين من توسيع النفوذ الروسيّ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، وهذا يعيدها بقوّة إلى زمن التسعينيات.

وخلاصة القول، تمكّن بوتين من تأمين وجودٍ روسيّ دائم في سوريا، ووصولٍ عسكريّ في مصر، ونفوذ ماليّ داخل الاتحاد الأوروبي، وسيطرة نقدية على بنوك قبرص، وحصّة قوية في مستقبل ليبيا. ومن خلال الاستثمار في مصر وليبيا، تتطلع روسيا الآن إلى شمال أفريقيا.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة