الواجهة الرئيسيةترجمات
كيف تعتمد إيران على الشيعة لإثبات نفوذها الإقليمي؟
أقامت إيران شبكة من التحالفات في الشرق الأوسط مع حركات شيعية متنوعة توحدها براغماتية الجمهورية الإسلامية أكثر من الدين

كيوبوست- ترجمات
منذ عام 2011، اكتسبت إيران نفوذًا إقليميًّا لا مثيل له وأصبحت قوة لا يمكن إنكارها في الشرق الأوسط؛ حيث لم تعد سياسة طهران دفاعية كما في الفترة التي تَلَت حربها مع العراق، بل امتدت طموحاتها التوسعية إلى خارج حدودها، ساعدها في ذلك انسحاب جزء كبير من القوات الأمريكية من العراق عام 2011 والحرب ضد “داعش”؛ وهو ما سمح للإيرانيين بدخول مسارح العمليات السورية والعراقية، سواء بشكل مباشر عبر إرسال قوات من “فيلق القدس”، أو بشكل غير مباشر من خلال الاعتماد على وكلائها في المنطقة (حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية على وجه الخصوص).
اقرأ أيضًا: نظرة إلى الوراء.. علاقات “حماس” وإيران عبر التاريخ
تدريب وتأهيل
بقتلها قاسم سليماني، هذا الجنرال “الأسطوري” في عيون الإيرانيين وعديد من الشيعة في المنطقة، قطعت الولايات المتحدة أحد سُبل التأثير الإقليمي للسياسة الإيرانية.
السبب بوضوح؛ لأن قاسم سليماني كان مهندس السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط، وهو الذي نسَّق تجمع الميليشيات والأحزاب والمؤيدين من جميع الأنواع حول إيران.
“فيلق القدس” الذي كان يتزعمه سليماني، كان يوفر الأسلحة والتدريب، فضلًا عن قدرته على صناعة تشكيلات متحالفة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
اقرأ أيضًا: هل يخترق “الموساد” الإسرائيلي إيران بالفعل؟
هذه الجماعات، التي يتم تخيلها في بعض الأحيان كدولة شيعية تعارض كتلة سُنية مزعومة في بعض دول المنطقة، ما هي في الواقع إلا مجموعة من المنظمات المندمجة إلى حد بعيد في استراتيجية النفوذ الإيراني، والذي يعتمد بشكل أساسي على المجموعات المنبثقة عن الجماعات الدينية الشيعية (تشكل نحو 10٪ من المسلمين في العالم).
في وقت مبكر من عام 1979، لم تكن خطة الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية التي تَلَت ذلك تعتمد على الطائفية؛ حيث زعمت إيران حينها أنها تقود الأمة الإسلامية ضد أعدائها؛ أي الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ لكن سرعان ما أُحبطت تلك المزاعم بالكشف عن عدائها للعراق السُّني الذي كان يتزعمه صدام حسين، ودعمها النظام العلوي الذي كان يتزعمه حافظ الأسد.

الهلال الشيعي
اليوم، يعترف معظم حلفاء إيران بإيمانهم الشيعي؛ خصوصًا بعد الإطاحة بصدام حسين وإقامة سلطة شيعية في العراق، إلى جانب التحالفات القديمة مع “حزب الله” اللبناني، والنظام العلوي لأسرة الأسد؛ وهو ما دفع بملك الأردن عبدالله الثاني، إلى انتقاد ما وصفه بـ”الهلال الشيعي” تحت الوصاية الإيرانية عام 2004.
ومع ذلك، فإن مصطلح “الهلال الشيعي”، الذي يُستخدم الآن على نطاق واسع، يرفضه بعض الباحثين؛ حيث أوضح فينسنت إيفلنج، الباحث في جامعة بروكسل الحرة: “لقد كنت دائمًا أعتبر أن هذا المصطلح لم يأخذ في عين الاعتبار بشكل خاص الخصائص السياسية والاجتماعية والوطنية، وحتى الدينية”.
بالنسبة إلى هذا الباحث، فالمجتمعات الشيعية ليست متحدة خلف إيران، في العراق مثلًا وهو بلد شيعي بنسبة 60٪، يمثل آية الله السيستاني أعلى سلطة دينية في البلاد، ويقدم صوتًا مختلفًا عن صوت رجال الدين الإيرانيين. بالإضافة إلى ذلك، تتغلغل القومية العربية داخل الشيعة العراقيين بقوة، وعديد من الحركات الشيعية العراقية معادٍ بشدة لإيران؛ مثل الحركة الصدرية التي ينتمي إليها مقتدى الصدر.
اقرأ أيضًا: كاتب اسكتلندي يشرح العلاقة بين “جحيم اليمن” و”طموحات إيران”
من جهته، يفضل الجغرافي برنارد هوركيد، مصطلح “الأرخبيل” بدلًا من “الهلال” ، والذي يستبعد فرضية الامتداد الإقليمي؛ لكنه يركز على خصوصية الدعم، فإذا كان مؤيدو إيران هم من الشيعة بشكل أساسي، فليس العامل الديني هو الجامع بينهم فقط؛ خصوصًا أن هناك مؤيدين لإيران من المسيحيين في أرمينيا مثلًا، وبعض السُّنة الطاجيك في أفغانستان والأكراد في العراق.
تجمع هذا الأرخبيل جهات فاعلة مختلفة؛ تختلف في درجة تكاملها، حيث يشكل “حزب الله” اللبناني “جوهرة هذا الأرخبيل”؛ من خلال صواريخه التي يبلغ عددها 130000 صاروخ وميليشيا محنكة تأسست في عام 1982، خلال الحرب الأهلية، بدعم من إيران، واكتسبت مهارة عسكرية خلال مشاركتها في الحرب في سوريا، هذا المكون يشكل تهديدًا على إسرائيل.
في العراق، هناك ميليشيات الحشد الشعبي؛ ومن بينها كتائب “حزب الله” (النظير العراقي لـ”حزب الله” اللبناني)؛ برزت قوة هذه الميليشيا التي قُتل زعيمها أبو مهدي المهندس مع قاسم سليماني، بعد نشرها 10000 رجل في العراق وسوريا، وبأوامر مباشرة من الحرس الثوري.

الأيديولوجية الإيرانية
إن السياسة الخارجية لإيران مهمومة بالحفاظ على الوطن والدفاع عن مصالحها أكثر من اهتمامها بالدفاع عن المسلمين الشيعة.
إذا استدعت إيران هذا الخطاب، فهو من أجل تعبئة الجماهير في المقام الأول؛ خصوصًا في سوريا، حيث كان تدخل “فيلق القدس” (مدعومًا بعناصر من “حزب الله” اللبناني، و”حزب الله” العراقي، والميليشيات الأفغانية)، مبررًا بهدف الدفاع عن الأماكن المقدسة للشيعة.
لا شك أن أعدادًا من الميليشيات الموالية لإيران تُظهر تمازجًا أيديولوجيًّا مع إيران، وتعترف بالوصاية الدينية؛ فـ”حزب الله” اللبناني مثل نظيره العراقي وغيره من ميليشيات مسلحة تعترف بمفهوم ولاية الفقيه الذي طوَّره آية الله الخميني في إيران؛ هذا المصطلح في الشريعة الإسلامية يعطي رجال الدين الأولوية على السلطة السياسية.
اقرأ أيضًا: البرلمان الألماني يتحرك لحظر أنشطة “حزب الله”
بالنسبة إلى لورنس لور، الأستاذ المشارك في “Science Po”، والمتخصص في الشيعة، فإن “الأيديولوجية الدينية الشيعية تلعب دورًا أقل أهمية اليوم؛ الأهم من ذلك كله هو إضفاء الشرعية على المصالح التي تشكل في الواقع حسابات الربح والخسارة”.
هناك عديد من الحركات الشيعية المدعومة من إيران في المنطقة، وكانت تلك الحركات موجودة يومًا ما في الجمهورية الإسلامية؛ كما هي الحال في أفغانستان أو الخليج، هذه الحركات تطلب دعمًا إيرانيًّا لتقوية نفسها، و”تستخدم إيران تلك الجماعات الشيعية المحلية لتجنب التورط مباشرةً في قضاية خارجية وبتكلفة منخفضة، هذه الميليشيات هي الضامن الوحيد لسياسة النفوذ الإقليمي”، حسب ماثيو بوكستون، باحث مختص في الحركات الشيعية.
تشكل هذه السياسة الخارجية استثمارًا كبيرًا للبلاد، بالنسبة إلى لورنس لور: “سياسة التأثير الإقليمية الإيرانية تجلب أيضًا عديدًا من الفرص الاقتصادية في تلك البلدان”، ويستشهد بالعراق كمثال؛ حيث تسيطر الميليشيات على الحدود العراقية السورية، وتعمل في شبكات التهريب، كما تسيطر على مفاصل الاقتصاد.
المصدر: لوفيجارو