شؤون عربية
كيف تستحوذ تركيا على الأسواق الصغيرة؟ تونسيون يحتجون
الحملة سلطت الضوء على سياسات تركيا الخارجية

كيو بوست –
حملة إلكترونية على موقع “فيسبوك” أنشأها ناشطون تونسيون تدعو إلى مقاطعة البضائع التركية. وجاءت هذه الحملة بعد انتشار زجاجات مياه معدنية مصنوعة في تركيا في مراكز تجارية ضخمة داخل تونس، الأمر الذي اعتبره النشطاء تقليصًا لفرص عرض المنتجات التونسية في السوق المحلية، خصوصًا مع وجود بدائل محلية.
وقد دعم حملة المقاطعة العديد من الشخصيات التونسية العامة، إذ أعلنوا مقاطعتهم لجميع البضائع التركية في السوق التونسية، من أجل إفساح المجال للمنتج المحلي.
وكانت الحكومة التونسية قد علّقت في ديسمبر/كانون أول 2017 العمل باتفاقية التبادل التجاري بين تونس وتركيا، دون إلغائها، بعد تفاقم العجز التجاري التونسي في المعاملات بين البلدين لصالح المنتج التركي، الأمر الذي رافقه إعراض كبير عن المنتج المحلي التونسي، مما أصاب المنتجين الوطنيين بحالة من التراجع، وتضررت بسببه المؤسسات التونسية المتوسطة والصغرى.
وقد قدّر خبراء اقتصاديون حجم الخسائر التونسية -نتيجة حالة الإغراق التي يمارسها المصدّرون الأتراك- بقرابة 1.5 مليار دولار. كما اعترض النشطاء على 3 اتفاقيات أخرى، وقعها أردوغان مع التونسيين أواخر العام الماضي، تسببت بتراجع الإنتاج التونسي بشكل كبير حسب ما يقولون.
هل تنجح الحملة؟
وترافقت حملة المقاطعة، مع إحصاءات أجراها “المعهد الوطني للاستهلاك” أفادت بأن 29.5% من التونسيين يقبلون على المنتج التونسي، على الرغم من وجود منتج أجنبي مشابه له. ومن ضمن نتائج البحث أن 85.5% من التونسيين يقومون بالتثبت من بلد منشأ المنتج قبل شرائه، وهو ما يُرجّح نجاح حملة المقاطعة الأخيرة، بسبب وعي التونسيين وتفريقهم بين المنتج الوطني وغيره من المنتجات التركية والأجنبية المستوردة.
وقد نشر نشطاء الكثير من التغريدات التي تهاجم البضائع التركية وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، قائلين إن علاقات الأتراك هي علاقات مع جماعة الإخوان التونسية فقط، مقارنين ذلك بما فعله الإخوان في سوريا الذين يقاتلون ضد وطنهم إلى جانب الجيش التركي.
فيما انتشرت على “فيسبوك” الكثير من المنشورات لنشطاء تونسيين، توضح مدى انتشار البضائع التركية في السوق، على الرغم من وجود بديل وطني. وتداولت الكثير من التقارير الاقتصادية معلومات عن وجود مفارقات عبثية في سير المعاملات التجارية بين تونس وتركيا.
وفتحت تلك الحملة مجموعة من النقاشات حول جدوى الاستيراد الخارجي في ظل وجود منتج محلي؛ إذ ذكر الناشطون أنه على الرغم من وجود مصنع الفولاذ لإنتاج الحديد والصلب في بنزرت (تأسس عام 1962)، وقيامه بتغطية جميع حاجيات السوق المحلية التونسية، وتصدير جزء من إنتاجه، إلّا أنه يجري منذ عام 2013 عقد صفقات كبرى مع تركيا لاستيراد الحديد ومشتقاته!
الجدير بالذكر أن المصنع ينتج 500 ألف طن من الفولاذ سنويًا، ويعمل به ما يقارب ألف عامل وخبير تونسي.
استحواذ تركيا على الأسواق الصغيرة
ترافقت حملة المقاطعة التونسية للبضائع التركية مع تنامي تحذيرات الاقتصاديين في العديد من الدول، من أن المشروع السياسي التركي -بقيادة حزب العدالة والتنمية- بات يعاني من ضيق أفق بسبب العلاقات التركية السيئة مع دول الجوار، والدول العربية الكبرى، مثل العراق وسوريا والسعودية والإمارات ومصر، مما انعكس سلبًا على تصدير المنتجات التركية لتلك الدول.
وهكذا، أصبح المنتج التركي -بسبب عدم مقدرته على منافسة المنتجات الغربية- يبحث عن بدائل اقتصادية صغيرة، في دول أفريقيا، ومناطق أخرى، مثل تونس وموريتانيا وقطر، في محاولة لتعويض إغلاق الأسواق الكبرى في وجهه.
يذكر أن هذا النهج بدأ مع زيارات أردوغان المكثفة لتلك الدول، وتركيزه على إبرام اتفاقيات تبادل تجاري، حذّر منها خبراء اقتصاديون، بسبب سياسة الإغراق التي يقوم بها المصدرون الأتراك لتلك الدول، في حال فتحت الأسواق أمامهم، بالإضافة إلى عدم وجود منتجات في تلك الدول قادرة على منافسة المنتج التركي، مما يضع المنتجات التركية على قائمة الاستهلاك من قبل المواطن، لينعكس ذلك سلبًا على شراء المنتج الوطني، وبالتالي إصابة الميزان التجاري بسوء كبير لصالح المنتج التركي، وهو ما حدث في تونس في الفترة الأخيرة، عندما قامت بتعليق العمل باتفاقيات التبادل التجاري.
وسبب آخر يجعل الميزان التجاري لتلك البلدان ذات الاقتصاد المتواضع نسبيًا يختل لصالح تركيا، هو عدم إقدام المواطن التركي على شراء منتجات تلك البلدان في حال تصديرها إلى تركيا.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى جعل فعالية الاتفاقيات الاقتصادية تجري باتجاه صالح طرف وحيد (تركيا)، مع خسارة الطرف الآخر، سواء في حالة التصدير أو الاستيراد.