الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

كيف تتعامل الهند مع الإسلام السياسي؟

كيوبوست

أديتي بهادوري♦

ليس هنالك معرفة واسعة بالإسلام السياسي في الهند. وما يعرفه الجمهور هو غالباً ما يرشح من الإعلام الأجنبي. وينحصر الخطاب داخل المجتمع المسلم بعيداً عن المواطن الهندي العادي. وفي بعض الأحيان يتطرق بعض المحللين أو صناع السياسات إلى هذا الموضوع، ولكنْ بحذرٍ ومن خلال تعابير مقبولة سياسياً. وهذا أمر غريب بالنظر إلى أن الهند الحديثة كانت مهد الإسلام السياسي، من خلال مؤسساتٍ مثل جامعة ديوباند الإسلامية، وفيرانجي، وماهال، وغيرها. وهذا بدوره خلق مفهوم الإسلام السياسي، ثم دولة باكستان. ولأسبابٍ تاريخية واجتماعية، تعاملت الهند على الدوام بتساهل مع جميع تجليات الإسلام السياسي.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ما يخشاه الهنود، وما تتم مناقشته مع الإسلام السياسي، هو الانفصالية الإسلامية، والإرهاب الإسلاموي والجهادي، وكلاهما عانت منه الهند في مرحلة ما بعد الاستقلال.

ولدت دولة الهند الحديثة وسط أعمال عنف واسعة النطاق بين المسلمين والهندوس، وتقسيم الهند إلى باكستان المسلمة والهند ذات الأغلبية ا لهندوسية. هاجر الكثير من المسلمين المتعلمين -خاصة من شمال ووسط الهند- إلى باكستان. والذين بقوا في الهند كانوا حفنة من الأرستقراطيين الأغنياء مالكي الأراضي الذين كان لديهم الكثير ليخسروه إذا ما هاجروا، وأعداد أكبر بكثير من المسلمين الفقراء الذين لم يكونوا قادرين على تحمل تكاليف الهجرة. كانت أيديولوجية منظري الإسلام السياسي، مثل أبي الأعلى المودودي، تعارض تقسيم الهند، حيث اعتبروا أنها فشل للإسلام في الهند، مشيرين إلى أن هجرة الإسلاميين إلى باكستان أدت إلى نهاية الإسلام السياسي في الهند. وهم يرون أن النجاح إنما يكون بتحويل الهند بأكملها إلى الإسلام، أو تطبيق الشريعة الإسلامية في كامل أرجاء الهند، كما فعل الحكام الأوائل.

ولأسبابٍ متعددة -تاريخية وسياسية واجتماعية-اقتصادية- سمح الدستور الهندي للطوائف باتباع قوانينها المختلفة (المشتقة من دياناتها المختلفة) في المسائل المدنية، بينما كان القانون الجنائي موحداً للجميع. وتم النظر إلى أي محاولة للنشاط أو للتغيير من خارج المجتمع المسلم كانت تُعتبر انتهاكاً لحقوق هذا المجتمع وانتهاكاً لعلمانية الهند. وكانت النتيجة أن المجتمعات عاشت في عزلة كبيرة عن بعضها بعضاً وعزل المسلمين في “غيتوهات”، وترسيخ العديد من الممارسات الأكثر رجعية في المجتمعات المسلمة، كما أن قبضة رجال الدين خنقت أصوات بعض الإصلاحيين الذين ظهروا في هذه المجتمعات. وللحفاظ على سلطتهم قاوم رجال الدين الإصلاحات، ووصل بهم الأمر إلى إصدار فتوى بتحريم لقاح شلل الأطفال. وكثيراً ما كانوا يلعبون دور الوسطاء بين الأحزاب السياسية ودوائرها الانتخابية، ويعدون السياسيين الذين يرعونهم بأصوات أتباعهم. وفي هذه الأثناء ازدهرت مؤسسات دينية مثل جامعة ديوباند الإسلامية؛ لأن قوانين الهند تضمن استقلالية كاملة للمؤسسات الدينية التابعة للأقليات.

ومن ناحيةٍ أخرى، فقد ساهم اللوبي الليبرالي في الهند في إبقاء الأقليات المسلمة في الهند غارقة في فقرها وتخلفها. وبمرور الوقت أصبحت مجتمعات المسلمين أكثر تمسكاً بهويتها، وبدا ذلك واضحاً من خلال العديد من المؤشرات الخارجية. ومع الطفرة النفطية في الخليج العربي، وهجرة العديد من المسلمين للعمل في دول الخليج، بدأ المال الذي يرسله هؤلاء إلى عائلاتهم يغير الصورة، فقد اختفت التقاليد التوفيقية التي كان يتحلى بها مسلمو الهند، وحل محلها أيديولوجية سلفية جامدة تعرف هنا بالوهابية. أقفلت الأضرحة الصوفية، وكثرت منظمات، مثل “أهل الحديث” و”أهل القرآن”، وغيرهما من المؤسسات الأخرى التي كانت تنشر الإسلام المتشدد، وازداد ارتداء الحجاب الذي لم يكن جزءاً من اللباس التقليدي للمسلمين الهنود، وازداد الانفصال بين الجنسين، وكذلك بين المجتمعات المسلمة وغيرها من المجتمعات الهندية.

اقرأ أيضًا: تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية: بعد عودة طالبان

أضف إلى كل ذلك أن الحرمان السياسي والتحريض الخارجي من باكستان أديا إلى ظهور الحركة الانفصالية في جامو وكشمير، الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند. وتعرضت الأقلية الهندوسية للتطهير العرقي في الولاية، مما دفع الحكومة للتدخل بقوة؛ لأنه على الرغم من أن الهند هي اتحاد فيدرالي، فإن دستورها لا يسمح لأي من وحداتها الفيدرالية بالانفصال.

أصبح التمرد في كشمير، على الرغم من تمتعها بقدر أكبر من الحكم الذاتي، مقارنة بغيرها من الولايات الهندية، جهاداً إسلامياً تدعمه الأجنحة المختلفة لفرع كشمير من الجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي، والتي أصبح هدفها تطبيق الشريعة الإسلامية في كشمير من خلال الجهاد. وقد قدمت المخابرات العسكرية الباكستانية الكثير من الدعم المالي والتسليح والتدريب لهذه المجموعات.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت حركات انفصالية صغيرة تزدهر في أماكن متفرقة من الهند، وضرب الإرهاب الجهادي مرة بعد أخرى، منذ عام 1991 على الأقل. وقدَّمت منظمات مثل الحركة الإسلامية لطلاب الهند التغطية الأيديولوجية والمتطوعين لتنفيذ هذه الهجمات الإرهابية. كما ظهرت منظمات أخرى مثل حركة المجاهدين الهندية إلى أن جاءت نقطة التحول مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، حيث كان منفذوها من المتعلمين الذين يعيشون حياة رغيدة. وهنا برزت قوة التلقين الأيديولوجي.

أعمال العنف بين الهندوس والمسلمين في الهند- 2020

كيف تعاملت الحكومة مع هذه التحديات؟

لا تمتلك الحكومة سياسة واضحة. بل إنها تبدو مربكة في بعض الأحيان. وتنتهج التعامل مع الانفصاليين والجهاديين بطريقةٍ لا تستفز المجتمع الأوسع لأن الاضطرابات الطائفية ستكون كارثية على البلاد، وستكلف الحزب الحاكم، أيّاً يكن هذا الحزب، وجوده في الحكومة. ولذلك تحاول الحكومة اتباع سياسة العصا والجزرة.

سياسة العصا

شنَّت الحكومة حملة كبيرة على المجاهدين والانفصاليين، وحظرت الحركة الإسلامية لطلاب الهند، وتم القضاء على المجاهدين الهنود. وتلقى الذين أدينوا بالإرهاب أو بالتحريض عليه أحكاماً بالإعدام، بعد محاكمات مطولة، وتم تنفيذ هذه الأحكام على الرغم من أنه من النادر أن تنفذ أحكام الإعدام في الهند. بينما خضع آخرون مثل شارجيل إمام المتهم بأنه يتبنى وحدة المسلمين من أجل تقسيم الهند للاعتقال، ويتم النظر حالياً في قضاياهم أمام القضاء.

ومع ذلك، فلم يتم حظر مجموعات مثل جماعة أهل الحديث التي تشدد على الهوية الإسلامية المنفصلة، أو جامعة ديوباند الإسلامية، أو حتى دعاة مثل ذاكر نايك. والسبب الرئيسي وراء ذلك هو عدم عزل المجتمع المسلم الذي قد يعتبر خطوة مثل هذه بمثابة تهميش له. وكذلك خشية أن يؤدي ذلك إلى قلاقل واضطرابات أمنية مع توجه بعض الجماعات الإسلامية بالتحول إلى العنف بسبب الفهم الخاطئ لسياسات الحكومة.

رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي- جيتي إمجس

ولم يتم حظر الداعية ذاكر نايك إلا بعد أن تقدمت بنغلادش بشكوى ضده بتهمة بالتحريض على شنِّ هجمات إرهابية على أراضيها، وبعد أن قامت مجموعة من الدول منها المملكة المتحدة بحظر دخوله إليها. أما في الهند، فعلى الرغم من وجود عدد من الشكاوى ضد خطبه الطائفية المثيرة للانقسام، والأفكار الرجعية، والتي تقدم بها ليس فقط غير المسلمين، بل مسلمون رأوا أنه يفسر الإسلام بطريقة خاطئة.

سياسة الجزرة:

وفي المقابل، تبنت الحكومة استراتيجية طويلة الأجل لتمكين المسلمين، وخاصة الشباب من خلال التعليم والوظائف والإصلاحات والتشريعات وتمكين المرأة. وهي تتعاون في هذا المجال مع الوكالات الاستخباراتية، وضباط الشرطة والزعماء الدينيين والمجتمعات المحلية.

تأسيس وزارة شؤون الأقليات

تم إنشاء وزارة مكرسة لضمان وتعزيز مصالح الأقليات العديدة في الهند في عام 2006. وكان من أهم إنجازات الوزارة: المنح الدراسية والمساعدات التي يتم صرفها لطلاب الجامعات القادمين من المجتمعات الفقيرة، وإنشاء مؤسسات الأقليات لتعزيز التعليم والتدريب المهني لأبناء الأقليات. ويحصل المسلمون -باعتبارهم أكبر الأقليات في البلاد- على حصة الأسد من هذه المنح والمعونات.

اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين السلفية والعنف في الهند؟ 

إصلاح المدارس الدينية

وفقاً للبيانات الرسمية لعام 2018-2019، كان يوجد في الهند 24,010 مدرسة دينية، من بينها 4,878 مدرسة غير معترف بها، ولكن هذه الأرقام تبدو ضئيلة عند مقارنتها بالأرقام المقدمة من الباحثين. فعلى سبيل المثال، وفقاً لبيانات كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة نيودلهي هنالك 500,000 مدرسة في الهند، تضم 50 مليون طالب، ولا يشمل هذا العدد المدارس المسائية، وذات الدوام الجزئي.

تاريخياً كانت هذه المدارس في الهند انطوائية، وتقاوم التغيير والتحديث، مع وجود استثناءاتٍ قليلة. وهي تركز على الفقه والعلوم الدينية، وبالتالي، فلا توفر فرص عمل لطلابها في العالم العصري. ومع ذلك، فلا تزال تجتذب ملايين الطلاب لأنها توفر التعليم المجاني، والطعام المجاني، وفي الكثير من الحالات توفر السكن المجاني لطلابها. وفي بعض المناطق الريفية تكون هي المصدر الوحيد للتعليم، وبذلك تستمر دورة الفقر والبطالة والتخلف.

اقرأ أيضاً: لماذا يسعى مسلمو الهند إلى الليبرالية؟

ومع ذلك، اكتسبت المدارس الدينية سمعة في تعزيزها للانعزالية، فقد أبقت تلاميذها بعيداً عن المجتمع الأوسع، وكانت توفر تربة خصبة لتجنيد الإرهابيين. وعلى سبيل المثال، تزامن نمو المدارس الدينية في كشمير، مع تصاعد الأعمال القتالية هناك. وقد أشارت الوكالات الاستخباراتية إلى انتشار المدارس الدينية في المناطق الحدودية بتمويل أجنبي، وخاصة من باكستان وهي تهدف لتقويض استقرار الهند، وأيضاً من دول خليجية مثل المملكة العربية السعودية والكويت وقطر.

خضعت المدارس الدينية بعد هجمات 11 سبتمبر إلى مسحٍ أمني وشرعت الحكومة في تحديثها. على سبيل المثال، تلقت دار العلوم في ديوباند -وهي أكبر مدرسة دينية في جنوب آسيا- منحة حكومية لإنشاء مركز لعلوم الكمبيوتر ومركز لتعليم اللغة الإنجليزية. وتم إطلاق مبادرات عديدة أخرى لنشر تعليم الكمبيوتر والعلوم والمواد الأخرى التي تتماشى مع العالم الحديث، ولتأهيل المعلمين بشكلٍ أفضل.

هجمات 11 سبتمبر الإرهابية – أرشيف

وغالباً ما تبقى المساهمات الحكومية غير مرئية كي لا تخلق تصورات بأن الحكومة تتدخل بشؤون المجتمعات الإسلامية.

كما تخضع الأموال والعائدات التي تتلقاها المدارس الدينية للتدقيق، ولكن التحدي يكمن في أن الدستور يضمن استقلالية كاملة، ويوفر استثناءات كثيرة للمؤسسات التابعة للأقليات، وهذا يشمل التمويل الذي كثيراً ما يكون بعيداً عن الشفافية؛ لأن قسماً كبيراً منه يأتي عن طريق الزكاة، وغيرها من المصادر، التي يصعب تتبعها.

تشجيع الصوفية

تشجع الحكومة اليمينية الحالية بقيادة حزب بهاراتا جاناتا، وزعيمه ناريندرا مودي، الإسلام الصوفي الذي ترى فيه ترياقاً للإسلام المتشدد الذي خلق انقساماً بين مسلمي الهند والغالبية الهندوسية. وقد اكتسب هذا التوجه زخماً كبيراً بعد صعود داعش في العراق وسوريا.

كانت الأقلية المسلمة في الهند، بغضِّ النظر عن التوترات بينها وبين الهنود غير المسلمين، واحدة من أكثر المجتمعات المسلمة المسالمة في العالم، وهم يمثلون ثالث أكبر تجمع للمسلمين في العالم، ومن اللافت للنظر أنهم ابتعدوا عن الجهاد العالمي. وعندما ظهرت الجماعات الجهادية في الهند تم سحقها بسرعة، ولكن مع ذلك كان لتنظيم داعش تأثير مختلف تجلى بانضمام الهنود إليه أو تقديم الدعم بطرق مختلفة، كالتجنيد عبر الإنترنت، وكتابة المنشورات، وما إلى ذلك. وعلى الرغم من قلة الأعداد، فقد دق هذا الأمر ناقوس الخطر في دلهي. ويُعتبر الصوفيون عموماً أكثر سلمية وتسامحاً وزهداً بالسلطة السياسية.

أعمال العنف بين الهندوس والمسلمين في الهند- أرشيف

قدمت الحكومة الدعم للأضرحة الصوفية، ورعت نشاطات مثل المنتدى الصوفي العالمي، وساعدت في بناء المساجد الصوفية، ومولت الروايات البديلة على الإنترنت، والمنصات والمواقع الإلكترونية التي تروج لوجهة النظر الصوفية وللولاء للهند.

كما دعَّمت الحكومة أيضاً المجتمع الشيعي الذي يشكل 20% من مسلمي الهند، والذي عادة ما يتسم بالابتعاد عن الأضواء، والتمسك بانتمائه الوطني. وبعد صعود تنظيم داعش في الشرق الأوسط، وإعلان بعض الجماعات السنية في الهند دعمها له، وبعد المعاملة الوحشية التي لقيها الشيعة على أيدي أتباع داعش، أصبحت المجتمعات الشيعية تشعر بميل نحو الحكومة الهندية، بسبب الروابط التي تجمعهم مع المجتمعات الشيعية في العراق وإيران.

اقرأ أيضاً: بهايندر لـ”كيوبوست”: أحزاب طائفية وراء الإساءة إلى سمعة الحزب الحاكم في الهند 

تمكين المرأة

يعتبر تمكين المرأة توجهاً آخر للحكومة الهندية، ليس فقط لمواجهة الانفصالية أو التطرف الإسلامي، بل للنهوض بالمرأة عموماً في جميع المجتمعات في مختلف أرجاء الهند. وقد ساعدت التشريعات المتتالية، مثل قانون مناهضة العنف الأسري على دعم المرأة في الهند. ومع ذلك، كانت الإصلاحات من داخل المجتمعات الإسلامية بطيئة جداً. وكانت النتيجة أن النساء المسلمات في الهند ما زلن يعانين من الممارسات الرجعية، مثل تعدد الزوجات، والطلاق، ونظام المحلل، وتشويه الأعضاء التناسلية للفتيات في بعض المجتمعات المسلمة. ومع أن بعض الناشطين يحاولون وضع حدٍّ لهذه الممارسات، فلا يزال الصوت الرجعي هو الأعلى، ولا يزال رجال الدين وقادة المجتمعات الذين يخشون فقدانهم لسيطرتهم يجابهون محاولات التغيير.

وفي هذا الصدد، تدعم الحكومة الناشطات العاملات مع المجتمعات الشعبية لتقديم تفسير أكثر ابتعاداً عن التمييز بين الجنسين للإسلام، مثل صياغة عقود زواج تضمن حقوق المرأة بشكلٍ أفضل، وبناء مساجد للنساء كي لا يبقين رهائن للقوانين المعادية للمرأة. ومع ذلك، فكل هذا يجري عادة مع الحفاظ على دور الحكومة بعيداً عن الأنظار لتجنب إخافة أو تنفير المجتمعات المسلمة.


المسلمون الهنود يؤدون الصلاة خلال نهار رمضان في مدينة سريناغار في كشمير الهندية- وكالات

التشريعات

وفي السياق نفسه، أصدرت الحكومة عام 2019 تشريعاً يجعل الطلاق الثلاثي غير قانوني. وكانت حكومة بهاراتيا جاناتا هي أول حكومة هندية تحمل البرلمان على تمرير قانون يتعلق الشؤون المدنية للمسلمين. وعلى الرغم من أن القانون جوبه بمعارضةٍ شديدة من الأحزاب المعارضة، ومن العديد من قادة المجتمع الإسلامي، ومن الليبراليين، فقد لقي ترحيباً كبيراً من قبل النساء المسلمات، ومن قبل الهنود عموماً.

وهذا يُعتبر أحد أوجه سعي الحكومة لإيجاد قانونٍ مدني موحد لجميع المواطنين، وتضييق شقة الاختلاف. ومع ذلك فيبقى من الصعب تصور حدوث ذلك في وقتٍ قريب، وسيتطلب جهداً مستداماً وشاقاً.

تضييق الخناق على التمويلات الأجنبية

الأمر الأكثر أهمية في مواجهة تحدي الإسلام السياسي هو تضييق الحكومة الخناق على التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية والناشطين في الهند. وقد أدى ذلك إلى استقطاب عددٍ كبير من منظمات حقوق الإنسان واللوبي اليساري الليبرالي. تقول الحكومة إن هذا الأمر خطوة ضرورية في مواجهة الأنشطة التي تبدو أنها غير عنيفة، وتبدو وكأنها تعمل لأهدافٍ نبيلة، ولكن في الواقع تتلقى تمويلاً أجنبياً لتشجيع تحركات الهنود التي تضر بمصالح الهند وأمنها على المدى البعيد.

اقرأ أيضًا: الهند.. استمرار الصراع والتطرف كمحفز على الإرهاب 

وفقاً لما يقوله كومار أنيكيت، وهو مستشار مالي متخصص في التمويل الإسلامي، عمل لسنواتٍ طويلة مع المجتمع المسلم، فإن احتجاجات عام 2020، ضد مشروع قانون الجنسية الذي قدمته الحكومة، كانت بمعظمها تتم بتمويل أجنبي. وفي حين جاء معظم هذا التمويل من باكستان، فقد جاء قسم كبير منه هذه المرة من الصين التي تحرص أيضاً على زعزعة استقرار الهند.

وبالمثل، وفقاً لكومار، فقد برزت قطر مؤخراً كممول رئيسي للعديد من المنظمات الإسلامية والأنشطة التي تنتشر في الهند، مثل الجبهة الشعبية الهندية التي أثار جناحها الطلابي الجامعات الهندية الجدل الأخير بشأن الحجاب. والجبهة الشعبية الهندية اشتهرت بانخراطها في أعمال العنف، وتحريض الشباب. وطريقتها المفضلة هي تناول قضية تحت غطاء حقوق الإنسان، وإعطائها طابعاً مجتمعياً وحشد الدعم لها من داخل الهند، وخارجها، على وجه الخصوص.

ومؤخراً أصبح الدعم التركي يخضع لتدقيق الأجهزة الأمنية. فقد بدأت تركيا بإرسال الأموال للجامعات الهندية، وبتمويل الدراسات التركية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب الهنود والوظائف للصحافيين الهنود ومعظمهم من كشمير.

الشرطة الهندية تقمع المتظاهرين في كشمير

التحديات

مقاربة الهند للإسلام السياسي مثقلة بالتحديات. أولاً، هنالك القليل من الإدراك والفهم لهذه الظاهرة بين الناس، بشكلٍ عام. والحكومة غير قادرة على اتخاذ خطواتٍ استباقية؛ لأن الديمقراطية فيها، ولوبي حقوق الإنسان، يجعلان ذلك أمراً في غاية الصعوبة.

ولذلك، فالحكومة تكون قادرة على اتخاذ إجراءات فقط عندما يكون هنالك مخاطر واضحة للعيان تتجلى في شكل أنشطة تحريضية واضحة أو أعمال إرهابية. ومن المهم بالقدر نفسه أنه لا يوجد مجال واسع للإسلام السياسي لتحقيق أهدافه في المستقبل القريب -أي إقامة دولة تحميها الشريعة- ومع ذلك، فإن خطر الانفصالية موجود دائماً على الرغم من عدم مناقشته علناً على نطاقٍ واسع.

وقد امتنعت الحكومات المتعاقبة، بمن فيها الحكومة الحالية، عن اتخاذ إجراءاتٍ استباقية، مثل حظر منظمات مثل تنظيم الجبهة الشعبية الهندية، وجماعة التبليغ المحظورة في العديد من الدول الإسلامية، أو حتى فرض قواعد على اللباس مثل حظر الحجاب أو البرقع الذي يمكن أن يطلق شرارة احتجاجات وأعمال شغب واسعة النطاق لن تلحق الضرر بالنسيج المجتمعي في البلاد فحسب، بل تضرّ باقتصادها أيضاً.

اقرأ أيضاً: صعود حركة هندوتفا يلقي بظلالٍ من الشك حول مستقبل الأقليات في الهند

وبسبب حساباتها السياسية، فشلت الحكومة في إدخال إصلاحاتٍ في المجتمع المسلم. ومن المعروف أن حكومة بهاراتيا جاناتا الحالية وصلت إلى السلطة بفضل صورتها المناهضة للأقليات. ولهذا السبب فضَّل المجتمع المسلم بشكلٍ عام الابتعاد عنها. ولكن حكومة مودي في الواقع زادت من دعمها وتمويلها وهباتها لدعم مشاريع رعاية الأقلية المسلمة، وقدَّمت لها المزيد من المنح الدراسية، وما إلى ذلك.

وقد كان للعديد من سياساتها، مثل حظر الطلاق الثلاثي، صدى جيد لدى العديد من أجزاء المجتمع المسلم وخاصة النساء، ولكن كما قال لي أحد الناشطين المعروفين -لم يرغب في كشف اسمه- فإن هذه المؤسسات تفضل عدم الإعلان عن هذا الدعم خوفاً من فقدانها لمصداقيتها مع مجتمعاتها، وفي بعض الأحيان خوفاً من أعمال العنف.

اقرأ أيضًا: الكراهية عبر الإنترنت والعلاقات الطائفية في الهند

إلا أن العديد من أفرد المجتمعات المسلمة يعملون من خلال الموارد الحكومية، لأن معارضة الممارسات والأيديولوجيات السلفية قد جاءت من داخل هذه المجتمعات نفسها. وتزيد البيروقراطية والفساد المستشري في المجتمع الهندي من هذه التحديات.

الإسلام السياسي لا يقتضي بالضرورة العنف أو الإرهاب، ولكن مظاهره الأولية هي اللباس المختلف والتشدد الديني والتأكيد على الهوية المنفصلة. وفي السياق الهندي، لا يكمن تهديد الإسلام السياسي في إقامة دولة تحكمها الشريعة، بل في العنف والتطرف والنزعة الانفصالية.

لقراءة الأصل الإنكليزي: WPS Office

♦محررةً في موقع “International Affairs Review“، الذي يسلِّط الضوءَ على وجهات نظر الجنوب في القضايا العالمية

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

أديتي بهادوري

محررةً في موقع “International Affairs Review“، الذي يسلِّط الضوءَ على وجهات نظر الجنوب في القضايا العالمية

مقالات ذات صلة