الواجهة الرئيسيةترجمات

كيف تتسبب بيئة العمل الأكاديمي في مشكلات الصحة العقلية لطلاب الدكتوراه (فيديوغراف)

ترجمات – كيوبوست

يشعر مراقبو السياسات البحثية بالقلق المتزايد حول التأثير المحتمل لظروف العمل الأكاديمية الحالية على الصحة العقلية لطلاب الدكتوراه. ومن هذا المنطلق أُجريت هذه الدراسة التي تهدف إلى 3 نقاط؛ هي: أولًا، تقييم معدل انتشار مشكلات الصحة العقلية على عينة عشوائية ممثلة عن طلاب الدكتوراه في منطقة فلاندرز ببلجيكا. وثانيًا، مقارنة هؤلاء الطلاب بعينات أخرى من ذوي التعليم العالي من عموم الناس، والموظفين من ذوي التعليم العالي أيضًا؛ لكنهم يعملون في مجالات غير المجال الأكاديمي، ثُم تقييم العوامل المؤسسية المؤثرة في الصحة العقلية لطلاب الدكتوراه.

شاهد: فيديوغراف.. بيئة العمل الأكاديمي ومشكلات الصحة العقلية لطلاب الدكتوراة

ومن بين 12 عَرض من أعراض اضطراب الصحة العقلية، أظهرت النتائج أن 32% من طلاب الدكتوراه معرضون لخطر وجود أو تطوير اضطراب نفسي شائع، وبخاصة الاكتئاب. وكان هذا التقدير أعلى بكثير من النتائج التي ظهرت في مجموعات المقارنة؛ حيث ارتبطت السياسات التنظيمية بشكل كبير بانتشار الاضطرابات العقلية بين الطلاب، خصوصًا في الربط بين العمل والعائلة، ومتطلبات الوظيفة، والرقابة عليها، والأسلوب القيادي للمشرف على الرسالة، وأيضًا ثقافة صنع القرار في الفريق.

سياق العمل

تعتبر مسؤوليات العمل والأعباء والرقابة ومستوى دعم الزملاء والمشرفين وكذلك عدم الأمان الوظيفي من أكثر الخصائص التي تم فحصها في سياق العمل الأكاديمي. وقد أجمعت الدراسات على أن هناك صلة وثيقة بين متطلبات العمل الضاغطة والإرهاق العاطفي والاكتئاب لدى طلاب الدكتوراه. ويشير مصطلح “متطلبات العمل” إلى المتطلبات التي يختبرها الطلاب في مجال دراستهم وبحوثهم وتكون من النواحي الجسدية والاجتماعية والتنظيمية؛ حيث تفرض تلك المتطلبات بذل مجهود بدني وعقلي على نحو مستمر. 

اقرأ أيضًا: نساء أسهمن في تطور العلم.. لكن جرى دفنهن في الهوامش

وعلى الرغم من أن طلاب الدكتوراه لهم أدوار مختلفة ومسؤوليات يؤدونها بطريقة تختلف عن الموظفين العاديين؛ فإن هناك سلسلة من الخصائص النفسية الشائعة التي تجعل من دراسة أدوار طلاب الدكتوراه أمرًا ضروريًّا؛ خصوصًا من خلال فحص السياق التنظيمي في المكان الذي يدرسون أو يقومون بعملهم البحثي فيه.

اقرأ أيضًا: هل أصبح المرض العقلي وباءً عالميًّا؟

وبالنسبة إلى طلاب الدكتوراه، تختلف معدلات ونسب الموازنة بين متطلبات الوظيفة والرقابة عليها؛ إذ يختلف الأمر باختلاف التخصصات العلمية، حيث ينطوي كل تخصص على اختلافات في الممارسات الأكاديمية؛ فمثلًا قد يلزم كتابة رسالة الدكتوراه في مجال العلوم الطبيعية العمل كجزء من فريق كبير ضمن مشروع محدد بمعالم واضحة وإطار مسبق وَفق معايير يتم نشرها بشفافية. في حين يطغى على طلاب الدكتوراه في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، ظروف العمل في كثير من الأحيان بمعزل عن الآخرين، ما يمكن أن يشكل تحديًا أكبر من حيث المثابرة مع الأخذ في الاعتبار عدم توافق الآراء بشأن معايير الجودة في هذه المجالات.

السياق المؤسسي

وعلى عكس سياق العمل، وجد السياق المؤسسي اهتمامًا أقل بكثير في أبحاث الصحة المهنية؛ بل إن تأثيراته على الصحة العقلية ليست دائمًا مفهومة على نحو جيد. ويشير السياق المؤسسي إلى استراتيجيات الإدارة التشاركية، ومبادرات التوازن بين العمل والحياة، وترتيبات العمل بمرونة، وربما عناصر تقييم الأداء أو الإنتاج لأنظمة العمل. 

اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن الاكتئاب… وما هي أسرع الطرق لعلاجه؟

ونظرًا إلى أن الحاجة إلى العمل الجماعي قد تكون أعلى في مجال العلوم الطبيعية أكثر من العلوم الإنسانية أو الاجتماعية؛ فإنه يمكننا أن نتحكم في تحليل كل تخصص في هذا المجال، حيث تعتبر استراتيجيات الإدارة التشاركية عاملًا آخر تنظيميًّا يمكنه أن يؤثر على الصحة. وقد كشفت الدراسة عن تحول أنماط ثقافة التفاعل الاجتماعي بين موظفي الجامعة من الزمالة إلى البيروقراطية؛ حيث ساد أسلوب الإدارة الذي يجعل من التشاور والمشاركة في صنع القرارات أمورًا غير مهمة.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن التفاعل بين العمل والمنزل هو أيضًا مصدر محتمل مهم للإجهاد الذي يؤثر على الصحة العقلية للأكاديميين؛ خصوصًا بالنسبة إلى الأزواج ذوي المهن المزدوجة الذين يواجهون صعوبات مالية أو أزمات حياتية. كما أظهرت الأبحاث السابقة في قطاع الجامعة أن التداخل بين العمل والحياة مرتفع مع طلاب الدكتوراه والموظفين الأكاديميين الذين يعملون عادة في الأمسيات وفي عطلات نهاية الأسبوع.

على صعيد آخر، أظهر التعارض بين العمل والمنزل في قطاع الجامعة علاقات قوية بشكل خاص مع الأزمات النفسية. وعبر دراسة التخصصات في 9 جامعات بحثية في أمريكا، أظهرت النتائج أنه من المهم النظر في حالات تعارض العمل مع الحياة الأسرية، وتعارض الحياة الأسرية مع العمل.

اقرأ أيضًا: العلاقة بين العمل ليلًا والإصابة بالأمراض

وتوضح الدراسة التي أجريناها أن 51% من طلاب الدكتوراه في فلاندرز يقومون بالإبلاغ عن عرض أو اثنين على الأقل من أعراض اضطراب الصحة العقلية، كما يبلغ 40% منهم عن 3 أعراض على الأقل. بينما يعاني 32% أربعة أعراض على الأقل. ويشير انتشار هذه المعدلات إلى أن مجموعة كبيرة من طلاب الدكتوراه يعانون أزمات نفسية أو معرضون إلى خطر الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية الشائعة.

ويعتبر الشعور بالتعرض إلى الضغط المستمر هو الأكثر شيوعًا بين الأكاديميين إلى جانب التعاسة والاكتئاب، ومشكلات النوم بسبب القلق، والعجز عن تخطي الصعوبات، وعدم القدرة على الاستمتاع بالأنشطة اليومية. وترتفع معدلات انتشار الإصابة باضطرابات نفسية أو احتمالية تطويرها عند طلاب الدكتوراه بنسبة 2.43 مرة أعلى مقارنة بذوي التعليم العالي في عموم الناس.

اقرأ أيضًا: الدراسة في جامعات إسبانيا: تكاليف تحوّل حلم الطلبة العرب إلى كابوس

ضرورة صياغة سياسات جديدة

يعد ارتفاع معدل انتشار مشكلات الصحة العقلية لطلاب الدكتوراه أمرًا بالغ الأهمية؛ سواء أكان على مستوى المعاناة الفردية أم النتائج المترتبة عليه مؤسسيًّا واجتماعيًّا. وعلى المدى البعيد، فإن هذه المعاناة سوف تؤثر على المجال البحثي نفسه. فماذا سيفعل صناع السياسات في هذا المجال؟ أولًا، يجب عليهم التركيز على الوقاية من خلال زيادة الوعي وتطوير كفاءة الصحة العقلية للأكاديميين في كيفية إدراك المشكلات والتعامل معها في الوقت المناسب. ثانيًا، قد يرغب صناع السياسات في المجال البحثي في إعادة النظر في قواعد السياسات المعنية؛ خصوصًا هؤلاء المسؤولين عن تمويل الأبحاث وشروط التوظيف.

على سبيل المثال، قد تؤدي الزيادة التدريجية في الاستثمارات الحكومية في المجال البحثي من خلال عدد من المنح الدراسية لطلاب الدكتوراه وإعطاء الحوافز المالية للجامعات إلى زيادة عدد الطلاب. وقد تؤدي أيضًا إلى آثار جانبية غير متوقعة. كذلك ينتج عن تخصيص عدد أكبر من طلاب الدكتوراه لكل مشرف زيادة الضغط على أعضاء هيئة التدريس الذين يجدون صعوبة في استثمار الوقت والاهتمام بكل طالب دكتوراه على حدة؛ وهو ما أشارت إليه الدراسة بـ”نوع القيادة” التي يتعامل معها طلاب الدكتوراه، والتي ترتبط بزيادة الخطر على صحتهم العقلية؛ خصوصًا مع الافتقار إلى قيادة ملهمة.

اقرأ أيضًا: كيف يتخلص أردوغان من النخبة الفكرية في تركيا؟

أما الجامعات فيمكنها، من خلال زيادة الجهود لرسم خرائط بيانية ومراقبة الضغوطات والإجهاد ونتائجها بشكل منهجي، تطوير سياسات إدارة المخاطر وتحديد عوامل الخطر التي تؤثر على كل فرد داخل المؤسسة. وتشير تحليلاتنا إلى أن الجامعات سوف تستفيد من الصحة العقلية لطلاب الدكتوراه، وذلك عندما يقومون بتسهيل إدارة أعباء العمل وإيجاد التوازن بين العمل والمنزل، وتصميم إجراء لفتح المجال لهم في صنع القرارات، ومساعدة المشرفين على رسائل الدكتوراه في تبني أساليب جديدة في القيادة، تلك التي تؤدي إلى علاقات عمل مرضية وبناءة وخلق بيئة أكاديمية محفزة وداعمة لكل طالب.

المصدر: موقع ساينس دايركت للأبحاث  

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة