الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
كيف تؤثر الحرب في اليمن على المرأة اقتصاديًّا؟

كيوبوست
منير بن وبر ♦
لم تكن السيدة أم زيدان تتوقع أن تترك عدن، المدينة الساحلية الجميلة في جنوب اليمن؛ لتعيش في أرياف تعز المرتفعة في يوم من الأيام. ولكن هكذا هي الأقدار، لا تكف عن مفاجأتنا دومًا.
تزوجت السيدة أم زيدان من أحد أبناء تعز في منتصف التسعينيات، وانتقلت لتعيش معه في قريته. كان السيد عبد القوي، زوج السيدة أم زيدان، يعمل طبيبًا، ويساعد والده في إعالة إخوته الخمسة، ولم تكن أم زيدان، التي عملت طبيبة أيضًا، تدَّخر جهدًا لمساعدة زوجها في تحمُّل هذه المسؤولية. وعلى الرغم من الفرق الشاسع بين حياة الريف وحياة المدينة؛ فإن مهنة كلٍّ من أم زيدان وزوجها كطبيبَين جعلتهما قريبَين من الناس ومحبوبَين من الجميع؛ حتى تقبَّلت أم زيدان حياتها الجديدة، ولكن الحرب غيَّرت كل شيء عندما اندلعت في 2015 في اليمن.
اقرأ أيضًا: هل يمكن أن يحلَّ السلامُ في اليمن؟
تسببت الحرب في اليمن في مقتل الآلاف، وتشريد الملايين، ناهيك بما سببته من خراب بمليارات الدولارات في البنية التحتية. كانت أم زيدان، كالآلاف غيرها من اليمنيين، تترحَّل مع ابنَيها من منطقة إلى أخرى؛ بحثًا عن الأمان، وكانت غالبًا ما تساعد زوجها بكثير من مُدَّخراتها؛ لتغطية تكاليف التنقُّل والسفر مع ابنَيها. أما الزوج فقد آثر البقاء في تعز؛ حيث الحاجة المُلحَّة إلى الأطباء في زمن الحرب.
انتهت رحلات أم زيدان بين قرى تعز العالية غرب اليمن، ومحافظة إب وسط اليمن، بالاستقرار أخيرًا في عدن؛ حيث لم تعثر على عمل ولم تتلقَّ راتبها لفترة طويلة، فاضطرت ابنتها إلى العمل، وبالكاد كان زوجها يُرسل إليها بعض المال قبل أن يخطفه الموتُ ويترك أم زيدان تتحمل المسؤولية وحدها في بلد مزقته الحرب.
إن الحرب في اليمن سبب رئيسي في رفع نسبة الفقر من 47 في المئة في عام 2014 إلى 75 في المئة متوقعةً بحلول نهاية عام 2019. ووَفقًا لدراسة قام بها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن اليمن سيصبح أفقر بلد في العالم بحلول عام 2022 إذا استمر القتال؛ حيث سيعيش 79 في المئة من السكان تحت خط الفقر.
يتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضًا أن يصل عدد القتلى في اليمن إلى نحو ربع مليون شخص بنهاية عام 2019. تتسبب هذه الأضرار في تأخُّر اليمن لتحقيق أهداف التنمية المُستدامة لجيل كامل؛ أي ما يقارب ثلاثين سنة. القضاء على الفقر والجوع هو أول هدف من أهداف التنمية المُستدامة المأمول تحقيقها في العالم بحلول 2030م.

إن الفقر، بشكل عام، أكثر من مجرد الافتقار إلى الحد الأدنى من الموارد المالية والضروريات؛ فالناس يعيشون في حالة فقر أيضًا إذا حُرِموا من الخدمات الأساسية، مثل العناية الصحية والأمن والتعليم.
بعد مشقة بالغة، تمكَّنت السيدة أم زيدان أخيرًا من الحصول على عمل؛ حيث عملت ليل نهار في كلٍّ من مستشفى الخليج ومستشفى الصداقة بعدن. وعلى الرغم من أن الظروف المالية الصعبة هي التي دفعت أم زيدان إلى العمل طوال هذه الساعات؛ فإن حبها لمساعدة الناس كان حافزًا أساسيًّا لا يقل أهمية، فالأوضاع الصحية متردية للغاية، وتوقُّف موظفي الرعاية الصحية لا يزيد الأمور إلا سوءًا، وربما هذا ما ألهم ابنها أيضًا لدراسة الطب رغم تكاليف الدراسة والمعيشة المتزايدة.
إن ارتفاع نسبة الفقر في اليمن لا يزيد من الأعباء على الرجال فحسب بصفتهم أوصياء؛ بل إن المرأة عُرضة لتحمُّل أعباء اقتصادية واجتماعية وصحية أشد قساوة، فوَفقًا لتقرير الأمم المتحدة حول اليمن لعام 2019، فإن 82 في المئة من القتلى في اليمن هم من الرجال والفِتيان، وذلك خلال الفترة من 2014- 2019.
اقرأ أيضًا: هل ستفرض الضغوط الدولية الاستقرار في اليمن قبل نهاية العام؟
ونتيجة لارتفاع عدد القتلى من الرجال أصبح معظم الأُسر الآن يديره الإناث، 21 في المئة منهن دون سن 18 عامًا. إن هذه النتائج المُخيفة تجعل النساء وأطفالهن في اليمن عُرضةً إلى الفقر والاستغلال في ظل استمرار الصراع. كما أن المجتمعات المنكوبة بالفقر عُرضة لعدم الحصول على السكن الملائم والمياه النظيفة والغذاء الصحي.
أُصيبت السيدة أم زيدان بحمى الضنك منتصف هذا العام. لقد تسببت حمى الضنك في وفاة 250 شخصًا في عدن وإصابة قرابة 6 آلاف آخرين خلال فترة وجيزة في عام 2015م، ولا تزال موجات من هذا المرض تُصيب مناطق مختلفة من وقت إلى آخر؛ بسبب البيئة غير الصحية والملوثة. نجت السيدة أم زيدان من المرض، ولكنها أُجبرت على تقليل ساعات العمل؛ للحفاظ على صحتها التي بدأت تتدهور.
ربما كان من حظ السيدة أم زيدان أن تنشأ في المدينة، عدن؛ حيث وجدت الفرصة للتعلُّم وكسب المهارات التي مكَّنتها من العمل في السنوات العِجاف، ولكن الحال ليست ذاتها للأغلبية؛ حيث يتسبب الصراع في اليمن في إجبار كثير من الأطفال على عدم الذهاب إلى المدرسة، وتُشكِّل الفتيات النسبة الكبرى مقارنةً بالأولاد؛ وذلك لأسباب منها عدم توفُّر المعلمات، وخوف الآباء على الفتيات، والزواج المُبكِّر، والاضطرار إلى العمل، وكذلك القيام بالواجبات المنزلية.

حتى منذ ما قبل الصراع، كان التحاق الفتيات بالدراسة في اليمن هو الأدنى في دول الشرق الأوسط. يؤدي انخفاض التحصيل العلمي وكسب المهارات لدى النساء دورًا سلبيًّا في تمكين النساء اقتصاديًّا، ويقلل من فرصهن في الحصول على الدخل والمشاركة في سوق العمل.
في مديرية المقاطرة، محافظة لحج بجنوب اليمن، يعاني المواطنون صعوبة الحصول على المياه؛ وهي أحد أكثر المشكلات شيوعًا في أرياف اليمن. التضاريس الوعرة في هذه المديرية تزيد من متاعب جلب المياه من الآبار البعيدة، والتي قد تبعد بضعة كيلومترات.
يقول عبد القادر أحمد سيف، أحد ساكني عزلة نجد البرد، في مديرية المقاطرة: “لطالما كانت المياه مصدر معاناة لنا؛ حيث يضطر النساء والأطفال إلى الذهاب عدة مرات في اليوم مشيًا على الأقدام إلى البئر؛ لجلب الماء”.
إن وظيفة جلب المياه من الآبار البعيدة هي أحد القيود الكثيرة التي تحد من قدرة المرأة على العمل المُجزي أو التعلُّم؛ حيث تُجبر هذه المشكلةُ كثيرًا من الفتيات على ترك المدارس. وفي هذا الصدد، يقول عبد القادر بعد أن قامت إحدى المؤسسات الإغاثية بتأهيل مصدر وشبكة المياه بالمنطقة: “كان أطفالي لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة؛ وذلك لانشغالهم بجلب الماء طوال اليوم”.
يعيش نحو 71 في المئة من اليمنيين في الريف، ويؤدي ذلك إلى جعل النساء أكثر ميلًا إلى العمل في قطاعَي الزراعة والرعي، كما قد يعمل بعض النسوة في مجال المشروعات الصغيرة التي لا تتطلب مستوى عاليًا من التعليم أو المهارة، وهذه جميعها قطاعات لا تُدرّ كثيرًا من الدخل. عالميًّا، ما يقرب من ثُلث النساء العاملات يعملن في الزراعة، ولا يعني عمل النساء بالضرورة حصولهن على أجر؛ وذلك بسبب كونهن يعملن في مزرعة العائلة، أو رعي ماشية العائلة مثلًا.
وفي هذا الصدد، وَفقًا لبعض التقديرات، فإن 61 في المئة من النساء العاملات في اليمن لا يحصلن على أجورهن.
تعمل غالبية النساء في المناطق الحضرية في اليمن في قطاعَي التعليم والرعاية الصحية. وكغيرها من مرافق القطاع العام، يعاني الموظفون من تأخُّر الرواتب لفترات تصل إلى عدة أشهر. في مثل هذه الحالات، تجد النساء فرصًا أقل بكثير من الرجال في ما يتعلق بخيارات العمل البديلة.

سيبقى الصراع في اليمن وفشل الدولة مُحفِزًا أساسيًّا لزيادة نسبة الفقر في البلاد، وذلك بالإضافة إلى نقص النمو الاقتصادي وتزايد عدم المساواة، وستتحمل المرأة اليمنية النصيب الأكبر من هذه الأعباء. إن القضاء على الفقر ليس سهلًا، بالذات حيث توجد الحروب؛ ولكن يمكن التخفيف من وطأته وآثاره المستقبلية من خلال بعض الإجراءات، مثل مساعدة الدولة على دفع رواتب القطاع العام، وتعزيز الزراعة المُستدامة ودعم مضاعفة الإنتاج الزراعي ودخل صغار منتجي الأغذية؛ بالذات النساء والمجتمعات الريفية. ويشمل بعض الإجراءات الأخرى حفر الآبار وتوصيل مياه شرب نظيفة، وبناء المدارس والمساكن في المجتمعات شديدة الفقر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ صحافي ومخرج أفلام وثائقية.