الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
كيف تآكلت الدبلوماسية الأمريكية؟
الولايات المتحدة تخلت عن القوة الناعمة كوسيلة للإقناع

ترجمة كيو بوست –
“الهوية الأمريكية لم تعد متماسكة، والقوة الصلبة طغت على القوة الناعمة، ما أدى إلى انهيار التأثير والنفوذ الأمريكيين”، هذا ما ذكرته أستاذة العلوم السياسية في جامعة كوينز الكندية، سارة غريسو.
وقد نشرت غريسو مقالتها في مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية، أوردت فيها مجموعة من الأسباب التي أدت إلى تراجع التأثير الأمريكي العالمي؛ أهمها “ابتعاد واشنطن عن القوة الناعمة، والتوجه إلى القوة الصلبة، ما أدى إلى نفور الدول الأخرى”.
اقرأ أيضًا: هكذا تطوّر مفهوم الدبلوماسية عبر الزمن
خلال قمة هلسنكي الأخيرة بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، استخدم الرئيس الأمريكي تهديد الحرب النووية لتبرير العلاقات الجيدة مع نظام سيء، تمامًا مثلما فعل في سنغافورة. وقد تضمنت لهجته عبارات مفرطة بشأن الكيفية التي تسيطر بها واشنطن وموسكو على أكثر من 90% من الأسلحة النووية في العالم، مما يدل على ميله إلى قدرات القوة الصلبة.
لقد استخدم ترامب الموارد الأمريكية المادية لدعم تهديداته للأمم المتحدة، ولمنظمة حلف شمال الأطلسي، ولمنظمة التجارة العالمية، ولاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. هذه مجرد أمثلة حول ما يعرف بالقوة الصارمة، أو القوة الصلبة، التي تتضمن أساليب غير محببة. إن نهج ترامب في ممارسة التأثير يتجاهل بشكل كامل القوة الناعمة (الأصول غير المادية) التي تستطيع الدولة تسخيرها لكسب النفوذ والتأثير، والتي تنطوي على استخدام قيمها الثقافية والاجتماعية والسياسية لتحقيق الوصول والترحيب في الدول الأخرى.
وعلى عكس نظيرتها القهرية – القسرية، تعتمد القوة الناعمة على قدرات الدولة الدبلوماسية في تشكيل آراء ورغبات الآخرين، وعلى جعلهم يرغبون بفعل ما ترغب به أنت، دون الإكراه أو استخدام القوة الصعبة. في الحقيقة، يعتقد الرئيس ترامب أن القوة الصلبة هي الملجأ الوحيد في جميع الحالات، ولو كانت نظرته صحيحة، فكيف يفسر لنا العلاقات الصينية – الأمريكية الآن؟ وكيف يشرح القلق المتزايد إزاء تراجع الدبلوماسية الأمريكية العامة؟
اقرأ أيضًا: الدبلوماسية الرياضية: هكذا ضربت القوة الناعمة عبر التاريخ
يُظهر اجتماع ترامب الأخير مع بوتين أهمية القوة الناعمة. على ضوء هذا اللقاء، يمكن الجزم بأن القوة الناعمة قادرة على إعادة تشكيل هيكل التأثير والنفوذ في النظام السياسي العالمي. لقد رفع ترامب ميزانية الدفاع الأمريكية عام 2018 إلى 639 مليار دولار، بينما خفضت روسيا، وللمرة الأولى منذ عقدين، ميزانيتها إلى 66,3 مليار دولار. وبرغم هذا الخلل في الميزانية، كسبت موسكو تأثيرًا ونفوذًا بما يفوق الولايات المتحدة بشكل كبير. إن ما تشير إليه قمة هلسنكي الأخيرة هو تآكل قدرات الولايات المتحدة في مجال القوة الناعمة، ولا شك في ذلك.
الهوية الأمريكية لم تعد متماسكة
تشير الدراسات الأخيرة بوضوح إلى حصول تغييرٍ في ترتيب الدول في قائمة القوة الناعمة العالمية، التي شهدت سقوطًا أمريكيًا حادًا، لم تشهده واشنطن من قبل. قد لا نعرف الكثير من التفاصيل حول آليات إضعاف القوة الأمريكية الناعمة من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، لكن التفسير العلمي يشير إلى أن التناقض يؤدي إلى تآكل القوة الناعمة.
في الحقيقة، لم تعد الولايات المتحدة تقدم هوية متماسكة أمام المجتمع الدولي. لقد أدى الصراع بين الأحزاب السياسية، والانقسام داخل المجتمع المدني، وتغيير السياسات المحلية والخارجية، إلى تقويض صورة الولايات المتحدة كدولة موحدة متماسكة داخليًا وخارجيًا. كما أن الرئيس ترامب نفسه غير متماسك؛ فقد غير موقفه إزاء نزع أسلحة كوريا الشمالية، من نزع “فوري” إلى “زمن لا محدود”. وهنالك أمثلة أخرى كثيرة على التناقض في السياسات الأمريكية.
الصين تحرك طاولة التأثير
استخدمت الصين قوتها الناعمة في السنوات الأخيرة بكل هدوء، وأظهرت قدراتها في التأثير على الدول الأخرى بطرق أكثر لطافة وتألقًا مما أظهرته الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تميزت الصين بمزيد من الاتساق الداخلي والخارجي، على عكس ما يحصل اليوم في واشنطن. وقد أظهرت في بحثي الأخير كيفية تأثير “الأصدقاء” على الآخرين، وقدرتهم على تحويل هيكلية القوة العالمية.
يشعر الباحثون والنقاد أن الصين تحتاج أولًا إلى التغلب على عدد من العقبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية قبل أن تتجاوز الولايات المتحدة كقوة عالمية كبرى، لكن هذا يعتمد على سرعة استجابة الأمريكيين لإيقاف النزيف في واشنطن.
المصدر: مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية