الواجهة الرئيسيةترجمات
كيف استخدمت تركيا المقاتلين السوريين كجيش مرتزقة في ليبيا؟

كيوبوست – ترجمات
يطرح عدد السوريين المقاتلين في ليبيا الذي وصل الآن إلى نحو عدة آلاف، تساؤلات مهمة؛ فهؤلاء المتمردون الذين سعوا في السابق للإطاحة بالأسد، يقومون الآن بالقتال إلى جانب الحكومة المهددة بالسقوط في طرابلس دون أن تشكل لهم تلك المعركة أية مصلحة واضحة، ومع ذلك فجأةً تحوَّلوا إلى ما يشبه جيوش الأجانب وعصابات المرتزقة، وهم على الأرجح قد أصبحوا مجرد أداة لخدمة السياسة الخارجية لأنقرة.
لقد منحت أنقرة الدعم للثورة السورية منذ لحظة اندلاعها؛ حيث أتاحت الأراضي التركية كمحطة وسيطة للمتمردين، وأيضًا كمكان يمكنهم فيه استعادة قواهم وتنظيم صفوفهم مرةً أخرى؛ حيث كان بإمكانهم الحصول على الداعمين والتمويلات والطعام والمساعدات الإنسانية، وبذلك تحولت تركيا إلى نقطة انطلاق بديلة كلما تطلب الأمر.
اقرأ أيضًا: المرصد السوري لـ”كيوبوست”: المرتزقة السوريون في ليبيا يهربون باتجاه أوروبا
وهناك أسباب وجيهة لذلك، فلاعتبارات أيديولوجية كانت تركيا الداعم الأول للمتمردين السوريين، أضف إلى ذلك تكدسها بملايين اللاجئين السوريين الذين نزحوا إلى أراضيها خلال سنوات الحرب المضطربة، وقد استمر هذا السيناريو ناجحًا حتى حلول عام 2015، وهو العام الذي بدأت فيه الأمور في التغيُّر؛ حيث شهدت تركيا عمليتَين انتخابيتَين مهمتَين، كما تم وقف العمل باتفاق وقف إطلاق النار مع حزب العمال الكردستاني؛ مما قاد إلى تولُّد أزمة على المنطقة الحدودية. وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد صعد نجمه خلال 2014، ما أدى إلى تزايد الضغوط الدولية على تركيا لإغلاق حدودها مع سوربا.
اقرأ أيضًا: أردوغان يواصل مغامرته “المتهورة” في ليبيا
وكانت أنقرة قد سمحت لنحو 50000 فرد من داعمي تنظيم الدولة الإسلامية بالعبور من أراضيها، وذلك رغم وجهة النظر البديهية التي كانت تحذر من انضمام هؤلاء إلى مجموعات المتمردين المتطرفة في سوريا؛ لكن السيناريو الأسوأ قد حدث وبدلًا من أن ينضم هؤلاء إلى بقية الثوار قاموا بمهاجمة التجمعات الثورية الأخرى، فضلًا عن تحرشهم العنيف بالأكراد والهجوم على نظام الأسد. وفي خلال عام 2015، أعلنت الولايات المتحدة دعمها وحدات حماية الشعب الكردية، وحرصت على تحويلها إلى ما يُعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وهو الأمر الذي استرعى انتباه تركيا، وزاد مخاوفها من سيطرة الأكراد على المنطقة الشرقية من سوريا.
وبحلول عام 2016، كانت أنقرة بصدد اتباع خطة مضادة؛ فلكي تتمكن من وقف تقدم “قوات سوريا الديمقرطية”، التي نجحت في عبور الفرات بالفعل في ذلك الوقت، قامت أنقرة بدعم ما عُرف لاحقًا بـ”الجيش السوري الحر”؛ حيث ضم الأخير كلًّا من “فرقة السلطان مراد” التي تشكَّلت من الأقلية التركمانية في سوريا، فضلًا عن “فيلق الشام” الذي تلقَّى الدعم لفترة طويلة من تركيا.
اقرأ أيضًا: العلاقات التركية الضمنية مع المجموعات الإرهابية في شمالي سوريا
وقد تضمنت الفصائل المدعومة من تركيا عديدًا من الأسماء؛ منها: لواء المعتصم، وحركة نور الدين الزنكي، وجبهة الشام، وجيش النصرة، وجيش التحرير، ولواء الحمزة، والفرقة 13، ولواء صقور الجيل.. إلخ، حيث تباهى كثير من تلك الفرق بامتلاكه أعدادًا ضخمة من المقاتلين؛ إلا أن الذين شاركوا في القتال في النهاية لم يتخط تعدادهم بضعة آلاف.
اتبعت تركيا عدة طرق في رحلة دعمها المتمردين السوريين؛ حيث قامت أولًا بالسماح بانتقال بعض المتمردين من مدينة كيليس إلى مدينة الريحانية، وهما مدينتان واقعتان على الحدود مع شمال سوريا، أما الآن فهي تقوم بتحريكهم للقتال في المنطقة الواقعة على نهر الفرات. وبحلول عام 2016، كان الأتراك يحثون الجماعات السُّنية العربية على قتال الأكراد، وذلك على اعتبار أن “قوات سوريا الديمقراطية” ما هي إلا مجموعات من الملحدين والصابئة الذين لم يتوانوا عن دعم نظام بشار الأسد.
اقرأ أيضًا: المرصد السوري لـ”كيوبوست”: المرتزقة السوريون في ليبيا يهربون باتجاه أوروبا
وكانت العلاقات التركية- الروسية قد وجهت الأمور إلى منعطف جديد؛ حيث سعت أنقرة لشراء منظومة صواريخ “إس- 400″ وإنشاء خطوط الغاز التركية- السورية المعروفة بـ”السيل التركي”. ولكي يتم تحقيق ذلك اشترطت روسيا على الأتراك التخلي عن دعم المتمردين السوريين في مواجهة نظام الأسد، فما كان من أنقرة إلا أن وجهت أنظار المتمردين إلى قتال “قوات سوريا الديمقراطية”؛ بهدف إضعاف الوجود الأمريكي في سوريا، ومن ثَمَّ يصبح لتركيا كامل السيطرة على المنطقة التي حكمتها القوات الديمقراطية في السابق.

ومنحت تركيا التمردين السوريين بعض المهام؛ منها اغتيال الناشطة الكردية هفرين خلف؛ حيث قاموا باعتراض طريقها في أثناء مرورها بأحد الطرق السورية في الثاني عشر من أكتوبر عام 2019، وقاموا بإعدامها، ومع مرور الوقت أصبح كلُّ من تركيا وروسيا بصدد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في شمال سوريا، حصلت أنقرة بموجبه على بعض المناطق المحيطة بتل أبيض، وبمجرد توقيع اتفاق إدلب أصبح المتمردون السوريون أحرارًا في حكم المناطق التي جنتها تركيا كغنيمة حرب.
اقرأ أيضًا: خاص لـ”كيوبوست”.. هفرين خلف.. تفاصيل اللحظات الأخيرة
وبعد نجاح عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا في المنطقة الشمالية من سوريا مطلع شهر أكتوبر الماضي، بدأت أنقرة في التفكير على نحو مختلف؛ فبالنظر إلى النجاح الذي حققته في إقناع المتمردين السوريين بقتال الأكراد بعيدًا عن منطقة تل أبيض التي تسيطر عليها قوات الأسد، أصبحت لدى أنقرة قناعة بأنها قادرة على توجيه المتمردين كما تشاء. وبالنظر إلى أن الأمور قد تتغير ويتزايد طموح المتمردين وتباهيهم بالنصر، بدأت أنقرة في تغيير طريقتها؛ فقد يأتي الوقت الذي يبدأ فيه المتمردون في التساؤل عن علاقة تركيا بروسيا، ولم يصبح في طيّ النسيان بعد كم المعاناة التي تسببت فيها روسيا لهؤلاء، وذلك حين قامت بتفجير منازلهم في حلب وإجبارهم على الخضوع لنظام الأسد عام 2016؛ لذلك إذا نجحت في توجيههم بعيدًا عن الأراضي السورية وإغرائهم بتحقيق المكاسب في مكان آخر، ستكون قد نجحت في إبقائهم منشغلين؛ لا سيما في مكان بعيد كل البعد عن مؤخرات الأتراك.

كانت تركيا قد نجحت في توقيع اتفاق غريب من نوعه مع الحكومة الليبية المحاصرة في طرابلس. فعلى الرغم من أن حكومة الوفاق الوطني لا تمتلك السيطرة إلا على مناطق صغيرة من ليبيا بينما تتعرض إلى الهجوم المستمر من قوات خليفة حفتر المدعومة من مصر؛ فإن تركيا قد نجحت في الحصول على بعض الامتيازات من الحكومة الضعيفة، وذلك بمقابل زهيد هو إرسال المتمردين السوريين للقتال إلى جانب طرابلس. أما عن أنقرة فقد حصلت على امتياز حصري في المنطقة الاقتصادية الواقعة على السواحل الشمالية الليبية، وكانت النتيجة المأساوية لاتفاق من هذا القبيل هي إمطار طرابلس بسيل من المتمردين السوريين.
اقرأ أيضًا: اتفاق ترسيم الحدود البحرية التركي- الليبي يهدد شرعية حكومة السراج
وفي ليبيا التي تبعد عن حلب؛ حيث بدأ المتمردون السوريون خبرتهم في القتال، ومع مرور الوقت تحولت تلك الفئة من الثوار السوريين إلى جنود مرتزقة يعملون لصالح أنقرة، وهكذا تبدو صورة الجيش الأجنبي متعدد الأطياف واضحةً في المعركة الدائرة حول طرابلس. وبالنسبة إلى تركيا، فهي تأمل في أن يبقى هؤلاء المتمردون في ليبيا لأطول فترة ممكنة، ولن تتورع في تشتيت أذهانهم عن هدفهم القديم عن طريق نشر الأفكار حول الجهاد الذي لا يرتبط بمكان جغرافي محدد، وبهذه الطريقة ستضمن بقاءهم بعيدًا عن سوريا؛ حيث يمكنها توقيع بعض الاتفاقات مع روسيا والحصول على جانب معتبر من الكعكة السورية، أضف إلى ذلك أحلام أنقرة في جني ثمار الحرب الليبية وتحقيق بعض الغنائم بالاستيلاء على عدة مناطق من الأراضي الليبية.
اقرأ أيضًا: مسلحو أردوغان العرب يحولون شمال سوريا إلى منطقة غير آمنة
لقد تحول المتمردون السوريون إلى أداة تستخدمها أنقرة لصالح سياستها الخارجية، وبإمكان تركيا الآن تصدير حفنة من المقاتلين إلى أي مكان تريد توطيد نفوذها فيه. وحتى الآن، تمكنت من إبرام مزيد من الاتفاقات مع روسيا. وبينما لا يتخطى الراتب الشهري لأي من هؤلاء المقاتلين بضع مئات من الدولارات، تجني أنقرة مليارات الدولارات من خلال اتفاقات الطاقة والاتفاقات العسكرية التي تجريها مع موسكو.
إذن في مقابل بضعة من ملايين الدولارات، هي إجمالي ما تنفقه تركيا على المرتزقة السوريين، سيكون بإمكانها تحقيق مكاسب عظيمة من موسكو، فضلًا عن تأمين الأراضي التي نجحت في احتلالها في شمال سوريا، ومن الممكن اعتبار ذلك الأمر إنفاقًا عسكريًّا لا يتخطى حيز الإنفاق الذي قد تمنحه أية دولة لقطيع من الخراف، وهكذا لم تكن أنقرة ستتمكن من الاستثمار في سوريا أو ليبيا إلا بتشتيت المتمردين السوريين بالقتال مع عدو جديد كل ستة أشهر.
المصدر: جيروزاليم بوست