الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

كيف أنشأت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟ (2)

أكثر من اللازم ولا يكفي أبداً

كيوبوست

تمت الإشارة في الحلقة الأولى إلى التأثيرات السلبية لنشأة ترامب على سلوكه اللاحق؛ خصوصاً في ما يتعلق بافتقاده رعاية والدته، فضلاً عن أسلوب تعامل والده معه، والذي اتصف بالقسوة، وعدم الاكتراث لأولاده. وفي هذه الحلقة سوف تتم الإشارة إلى بعض التفاصيل الإضافية التي أوردتها ماري، ابنة أخ دونالد ترامب عنه.

إدارة ترامب لشركات العائلة

عندما بلغ ترامب سن الرابعة والعشرين، جعله والده يتولى منصب رئيس “إدارة ترامب”، وذلك بعد ثلاث سنوات فقط من عمله مع والده، ولم يكن يمتلك الخبرات، أو المهارات اللازمة لذلك. وفي حقيقة الأمر، فإن فريد الأب، لم يكن يريد أياً من ابنَيه، فريد أو دونالد ترامب، أن يتوليا منصباً قيادياً في الشركة، حيث ظل ممسكاً بزمام الأمور ويدير الشركة بنفسه، كما أن أعمال فريد الأب كانت تواجه مشكلات في ذلك الوقت، أي في عقد السبعينيات من القرن العشرين؛ بسبب الأزمة المالية التي مرت بها مدينة نيويورك، واضطرارها إلى إلغاء العديد من المشروعات؛ بسبب حرب فيتنام، ولذلك فإن الهدف من ترقية ترامب لهذا المنصب كان فقط إذلال وإهانة فريد الابن. ومع مرور الوقت، كان الأب فريد وزوجته يتعاملان مع دونالد على أنه الشخص الوحيد المهم في العائلة، وذلك على حساب إخوته، أو حتى الأحفاد، وكان هناك شعور مدمر في بعض الأحيان لباقي أفراد الأسرة.

ترامب مع والده – أرشيف

وكان فريد الأب يدرك جيداً أن ابنه دونالد لم يكن يمتلك المزاج أو العقلية المناسبة للاهتمام بالتفاصيل اليومية؛ وهي إحدى الصفات الرئيسية المطلوبة لإدارة الأعمال، غير أنه كان لديه شيء أكثر قيمة، وهو أفكار جريئة وإصرار على تحقيقها. وكان لدى فريد تطلعات طويلة لتوسيع إمبراطوريته إلى مانهاتن، وهي حلم مطوري العقارات في مدينة نيويورك. وكان دونالد مثل والده، يكره تطوير العقارات في منطقة بروكلين؛ ولكن لأسباب مختلفة للغاية، وهي تراجع دخول الطبقة العاملة هناك، ومن ثمَّ افتقادها “الإمكانات” لتوليد أرباح هائلة.

وأدى نجاح دونالد في بناء فندق جراند حياة في عام 1980 إلى تمهيد الطريق لبنائه برج ترامب، الذي تم افتتاحه في عام 1983، وأحدث ضجة كبيرة؛ سواء بسبب سوء معاملته العمال غير الموثقين الذين شاركوا في بنائه، فضلاً عن تدمير نقوش الحجر الجيري الجميلة، والذي كان يحتل واجهة مبنى “بونيت تيلير” (Bonwit Teller)، والذي تمت إزالته لبناء برج ترامب.

وقد وعد دونالد في البداية بإهداء هذه القطعة الأثرية المهمة تاريخياً إلى متحف المتروبوليتان للفنون، غير أنه أدرك أن إزالتها ستكلف الكثير من المال وتبطئ حركة البناء، فأمر بتدميرها. وعندما وجهت إليه انتقادات لذلك، تجاهلها، معلناً أن المنحوتات كانت “دون أية ميزة فنية”، وذلك على عكس تقييم الخبراء.

برج ترامب – أرشيف

وكان السبب الحقيقي وراء نجاح دونالد في أول مشروعَين وتطويرهما بسلاسة نسبية هو والده فريد وخبرته كمطور عقاري وقدرته على إبرام صفقات ناجحة. ولم يكن لدونالد أن ينجح لولا اتصالاته ونفوذه وموافقته وأمواله وخبرته، وربما الأهم، دعمه لدونالد. وبكل المقاييس، لم يكن نجاح ترامب في بناء المشروعَين يمثل أمراً جللاً، أو نجاحاً لافتاً، فقد كان “جراند حياة” وبرج ترامب مبنيَين عاديَّين جداً في مانهاتن.

إخفاق في إدارة الكازينوهات

بدأ دونالد في منتصف الثمانينيات في شراء أحد الكازينوهات، واعتقد أنه كلما اشترى مزيداً منها حقَّق ثراءً أكبر، ولذلك قام بشراء اثنين آخرين، وذلك على الرغم من أن وجودها في نفس المنطقة جعلها تنافس بعضها بعضاً، وحجَّم من مكاسبها، ولم يدرك ترامب أن منطق امتلاك مشروعات عقارية لا يسري على الكازينوهات، فكلاهما يختلفان بعضهما عن بعض اختلافاً كبيراً، سواء من حيث نموذج الأعمال أو السوق أو قاعدة العملاء أو حسابات الأرباح.. وغيرها من الأمور.

وخسر اثنان من الكازينوهات التابعة لدونالد نحو 58 مليون دولار، مع افتتاح الكازينو الثالث التابع له، والمسمى “تاج محل”. وحققت الكازينوهات الثلاثة خسائر إجمالية سنوية بلغت نحو 94 مليون دولار. وفي يونيو 1990، حاول والد ترامب مساعدته، عبر إنفاق أموال في أحد الكازينوهات التابعة لترامب، والتي بلغت نحو 3 ملايين دولار.

وبينما كان فريد الأب على قيد الحياة، تلقى دونالد وحده من أبيه ما يعادل مبلغ 413 مليون دولار، معظمه في صورة قروض لم يسددها قط، ومشروعات عقارية لم ترَ النور، وهدايا لم يتم فرض ضرائب عليها مطلقاً. ولا تشمل هذه المبالغ نحو 170 مليون دولار؛ المبلغ الذي حصل عليه ترامب من خلال بيع شركات أبيه فريد بعد وفاته.

ترامب أمام كازينو تاج محل – أرشيف

وتزامن مع هذا التوسع في شراء الكازينوهات توسع في الاقتراض؛ حتى بلغ إجمالي الأموال التي اقترضها في 1990 نحو 975 مليون دولار أمريكي، ولم تلتفت البنوك التي أقرضته هذه الأموال إلى تضخم مديونيته؛ وذلك بسبب توسعه في شراء عقارات وأملاك. وتنبهت البنوك إلى ذلك، وفرضت عليه تسوية لتسديد جانب من هذه الديون. وبموجب الاتفاق، تمت مراجعة وتقييد نفقاته، وبيع بعض أملاكه، وذلك حتى يتمكن من سداد هذه الديون، غير أنه على الرغم من ذلك، خالف هذا الاتفاق، وقام بإنفاق نحو 250 ألف دولار كخاتم خطوبة لإحدى زوجاته، بالإضافة إلى 10 ملايين دولار لإحدى طليقاته.

ونبَّهته البنوك إلى خيانته اتفاقه معها؛ لكنها لم تتخذ أي إجراء ضده، الأمر الذي عزز اعتقاده أنه يستطيع أن يفعل ما يريد دون أي عقاب، كما كان دائماً يفعل. ويلاحظ أنه خلال هذه الفترة، قامت وسائل الإعلام بامتداح ترامب، وبالتالي، فقد حلَّت البنوك ووسائل الإعلام محل والده فريد، في الثناء عليه بصورة مبالغ فيها، وبما يجافي الواقع، وساعده على ذلك احتفاظه بعلاقات قوية مع النخبة السياسية في نيويورك، فضلاً عن ميل الإعلام إلى التركيز على أخبار مثل طلاقه من إحدى زوجاته، أو علاقاته النسائية، أكثر من اهتمامه بنقل أخبار تعثره مادياً.

ونظراً لإدراك فريد الأب سوء إدارة دونالد، فقد أحاطه بأشخاص يعرفون كيفية إدارة الأعمال، ثم ينسبون الفضل إلى دونالد، وكلما زاد المال الذي دفعه فريد الأب إلى دونالد، زادت ثقة دونالد بنفسه؛ ما دفعه إلى المغامرة بدخول مشروعات أكبر، مما أدى إلى إخفاقات أكبر، وهو ما كان يجبر فريد على التدخل أكثر، وتقديم مزيد من المساعدة والدعم له. ومن خلال الاستمرار في تمكين دونالد، تسبب فريد الأب في جعله أسوأ؛ إذ أصبح أكثر حاجة إلى اهتمام وسائل الإعلام، والحصول على أموال مجانية من أبيه، ومزيد من الخداع للذات بشأن “عظمته”.

افتقاد ترامب التعاطف

أبلغ دونالد ترامب، ماري، مؤلفة الكتاب، ذات يوم “أعتقد أننا ارتكبنا خطأ كبيراً في استمرار دعم أمك مادياً. ربما كان من الأفضل لو قطعت علاقتك بأمك لبضع سنوات حتى تضطر للوقوف على قدميها”. ويلخص هذا الموقف طريقة تفكير دونالد ووالده فريد، وهو رفضهما تقبُّل أن يحصل أي شخص على أموال من دون مقابل، أي من دون أن يقوم بعمل ما في نظير ذلك.

ماري ل. ترامب – وكالات

وتشير ماري إلى أن دونالد كان لطيفاً بعض الشيء، فقد أعطاها ذات مرة 100 دولار؛ لإخراج سيارتها من الحجز. وبعد وفاة والدها فريد، كان دونالد هو العضو الوحيد في عائلتها، بخلاف جدتها، الذي كان يشركها في أي شيء. لكن لطفه تراجع بمرور الوقت؛ بسبب شعوره بعدم جدوى ذلك، فضلاً عن انتقاد والده فريد ذلك الأمر.

وتشير ماري إلى أن جدها فريد كان دائماً يضغط عليهم للقيام بإنجاز كبير، وأنه مهما فعلت يجب أن تكون غير عادي. فعلى سبيل المثال، لا يمكنك فقط أن تكون مدَّعياً عاماً، بل يجب عليك أن تكون أفضل مدَّعٍ عام في الولايات المتحدة بأسرها؛ بل وأن تصبح قاضياً فيدرالياً. لا يمكنك أن تطيِّر الطائرات فقط، كان عليك أن تكون طياراً محترفاً لشركة طيران كبرى. غير أنها مع مرور الوقت، أدركت أن فريد الأب، كان يطبق هذا المعيار على والدها فريد الابن، الذي أخفق في تلبية طموح والده، ودونالد الذي تجاوز توقعات أبيه فريد بشكل كبير.

وبعد الانتخابات، اتصل دونالد بشقيقته الكبرى، ظاهرياً بغرض الاطمئنان على حالها، غير أنه أراد فقط أن تؤكد بقوة أنه كان يقوم بعمل رائع في حملاته الانتخابية للرئاسة، وعندما أبلغته بأن أداءه “ليس جيداً”، انفجر دونالد في وجهها على الفور مهاجماً إياها، قائلاً: “هذا مقرف”، ثم بدأ في معايرتها، قائلاً: “ماريان، أين كنت ستكونين من دوني؟”، في إشارة إلى أن توليها منصب قاضٍ فيدرالي يرجع إلى علاقات دونالد ترامب القوية بالطبقة السياسية.

وكانت ماريان، الأخت الأكبر لترامب، تظن أنه يسمع لها، وقد تركت له رسالة مع سكرتيره الخاص بالبيت الأبيض في يونيو 2018، تطلب منه قبيل لقائه زعيم كوريا الشمالية، أن يستمع فقط إلى آراء الخبراء حول كيفية التعامل مع بيونغ يانغ، وأن يترك “تويتر”، غير أنه لم يأبَه لنصيحتها، واستمر في الاعتماد على “تويتر”، والتعامل مع زعيم كوريا الشمالية على عكس نصيحة الخبراء.

اقرأ أيضًا: فيسبوك يخسر 37 مليار دولار في يوم واحد بسبب فضيحة ترامب!

القضاء على إمبراطورية والده

في عام 2004، قام دونالد ببيع الغالبية العظمى من شركات وعقارات والده، التي بناها على مدار سبعة عقود، لمشترٍ واحد فقط، وهو روبي شارون، وذلك مقابل 705,6 مليون دولار، وذلك على الرغم من أن البنوك، التي موَّلت شراء شارون لهذه الشركات، قيَّمت هذه الأصول بما يقرب من مليار دولار؛ أي أن دونالد، صانع الصفقات، تنازل عما يقرب من 300 مليون دولار على الطاولة.

وكان بيع العقارات كلها لمستثمر واحد خطأ كارثي. وكان أذكى شيء يمكنه القيام به هو الحفاظ على إدارة ترامب دون التضحية بها؛ إذ إن ذلك وحده كان سيمكن الأشقاء الأربعة من الحصول على من 5 إلى 10 ملايين دولار سنوياً لكل منهم. ولكن دونالد كان بحاجة إلى ضخ أموال أكبر بكثير. ولذلك لم يلتفت إلى هذا المبلغ الضئيل، حتى لو كان يأتي إليه سنوياً.

وكانت هناك استراتيجية أخرى، وهي بيع العقارات بشكل فردي، وهو ما كان سيرفع سعر بيع هذه العقارات بصورة أكبر. ومع ذلك، كانت تلك العملية سوف تستغرق وقتاً طويلاً. وكان دونالد، الذي كان ملاحقاً بديون، لم يرغب في الانتظار، كما أن بيع عشرات العقارات سوف يتسرب إلى وسائل الإعلام، ويضعف موقفه المالي، ولذلك أراد إتمام عملية البيع بأسرع وقت ممكن وبهدوء، وهو ما نجح فيه. وكانت هذه واحدة من صفقات دونالد العقارية التي لم تحظَ بتغطية صحفية.

وعلى الرغم من وجود اعتراض على ذلك من إخوته، وتحديداً ماريان وإليزابيث وروبرت، فقد احتفظوا بهذه الانتقادات لأنفسهم. وحصل كل واحد منهم في النهاية على نحو 170 مليون دولار. وبالنسبة إلى دونالد لم يكن ذلك كافياً؛ فلم يكن هناك أي شيء على الإطلاق يمكن أن يكفيه.

ترامب كرئيس للولايات المتحدة

تختتم ماري في النهاية مؤكدة أن دونالد اليوم، وهو رئيس للولايات المتحدة، لا يختلف عن شخصيته حينما كان طفلاً يبلغ ثلاثة أعوام؛ فهو غير قادر على النمو أو التعلم أو التطور، أو تنظيم عواطفه، أو استيعاب المعلومات وتجميعها.

دونالد ترامب – وكالات

كما أشارت ماري إلى أنه يعاني الحاجة باستمرار إلى المديح والثناء عليه من جانب المحيطين به. وتشير إلى أن دونالد ترامب ليس نرجسياً؛ بل هو شخص ضعيف ببساطة، لأنه يعرف في قرارة نفسه أنه لا يمتلك أياً من الصفات التي يدَّعي امتلاكها. فهو يعلم جيداً أنه لم يكن محبوباً قط؛ لذا يحب أن يجذب انتباهك إذا استطاع ذلك من خلال جعلك تتفق معه على أكثر الأشياء التي تبدو غير ذات أهمية؛ مثل قوله: “أليست هذه الطائرة رائعة؟”. وتؤكد ماري في النهاية أنه يجب عليك تهدئته طوال الوقت؛ لأن عدم القيام بذلك سوف يترك فراغاً لا يُطاق بالنسبة إليه ليتحمله لفترة طويلة.

وعلى الرغم من أن طبيعة دونالد الأساسية لم تتغير، منذ تنصيبه لرئاسة الولايات المتحدة؛ فإن ما تغير مقدار الضغط الذي يتعرض إليه، ولا تتمثل هذه الضغوط في ضغوط العمل؛ لأنه لا يقوم بهذه المهمة، ولكن الجهد المبذول لإبقاء الآخرين مشتتين من حقيقة أنه لا يعرف شيئاً؛ سواء عن السياسة أو حتى الآداب الإنسانية البسيطة. فعلى مدار عقود، حصل دونالد على دعاية، جيدة وسيئة؛ لكنه نادراً ما تعرض إلى تدقيق محايد، ولم يكن عليه قط مواجهة معارضة كبيرة.

اقرأ أيضًا: عزاء للرئيس أم تشييع لعهده؟ ترامب يمر بأصعب اختبارات القيادة!

كما تشير ماري إلى أن دونالد كان قاسياً. وتلمح إلى أن تلك الصفة أخذها عن والده. فوفقاً لماري، كانت إحدى الملذات القليلة التي كان يستمتع بها، إلى جانب كسب المال، هي إذلال الآخرين؛ إذ كان مقتنعاً بأنه على صواب دائماً في جميع المواقف، كما كان لديه إيمان عميق بتفوقه على الآخرين، وكان يعاقب أي تحدٍّ لسلطته بسرعة وحسم، ووضع خصم منافسه في مكانه. وكان هذا ما حدث عندما قام فريد الأب بترقية دونالد على فريد الابن؛ ليكون رئيساً لـ”إدارة ترامب”. ولكن على عكس فريد الأب، كان ترامب يشعر بوجود نقص في شرعيته.

وتؤكد ماري أن رد دونالد الأوَّلي على جائحة “كوفيد-19” تعكس ملمحاً آخر من شخصيته؛ وهو ميله الدائم إلى تقليل المواقف السلبية بأي ثمن، وهو ما تربطه بأن الخوف كان موازياً في عائلتها بالضعف، وهو أمر غير مقبول في كل الأحوال. فبالنسبة إليه لم يكن هناك أي خيار سوى أن تكون إيجابياً وأن تظهر قوتك، حتى لو كان ذلك وهماً؛ لأن القيام بأي شيء آخر يعني إصدار حكم بالإعدام عليه.

لقراءة الحلقة الأولى: اضغط هنا

بطاقة الكتاب:

اسم الكتاب: «أكثر من اللازم ولا يكفي أبداً: كيف أنشأت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟»

اسم المؤلف: ماري ترامب.

دار النشر: سيمون آند شوستر.

مكان النشر: نيويورك.

سنة النشر: 2020

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة