الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
كيف أنشأت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟ (1)
أكثر من اللازم ولا يكفي أبداً

كيوبوست
تسلط ماري ل. ترامب؛ وهي طبيبة نفسية، وابنة أخ دونالد ترامب الوحيدة، الضوء على التاريخ المظلم لعائلتها؛ من أجل شرح كيف تطور ترامب إلى الوضع الذي صار عليه الآن. وأمضت ماري ترامب معظم طفولتها في منزل جدها الكبير الفخم في نيويورك؛ حيث نشأ دونالد وأشقاؤه الأربعة. وتصف في الكتاب الصدمات والإهمال وسوء المعاملة التي تعرض لها ترامب، وكيف تسببت أحداث معينة وأنماط عائلية غريبة في خلق الرجل غريب الأطوار، الذي يشغل حالياً البيت الأبيض؛ بما في ذلك العلاقة غير السوية بين فريد ترامب وابنيه فريد جونيور ودونالد.
رجل بلا مبادئ
وتشير ماري في البداية إلى أنه عندما أعلن دونالد ترشحه للرئاسة في 16 يونيو 2015، لم تأخذ الأمر على محمل الجد؛ بل كانت تعتقد أن دونالد ترامب نفسه لم يكن يقصد ذلك فعلاً، بل أراد ببساطة الدعاية المجانية لعلامته التجارية “ترامب”، غير أن ارتفاع شعبيته في استطلاعات الرأي أسهم في قراره بالترشح للانتخابات. كما تشير ماري إلى أنه ربما تلقى تأكيدات ضمنية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن روسيا ستفعل كل ما في وسعها للتأثير على مسار الانتخابات لصالحه.

وأشارت ماري إلى استياء خالتها ماريان، من دعم الإنجيليين البيض لترامب، مؤكدة أنه لم يذهب قط إلى الكنيسة، إلا عندما تكون هناك كاميرات لتصويره؛ فهو رجل بلا مبادئ، وفقاً لها. وأشارت ماريان إلى فشل وسائل الإعلام في ملاحظة أنه لا يوجد فرد واحد من عائلة دونالد، باستثناء أبنائه وصهره وزوجته الحالية، قال كلمة واحدة تدعمه خلال الحملة الانتخابية بأكملها. كما أخبرت ماريان ماري، مؤلفة الكتاب، أن دونالد محظوظ؛ لأنها، كقاضية فيدرالية، يجب أن تلتزم الصمت للحفاظ على موضوعيتها، وأنها، ربما كانت هي الشخص الوحيد في البلاد الذي كان يستطيع أن يحدث فارقاً لو تحدثت عن عدم أهلية دونالد الكاملة لرئاسة الولايات المتحدة، بالنظر إلى موقعها كأخته وسمعتها المهنية.
وتشير ماري إلى أنه من أجل فهم شخصية ترامب لا بد من الرجوع إلى أبيه “فريد”، والذي شجَّع تهوره، وعزَّز فيه ثقة زائفة أخفت ضعف دونالد المرضي وشعوره الدائم بعدم الأمان، ولذلك فبحلول موعد الانتخابات، واجه دونالد أي تحدٍّ لإحساسه بالتفوق بغضب شديد؛ وذلك لإخفاء خوفه ونقاط ضعفه.
اقرأ أيضًا: من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (5)
ويحلو لترامب أن يقدم نفسه بأنه بنى نفسه من الصفر، وذلك على الرغم من توفر العديد من الأدلة، التي توضح أن ذلك لم يكن صحيحاً قط، وترجع أصول هذه الكذبة إلى والد ترامب نفسه، الذي روَّج لهذه الفكرة، والغريب أنه على الرغم من الأدلة الواضحة التي تشير إلى عكس ذلك؛ فإن هذه الكذبة استمرت، بل ودافع عنها الحزب الجمهوري.
التأثيرات السلبية لعائلة ترامب
كانت ماري وفريد، والدا دونالد ترامب، يعانيان مشكلات نفسية منذ البداية. فقد كانت ماري أصغر إخوتها العشرة، وكان عمرها أصغر من أكبر إخوتها بنحو واحد وعشرين سنة، ونشأت في بيئة غير مضيافة غالباً في أوائل عام 1910، وهو ما يشير إلى أنه تم إهمالها وهي صغيرة، ولم تتم تلبية احتياجاتها الخاصة بشكل كافٍ، ولذلك كانت من نوع الأم التي استخدمت أطفالها لتهدئة نفسها، بدلاً من تهدئتهم؛ فقد كانت توجد معهم عندما كان ذلك مناسباً لها، وليس عندما كانوا في حاجة إليها.

وغالباً ما كانت أحوالها النفسية غير مستقرة، كما كانت تشعر بالشفقة على نفسها وأنها ضحية، وكثيراً ما تضع نفسها أولاً؛ خصوصاً في مواجهة أبنائها. فقد تصرفت كما لو لم يكن هناك شيء يمكن أن تفعله لهم. وعندما عانت ماري، والدة دونالد ترامب، مشكلات صحية أبعدتها عدة أشهر عن المنزل، كان ترامب صغير السن، ولم يتجاوز العامين ونصف العام، وافتقد والدته بشدة، وكانت أم والده هي التي تعتني به، وكانت غير ودودة، وقاسية مثل ابنها.
وبينما كانت ماري تعاني نفسياً، فإن فريد، والد دونالد ترامب، ليس لديه أي احتياجات عاطفية على الإطلاق. وفي الواقع، كان مختلاً نفسياً. وعلى الرغم من أن الاختلال النفسي يصيب نحو 3% من الأشخاص، فإن 75% ممن تم تشخيصهم بهذه العلة الاجتماعية كانوا من الرجال. وتتضمن أعراض الاعتلال الاجتماعي الافتقار إلى التعاطف، والكذب باستمرار، وعدم الاكتراث للصواب والخطأ، والسلوك المسيء، وعدم الاهتمام بحقوق الآخرين.
ويلاحظ أن معاناة الوالد الاعتلالَ النفسي تتسبب في اضطراب حاد للأطفال؛ خصوصاً في ما يتعلق بكيفية فهمهم لأنفسهم، كما أنها تحدث اضطراباً في عواطفهم، وتؤثر سلباً على قدرتهم على الانخراط مع العالم الخارجي؛ خصوصاً إذا لم يكن هناك أي شخص آخر للتخفيف من التأثيرات السلبية للأب.
اقرأ أيضًا: عزاء للرئيس أم تشييع لعهده؟ ترامب يمر بأصعب اختبارات القيادة!
وكانت والدة ترامب، ماري، غير قادرة على تحجيم هذه التداعيات؛ بسبب قسوة فريد وعدم مبالاته وسلوكه المسيطر. إن افتقار فريد إلى الشعور الإنساني الحقيقي، وصلابته كوالد وزوج، وإيمانه بدونية المرأة من المحتمل أن أشعرها بالتهديد، ولذلك لم تسعَ إلى معارضته.
ونظراً لتغيُّب ماري عاطفياً وجسدياً بسبب إصاباتها، كان من المفترض أن يلعب فريد دور الوالد، ويعوض غياب الأم، غير أن ذلك لم يحدث؛ بسبب اعتقاده الراسخ بأن التعامل مع الأطفال الصغار ليس مسؤوليته، فضلاً عن اهتمامه بوظيفته، والتي كانت تسحب من وقته نحو اثنتي عشرة ساعة في اليوم، على مدار ستة أيام في الأسبوع، وذلك في إدارة “ترامب”، وكأن لسان حاله أن أطفاله يمكنهم الاعتناء بأنفسهم. وركز فريد على ما كان مهماً بالنسبة إليه: والذي تمثل في تطوير مشروعَين عقاريَّين؛ هما “شور هافن” و”شاطئ هافن”، في ضاحية بروكلين بولاية نيويورك، وكانا أهم مشروعَين في حياته.

وكان دونالد وفريد الصغير، ابنا فريد الصغيران، على الأرجح، أكثر احتياجاً إلى اهتمام والدهما، نظراً لغياب والدتهما عنهما، وشعورهما بالحزن الشديد لذلك؛ بل إن احتياجهما إلى عطف أبيهما كان يشعره بالغضب، ولذلك فإن هذا ترك انطباعاً لدى الطفلَين بأن الاحتياج العاطف مساوٍ للإهانة واليأس وقلة الحيلة، ونظراً لاهتمام والدهما بحياته العملية، فإن الطفلَين لم يكن أمامهما من خيار سوى التأقلم على عدم التعبير عن احتياجهما إلى أية عاطفة.
ولذلك فقد نشأ أطفال فريد على الانعزال؛ ليس فقط عن العالم الخارجي، ولكن عن بعضهما بعضًا، وافتقد هؤلاء الأطفال الشعور بالتضامن تجاه أي إنسان آخر. وولَّد هذا الأمر شعوراً متناقضاً لدى دونالد ترامب؛ فقد كان معتمداً بالكامل على والده، والذي كان مصدر الشعور بالخوف والترهيب في الوقت نفسه، ولذلك عانى ترامب الحرمان العاطفي، وهو أمر لازمه طيلة حياته.
وبالنسبة إلى بعض أبناء ترامب، كان الكذب طريقة حياة، وبالنسبة إلى ابنه الأكبر فريد، كان الكذب إجراءً دفاعياً، وليس مجرد وسيلة للالتفاف على رفض والده، أو لتجنب العقاب، مثل إخوته الآخرين؛ بل صار وسيلة للبقاء على قيد الحياة. وبالمثل، لم تعارض ماريان والدها، ربما خوفاً من العقاب. وبالنسبة إلى دونالد، كان الكذب في المقام الأول وسيلة لتضخيم الذات، ويهدف إلى إقناع الآخرين بأنه شخص أفضل مما كان عليه في الواقع.
تلبية طموحات الأب
كان لدى دونالد بالفعل الكثير من الخبرة في مشاهدة شقيقه الأكبر يناضل من أجل أن يلبِّي توقعات والدهما ويفشل. وكان لدى فريد الأب عادة استبدادية تتمثل في افتراض أن أتباعه يعرفون ماذا يفعلون دون أن يتم إخبارهم. وبشكل عام، كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة ما إذا كنت تفعل شيئاً صحيحاً هي إذا لم يتم توبيخك.
وعرف دونالد بناءً على الحدس، وخبرته، أنه لن تكون هناك جدوى من إظهار الشعور بالحاجة إلى العاطفة؛ خصوصاً أن أُمَّه ماري كانت مستنزَفة للغاية بمرضها، بينما كان جل اهتمام والده فريد منصباً على انتقاء أحد أبنائه ليكون الأكثر طوعاً لتحقيق أهدافه. وكانت الشخصية الجامدة التي طورها ترامب بمثابة درع تحميه في كثير من الأحيان من الشعور بالألم والخسارة، غير أن ذلك الأمر منعه أيضاً من معرفة كيفية الوثوق بالناس بما يكفي للاقتراب منهم.

وخاف فريد الابن من أن يستفسر من فريد الأب عن أي شيء. ورأى دونالد نتائج هذا التحفظ. فكلما انحرف فريد الابن بشكل طفيف عن توقعات الأب غير المعلنة غالباً، انتهى الأمر بالأول إلى تعرضه إلى الإذلال أو الإهانة من والده. ونتيجة لهذه المعاملة، حاول دونالد شيئاً مختلفاً؛ وهو تحطيم كل حاجز تجنب أخوه الأكبر اختباره. فقد اتجه دونالد إلى أخذ ما يريد دون أن يطلب الإذن؛ ليس لأنه كان شجاعاً، بل لخوفه من أن عدم إقدامه على هذا الأمر سوف يعرضه إلى توبيخ والده. وكان الدرس الذي تعلمه دونالد من والده، أنه يجب أن يكون هناك فائز واحد فقط، وأن يخسر الباقون.
ومع تراجع فريد الابن الواضح في نظر والده، رأى دونالد فرصة ليأخذ مكانه كساعد والدهم الأيمن في إدارة “ترامب”. ولذلك كان دونالد مصمماً على الحصول على درجة تتناسب مع طموحاته الجديدة، من خلال ارتياد الجامعة، واختار ارتياد جامعة بنسلفانيا. ونظراً لأنه كان قلقاً من أن متوسط درجاته قد يقضي على طموحه في دخول الجامعة، طلب دونالد من جو شابيرو، وهو طفل ذكي معروف بتفوقه، أن يقوم بأداء اختبارات (SAT) نيابة عنه، في مقابل الحصول على أموال.
وتخرج دونالد في جامعة بنسلفانيا في ربيع عام 1968، وذهب مباشرة للعمل في إدارة “ترامب”. ومنذ أول يوم له في العمل، حصل دونالد، البالغ من العمر 22 عاماً، على مزيد من الاحترام والامتيازات، كما حصل على راتب أكبر مما حصل عليه فريد الابن. وعيَّن فريد الأب دونالد نائباً لرئاسة العديد من الشركات التي تندرج تحت مظلة إدارة “ترامب”، وأطلق عليه اسم “مدير”، على الرغم من أنه لم يقُم فعلاً بأي أمور إدارية، ومنحه أموالاً مقابل خدمات “استشارية”. وكان السبب في ذلك هو تعزيز مكانة دونالد باعتباره وريثاً واضحاً لوالده.
وحصل دونالد على اهتمام والده بطريقة لم يفعلها أي شخص آخر، وهو ما يرجع إلى قضاء دونالد أوقات إجازاته وعطلات نهاية الأسبوع في العمل مع والده وزيارة مواقع البناء، كما حاول فريد نقل خبرته بقطاع العقارات إلى ابنه الأصغر.
وعندما انضم فريد الابن (عام 1960) ودونالد (عام 1968) إلى إدارة “ترامب”، كان لكل منهما توقعات مماثلة، وهو أن يصبح الساعد الأيمن لوالده ثم يخلفه في إدارة أعماله، وسرعان ما اكتشف فريد الابن أن والده كان غير راغب في إفساح المجال له، أو تفويضه بأي مهام سوى المهام الروتينية؛ وهي مشكلة ظهرت في ذروة عملية بناء قرية ترامب. وشعر فريد الابن بأنه محاصر ولا يحظى بالتقدير وبائس، ولذلك غادر العمل مع والده ليجد نجاحه في مكان آخر. ولذلك في سن الخامسة والعشرين، ترك أعمال والده، وعمل طياراً محترفاً. وكان يطير على مدار عشرة أشهر، ويعمل مع والده على مدار شهرين.
بطاقة الكتاب:
اسم الكتاب: «أكثر من اللازم ولا يكفي أبداً: كيف أنشأت عائلتي أكثر الرجال خطورة في العالم؟»
اسم المؤلف: ماري ترامب.
دار النشر: سيمون آند شوستر.
مكان النشر: نيويورك.
سنة النشر: 2020